«متى سيفعل العالم شيئاً من أجل لبنان»؟ سؤال واضح وصريح طرحه رئيس مجلس الوزراء تمام سلام من على أعلى منبر أممي يحاكي فيه الضمير العالمي المتلكئ عن تحمل مسؤولياته المفترضة إزاء تداعيات أزمة النزوح السورية على دول الجوار وحلقتها اللبنانية الأضعف، سيما وأن اللبنانيين باتوا أمام «تحدٍ وجودي» من المستحيل التعامل معه وحدهم، ليخلص في الكلمة التي ألقاها خلال قمة الأمم المتحدة للاجئين والنازحين في نيويورك إلى توجيه تحذير محوري للعالم بأسره أنذره فيه بأنّ «لبنان معرض لخطر الانهيار» ما لم يُسارع المجتمع الدولي إلى وضع تصور جدي عملاني لإعادة «آمنة وكريمة» للنازحين ومشاركة الدولة اللبنانية الأعباء التي ترزح تحتها جراء هذه الأزمة. في حين كانت لسلام إطلالة أممية أخرى خلال ترؤسه مع وزير الخارجية التركية طاولة مستديرة حول الجهد والتعاون الدوليين حيال القضايا المتعلقة بالنزوح، جدد فيها الإعراب عن رفض لبنان الرسمي «المطلق للاندماج ومنح الجنسية أو أي شكل من أشكال التوطين الدائم»، مشدداً على وجوب أن «تذهب الأسرة الدولية هذه المرة إلى أبعد من إطلاق التعهدات وأن تبدأ تطبيق خطوات محددة لمواجهة تبعات التحولات الديموغرافية الهائلة التي حصلت في بعض بلداننا» (ص 2).

وكان قادة الدول الـ193 الأعضاء في الأمم المتحدة، وعدوا بتحسين مصير ملايين اللاجئين في مواجهة أزمة هجرة ولجوء غير مسبوقة، لكن من دون تحديد أهداف بالأرقام، ما أثار استياء المنظمات غير الحكومية.

ودعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، إلى تغيير المفهوم السائد عن اللاجئين والمهاجرين، وشدد في افتتاح قمة الأمم المتحدة حول تحركات اللاجئين والمهاجرين الكبيرة على أهمية «وضع حقوق الإنسان لجميع اللاجئين والمهاجرين في قلب التزامات المجتمع الدولي«، وقال «عندما نترجم إعلان نيويورك الذي اعتمدناه هنا اليوم إلى واقع: سيتمكن مزيد من الأطفال من الذهاب إلى المدرسة. وسيتمكن مزيد من العمال من الحصول بشكل آمن على عمل في الخارج، بدلاً من أن يكونوا تحت رحمة المهربين المجرمين. وسيصبح لمزيد من الناس خيارات حقيقية حول ما إذا كانوا يريدون العودة بمجرد أن ينتهي الصراع. إن جدول أعمال 2030 للتنمية المستدامة يدفع بتلك الأهداف قدماً«.

وفي هذا الخصوص، أطلق بان حملة أممية جديدة بعنوان «معاً - كفالة الاحترام والسلامة والكرامة للجميع»، تدعو إلى دحض خطاب الكراهية. وقال لدى إطلاق الحملة «بالعمل معاً، يمكننا الرد على ازدياد كراهية الأجانب وتحويل الخوف إلى أمل«. ودعا قادة العالم إلى الانضمام إلى هذه الحملة والالتزام بإعلاء حقوق وكرامة جميع من أجبرتهم الظروف على الفرار من منازلهم بحثاً عن حياة أفضل، وأضاف أن إعلان النيات هذا يلزمهم «حماية الحقوق الأساسية للاجئين والمهاجرين» وزيادة الدعم للدول التي تستقبلهم والتي لم تعد قادرة على تحمل الأعباء وتشجيع تعليم الأطفال اللاجئين، داعياً إلى تغيير المفهوم السائد عن اللاجئين والمهاجرين.

وفي سياق رفضه أن تكون هذه القمة مناسبة «لتبادل التهاني»، انتقد المفوض الأعلى لحقوق الإنسان زيد بن رعد الحسين بشدة «المتعصبين والمخادعين» الذين «يرفضون تحمل المسؤوليات» من خلال استقبال مزيد من اللاجئين على أراضيهم.

وقال «يبدو أن كثيرين نسوا الحربين العالميتين وما يحصل عندما يتم تأجيج مشاعر الخوف والغضب بإنصاف الحقائق والأكاذيب الفاضحة«، وأضاف «الحقيقة المرة هي أنه تمت الدعوة لعقد هذه القمة لأننا فشلنا في إنهاء الحرب» في سوريا فقوبل بتصفيق حاد.

وتقدر الأمم المتحدة عدد من هربوا من مواطنهم في العالم بـ65 مليون شخص من بينهم 21 مليون لاجئ فروا من الاضطهادات والفقر والنزاعات. وخلال عامين قضى 7 آلاف رجل وامرأة وطفل غرقاً في المتوسط أثناء محاولتهم الوصول الى أوروبا.

ويهيمن على هذه القمة النزاع في سوريا الذي دخل عامه السادس وأسفر عن سقوط أكثر من 300 ألف قتيل ونزوح أكثر من 9 ملايين شخص داخل البلاد ولجوء 4 ملايين آخرين الى دول مجاورة أو الى أوروبا.

وقال ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية السعودي الأمير محمد بن نايف، إن السعودية هي الدولة الثالثة عالمياً من حيث تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية والتنموية، إذ بلغت المساعدات التي قدمتها المملكة خلال العقود الأربعة الماضية نحو 139 مليار دولار أميركي، وأضاف: «واصلنا العمل مع المنظمات الدولية لما فيه خير اللاجئين»، مشيراً إلى أن أزمة اللاجئين تتطلب العمل بكل مسؤولية وتوحيد الجهود والحد من آثارها السلبية على الإنسانية.

وأوضح ولي العهد السعودي أن المملكة تتعامل مع هذه القضية انطلاقاً من تعاليم الدين الإسلامي، وحرص السعودية منذ تأسيسها على مساعدة المحتاجين وتقديم يد العون لهم. وأكد أن المملكة استقبلت مليونين ونصف المليون سوري منذ الأزمة، موضحاً أنها لم تستقبلهم كلاجئين أو وضعهم في معسكرات لجوء حفاظا على كرامتهم وسلامتهم، ومنحتهم حرية الحركة الكاملة وسمحت لهم بدخول سوق العمل والحصول على الرعاية الصحية المجانية.

وتابع «وحرصاً من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز على توحيد جهود المملكة الإغاثية والإنسانية لدعم الدول المحتاجة للمساعدات، جاء إنشاء مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية ليعكس الدور الإنساني المشرق للسعودية على مستوى العالم«.

وأضاف الأمير محمد بن نايف: «اعتبرت المملكة الأشقاء اليمنيين اللاجئين إلى المملكة زائرين، وقدمت لما يزيد عن نصف مليون يمني الكثير من التسهيلات، بما في ذلك حرية الحركة والعمل واستقدام عوائلهم. وبلغ عدد الطلبة اليمنيين الملتحقين بالتعليم العام المجاني في المملكة 285 ألف طالب، كما بلغت قيمة المساعدات التي قدمتها المملكة أخيراً للاجئين اليمنيين في جيبوتي والصومال أكثر من 42 مليون دولار، واستجابة للاحتياجات الإنسانية الإغاثية للشعب اليمني الشقيق قدمت المملكة نحو 500 مليون دولار«.

وتابع قائلاً «إن المملكة العربية السعودية تؤمن بأن الخطوة الأولى والأساسية للتعامل مع تلك الأزمات هي تكثيف الجهود لحل النزاعات القائمة في العالم بموجب ميثاق الأمم المتحدة، وذلك بتوظيف الديبلوماسية الاستباقية لمنع تفاقم الأزمات وتحولها إلى صراعات عسكرية تتولد عنها أزمات وكوارث إنسانية. ولن تألو المملكة جهداً في مواصلة العمل مع المنظمات الدولية والدول المؤمنة بالعمل الجماعي في سبيل تحقيق السلم والأمن الدوليين وكل ما فيه خير للبشرية، كما أن المملكة مستمرة في أداء دورها الإنساني والسياسي والاقتصادي بحس المسؤولية والاعتدال والحرص على العدالة، وهي المفاهيم التي تشكل المحاور الثابتة للعمل الدولي لبلادنا« .

والنص الذي تم تبنيه بالإجماع هو إعلان سياسي بسيط لا يتضمن أهدافاً محددة بالأرقام ولا التزامات محددة حول كيفية تقاسم أعباء المهاجرين واللاجئين.

واقترح الأمين العام للأمم المتحدة أن تستضيف الدول كل عام 10% من إجمالي اللاجئين وذلك بموجب «ميثاق دولي»، إلا أن هذا الهدف تبدد خلال المفاوضات وأرجئ الميثاق الى العام 2018 على أقرب تقدير.

وانتقدت المنظمات غير الحكومية الناشطة تأييداً للمهاجرين مسبقاً تفويت فرصة الحل. ورأت منظمة أوكسفام البريطانية غير الحكومية أن «الالتزامات السياسية أقل بكثير مما يجب لمعالجة المشكلة«.

وإزاء هذه الأزمة، قالت رئيسة منظمة «أطباء بلا حدود« فرنسواز سيفينيون: «لا نشعر حتى الآن بأن هناك إرادة سياسة قوية«، وعبرت عن أسفها «لغياب خطة فعلية لإعادة توطين» اللاجئين ولأن البيان الختامي اكتفى بعبارة «احتجاز أطفال وهو أمر لا نقبل به أبداً«. وقالت إن حماية القاصرين الذين لا يرافقهم بالغون «ويكونون في وضع ضعيف جداً« مسألة «لم يتم التركيز عليها بشكل خاص«.

وفي المقابل، رفضت ممثلة بان كي مون في القمة كارين أبو زيد هذه الانتقادات وأكدت أن الدول ستلتزم في البيان الختامي بتحقيق الهدف الذي حددته المفوضية العليا للاجئين. وتدعو المفوضية التابعة للأمم المتحدة الى إعادة توطين 5% من مجمل اللاجئين.

وهذه النسبة تعادل 1,1 مليون لاجئ في 2017 في مقابل مئة ألف في 2015 أي «أكثر بعشر مرات» بحسب أبو زيد.

ويتوقع أن يطرح الرئيس الأميركي باراك أوباما اليوم أزمة الهجرة من زاوية أكثر عملية بعد أن دعا نحو 40 دولة مانحة ستتعهد استقبال المزيد من اللاجئين، الى تأمين فرص تعليم وعمل وزيادة المساعدات الى أبرز دول الاستقبال التي تجاوزت قدراتها على الاستيعاب.

ويعيش أكثر من نصف اللاجئين في 8 دول ذات مداخيل ضعيفة أو متوسطة هي لبنان والأردن وتركيا وإيران وكينيا وأثيوبيا وباكستان وأوغندا.

وفي المقابل تستقبل 6 من الدول الأكثر ثراء في العالم (الولايات المتحدة والصين واليابان وبريطانيا وألمانيا وفرنسا) 1,8 مليون لاجئ أي 7% فقط من إجمالي اللاجئين، بحسب أوكسفام.