هل تتبلغ «كتلة المستقبل» النيابية، اليوم قرار الرئيس سعد الحريري النهائي بتبني ترشيح العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، أم أن الترشيح يحتاج الى المزيد من الإنضاج محليا وخارجيا، قبل أن يصبح رسميا قبل أسبوع على الأقل من موعد جلسة الحادي والثلاثين من تشرين الأول الجاري؟
في المعلومات، أن الحريري الذي عاد الى بيروت آتيا من موسكو، ليل أمس الأول، سيترأس اليوم اجتماع «كتلة المستقبل»، الذي لم ينعقد يوم الثلاثاء الماضي، بسبب معلن هو سفر الرئيس فؤاد السنيورة الى الخارج، فيما بدا واضحا أن الحريري لا يريد في هذه المرحلة أن يصدر عن «الكتلة» أي موقف من شأنه أن يفسر سلبا أو إيجابا من هذا الطرف أو ذاك، لذلك، قرر ضبط إيقاع تياره السياسي، آخذا على عاتقه أن يتحمل تبعات الخيارات التي سيقدم عليها، بما فيها ترشيح العماد عون.
وقد استبعد أحد الأعضاء البارزين في «كتلة المستقبل» أن تصدر عن اجتماع اليوم قرارات أساسية، وقال لـ«السفير» ان الحريري سيطلع أعضاء الكتلة على نتائج الجولة الأولى من مشاورات في الداخل والخارج(موسكو)، والوجهة التي يسلكها بعد دراسة كل الخيارات التي وضعت على طاولة النواب في جلسة سابقة، وأكد أن الحريري ليس مستعجلا وهو سيأخذ وقته، وسيواصل جولته التي ستقوده الى الرياض وباريس وأنقرة، ومن بعدها يبدأ العد العكسي للاحتمالات الداخلية.
واستبعد عضو «كتلة المستقبل» أن يعود الحريري من السعودية بجواب رسمي واضح سواء بتبني عون أو غيره من المرشحين، وقال ان المؤمن لا يلدغ من جحرٍ مرتين، ولذلك، لن يلزم السعوديون أنفسهم باسم محدد، كما حصل في حالة ترشيح سليمان فرنجية، وهم أعطوا اشارة الى الحريري، فهمت بأنها عبارة عن ضوء أخضر مشروط (لا ممانعة)، فاذا بلغت مبادرته خواتيمها النهائية، سيجد موقفا سعوديا داعما، واذا اصطدمت بحائط مسدود.. سيتحمل وحده تبعات ذلك.
وقالت مصادر أخرى في «كتلة المستقبل» لـ«السفير» إن الحريري سيعيد التأكيد أمام أعضاء كتلته بأن أي قرار سيتخذه، بما في ذلك خيار انتخاب عون، سيكون مستندا إلى مجموعة من الأسباب الموجبة التي كان تولى شرحها بالتفصيل سابقا.
وعلم أن الحريري استبق الاجتماع بجولة مشاورات شملت معظم أطياف كتلته النيابية، وخصوصا بعض الأسماء المعترضة على خيار عون، وخلص إلى أن جميع النواب سيتبنّون خياره باستثناء عدد من النواب لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، وبينهم بطبيعة الحال الرئيس فؤاد السنيورة الذي كان قد ردد أمام زواره بأنه لن يكسر قرار الحريري، ولو يخرج من تحت عباءته، برغم قناعته الراسخة بأن الأمور لم تصل الى ما وصلت اليه الا بسبب ما يسميها «بعض السياسات الخاطئة».
ووفق أوساط «المستقبل»، فإن الحريري سيبادر قبل إعلان تبني «الجنرال» رسميا في غضون الأسبوعين المقبلين، إلى عقد لقاء مع رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية من أجل إبلاغه رسميا قرار العودة عن ترشيحه في ضوء الخيارات التي كان قد طرحها أمامه في لقاء بنشعي الأخير.
وتوقعت مصادر مراقبة ارتسام مشهد سياسي جديد محليا فور إعلان الحريري تبنيه رسميا لميشال عون، ولم تستبعد أن تلي ذلك إطلالة سياسية للأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله في السياق الإيجابي ذاته، على أن يكون يوم 31 تشرين الأول، علامة فارقة في الاستحقاق الرئاسي.
وفي السياق نفسه، علم أن العماد عون يتصرف منذ لقاء الرابية بينه وبين الحريري، على قاعدة أن تبني ترشيحه من زعيم «المستقبل» قد أصبح وراء ظهره، وهو الأمر الذي أظهرته معطيات الساعات الأخيرة، وبينها اجتماع المكتب السياسي ل»التيار الوطني الحر» في الرابية يوم الاثنين الماضي.
ومن المنتظر أن يحدد «الجنرال» في الساعات المقبلة روزنامة جولة «رئاسية»، يفترض أن يبدأها من عين التينة وتشمل بشكل رئيسي «بيت الوسط» وكليمنصو ومعراب وبكفيا وبنشعي، ويفترض أن يبدد خلالها هواجس بعض القوى وخصوصا المعترضة على ترشيحه!
ووفق المعلومات نفسها، كان الحريري خلال زيارته إلى الرابية حاسما وغير متردد، وهو أبلغ «الجنرال» خياره النهائي بدعم ترشيحه لرئاسة الجمهورية، وطلب منه إمهاله إلى حين عودته من رحلته الروسية، وتمنى عليه أن يحاول طمأنة جمهور الشارع السنّي بخطاب هادئ، الأمر الذي جعل رئيس «تكتل التغيير» يكسر قرار الصمت ويطلب من إدارة «أو. تي. في.» أن يطل من أجل توجيه سلسلة رسائل إلى بعض الجهات المحلية والخارجية، وهو تلقى إشارات من المقلب الحريري مفادها أن المقابلة التلفزيونية أدت غرضها السياسي.

رحلة موسكو.. مضبطة سياسية
وغداة عودة الحريري من موسكو، أبلغت مصادر ديبلوماسية روسية «السفير» أن وزير الخارجية سيرغي لافروف تناول الملف الرئاسي اللبناني باقتضاب خلال اجتماعه مع الحريري، موضحة أن الأهم في ما طرحه يتمثل في إبلاغه ضيفه أن موسكو مستعدة على أعلى المستويات لتأدية دور فاعل من أجل المساهمة في إنجاز الاستحقاق الرئاسي، «متى يقدّر الحريري أن هناك فائدة أو ضرورة لمثل هذا التدخل».
ولفتت المصادر الانتباه إلى أن الموقف الروسي الإجمالي محكوم بشبكة من الحسابات والاعتبارات الإستراتيجية، الممتدة من سوريا إلى أوكرانيا، وبالتالي فإن لبنان ورئاسته يصبحان تفصيلا في هذا المشهد الكبير والمعقد.
وأشارت المصادر إلى أنه من المستبعد أن يكون الحريري قد نجح في إقناع الروس بأن طهران و «حزب الله» هما حصرا اللذان يعرقلان الانتخابات الرئاسية، مشددة على أن إيران تبقى حليفا لموسكو، وإن سُجلت من حين إلى آخر تباينات موضعية بينهما حيال كيفية مقاربة بعض تطورات الميدان السوري.
وقد سئل الحريري في مجلس خاص، عما إذا كان يعتقد أن هناك فرصة لتحقيق اختراق رئاسي وبالتالي فصل المسار اللبناني عن المسار الإقليمي - الدولي، بالتزامن مع ازدياد التوتر السعودي - الإيراني من جهة والأميركي - الروسي من جهة أخرى، فقال إن البلد مشلول منذ سنتين ونصف سنة وانه حاول خرق الجمود من خلال ترشيح سليمان فرنجية، «لكن «حزب الله» لم يتجاوب معي وتبين لي أنه ليس بصدد الموافقة على فرنجية، وها أنا الآن أسعى إلى فتح آفاق جديدة عبر مشاوراتي التي وإن بيّنت لي أن أكثرية الأطراف لا تريد ميشال عون إلا أن اسم «الجنرال» أصبح من ضمن الخيارات الواردة بالنسبة إليّ».
وأضاف الحريري: في السابق، لم يكن خيار «الجنرال» مطروحا، خصوصا بعد فشل المحادثات التي أجريتها معه في المرحلة الأولى (مطلع العام 2014)، لكن الجديد الآن هو أن دعمي ترشيح عون بات من الاحتمالات الممكنة.
وتابع الحريري: «هناك من كان يتهمنا، أنا والسعودية، لا سيما في الوسط المسيحي، بأننا نعطل انتخاب الرئيس، لكن خطوتي المتقدمة ستثبت للجميع، خصوصا للمسيحيين، أنه لا سعد الحريري ولا الرياض هما من يعرقلان الانتخاب وبالتالي وصول الجنرال إلى قصر بعبدا، بل إيران والحزب، والدليل أنني ذهبت إلى خيار الحد الأقصى في مرونتي وإيجابيتي وأبديت انفتاحا على ترشيح عون.. ماذا بعد»؟.

نداء بكركي.. و»كعك العباس»
في هذا الوقت، استبدل مجلس المطارنة الموارنة بيانه الشهري بـ «نداء»، لا يصدر عادة إلا عند المنعطفات وفي المحطات المفصلية، ما يعكس مدى تحسس بكركي بخطورة المرحلة الحالية، بعد استفحال الشغور الرئاسي وعوارضه.
ولئن كانت عظة البطريرك الماروني بشارة الراعي الأحد الماضي قد فجّرت أزمة بينه وبين الرئيس نبيه بري، إلا أن نداء أمس ورد فعل بري عليه ساهما على ما يبدو في احتواء الموقف ومنع تمدد الزوبعة خارج.. الفنجان. صحيح أن المطارنة أكدوا التزامهم بما صدر عن الراعي، لكنهم في الوقت ذاته فتحوا نافذة على عين التينة بإشارتهم إلى «التفاهمات» تحت سقف التقيد بالدستور نصا وروحا، علما أن سلة رئيس المجلس هي «الاسم الحركي» للتفاهمات المقترحة أو لجدول أعمال الحوار.
كما تمسك المطارنة بوضع قانون جديد للانتخاب يؤمّن التمثيل الحقيقي، في تقاطع آخر مع بري الرافض لقانون الستين.
وقد سارع بري إلى ملاقاة المطارنة في منتصف الطريق، معرباً عن تأييده لبيانهم بكل مندرجاته «الذي لا يتعارض مطلقا مع بنود الحوار الوطني (ما سُمي بالسلة)».
واحتفاءً بذلك وزع بري على النواب في «لقاء الاربعاء النيابي» سلة مليئة بـ «كعك العباس»