ما عدا المكوّن العوني ومن ورائه «حزب الله»، يبدو الكل متحسساً دقة المرحلة ومتلمساً الدرك الأخطر الذي بلغه البلد بعدما سُدّت منافذ الحلول وشُرّعت أبواب التعطيل على مصراعيها. ولأنه لم يبقَ من أعمدة الهيكل الوطني سوى عمود حكومي يلين ولا يسقط حتى لا يسقط معه الهيكل فوق رؤوس الجميع، تُنازع الحكومة المدّ التعطيلي وتصارع للحؤول دون تمكينه من فرط عقدها باعتبارها «أمانة» جدد رئيسها تمام سلام أمس التعهد «بعدم التفريط بها». وعلى وقع إشارة رئيس المجلس النيابي نبيه بري الواضحة إلى كون «تعطيل الحوار هو التورية لتعطيل الحكومة»، يجتمع مجلس الوزراء اليوم في جلسة ستكون بلا نصاب ولن ترتقي إلى مستوى الانعقاد بعدما نجحت «الرابية» في الضغط بما لها من «دلع سياسي» على «حزب الله» ما دفعه إلى إبلاغ سلام في وقت متأخر من ليل أمس قرار مقاطعة وزيري الحزب الجلسة تضامناً مع المقاطعة العونية.

وتحت وطأة التعطيل الممنهج المتنقل بين المؤسسات، رئاسياً مع تسجيل الإرجاء رقم 44 أمس لجلسة انتخاب الرئيس وترحيلها إلى 28 الجاري، وتشريعياً وتنفيذياً وصولاً إلى قلب طاولة الحوار الجامعة للبنانيين، ها هو مجلس الوزراء يتصدى اليوم بمن حضر لمنع إغراق مركب «المصلحة الوطنية» في بحور الفراغ. إذ أوضحت مصادر حكومية لـ«المستقبل» أنّ سلام تبلغ ليلاً أنّ وزراء «حزب الله» و«المردة» بالإضافة إلى الوزير ميشال فرعون لن يحضروا الجلسة فضلاً عن مقاطعة وزيري «التيار الوطني الحر» ووزير «الطاشناق» واستقالة وزير «الكتائب» ما سيجعلها حكماً مفتقرة للنصاب القانوني اللازم لانعقادها بفارق وزير واحد. 

وفي المعلومات المتوافرة لـ«المستقبل» أنّ رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون سارع بعد علمه بإمكانية مشاركة «حزب الله» في جلسة الحكومة إلى التواصل مع قيادة الحزب والتهديد بالتصعيد في الشارع في حال لم يتضامن الحزب معه حكومياً، الأمر الذي دفع «حزب الله» إلى حسم خياره بمقاطعة الجلسة خشية انزلاق لعبة الشارع إلى ما من شأنه تقويض الاستقرار الهش في البلد، وعلى الأثر تواصل الحزب مع رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية متمنياً عليه عدم مشاركة الوزير روني عريجي في جلسة اليوم للحؤول دون انعقادها ريثما يُصار إلى لملمة الوضع الحكومي.

أما على الضفة المقابلة، فنقلت مصادر وزارية لـ«المستقبل» أنّ بري أكد لسلام مشاركة وزراء كتلة «التحرير والتنمية» في الجلسة مع التشديد على كونهم «سيحضرون الجلسة قبله ولن يغادروا إلا بعده». في حين نقلت أوساط وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، الذي كان قد غاب عن الجلسة الماضية حرصاً على عدم تأجيج أي حساسية إسلامية مسيحية، أنّ المشنوق أكد لسلام أمس أنه سيشارك في جلسة اليوم «اعتراضاً على قراءة الوزير جبران باسيل لمسألة ميثاقية مجلس الوزراء».

في الغضون، علمت «المستقبل» أنّ مصادر معنية تبلغت من قيادة حزب «القوات اللبنانية» أنها لن تشارك في أي تحرك عوني في الشارع ضد التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي ولا ضد الحكومة تحت شعار «الميثاقية»، وهي معلومات تقاطعت مع التصريح الذي أدلى به نائب رئيس «القوات» النائب جورج عدوان من المجلس النيابي أمس قائلاً: «نحن اليوم في حاجة إلى تحكيم العقل والعودة إلى قنوات الحوار الذاهبة إلى الانقطاع»، متسائلاً: «إذا توقف الحوار مع بعضنا هل نستطيع حل الأمور؟ وإذا عدنا إلى استخدام الشارع وصعّدنا في الشارع هل ستحل الأمور؟ أكيد لا».