استثمرت تركيا صمت القوى الكبرى وأساسا الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وعدد من الدول الإقليمية المؤثرة في النزاع السوري، لتنزل بثقلها العسكري في بلدات سورية حدودية.
 
وشنت أنقرة هجوما غير مسبوق منذ بدء النزاع في سوريا في 2011، بإرسال طائراتها من طراز أف-16 ودباباتها إلى سوريا المجاورة في عملية دخلت، الأربعاء، أسبوعها الثاني والهدف المعلن لها صد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية وأيضا المقاتلين الأكراد. لكن تقارير ميدانية أكدت أن العملية العسكرية التركية تركزت في معظمها على مهاجمة الأكراد الذين تتوجس أنقرة من أن يقيموا منطقة حكم ذاتي على طول حدودها.
 
ويقول محللون إن استعمال القوة المفرط فيه ضد المسلحين الأكراد مقابل شن هجمات خاطفة وغير مؤثرة على معاقل تنظيم الدولة الإسلامية، يوحي بأن محاربة الجهاديين ليست إلا حجة تمويهية تركية لحجب أنظار العالم وحشد دعم دولي أكبر لعملياتها. وبالفعل فقد ضمنت تركيا طوال الأيام الأولى للعملية صمت القوى العظمي أو وقوفها على الحياد على الأقل في الحرب الطاحنة بين أنقرة و الأكراد الحليف الموثوق للغرب في محاربة التطرف.
 
غير أن الصمت الروسي الأميركي لم يمتد لأكثر من أيام معدودة لتنحو القوتان العظميان في اتجاه استنكار الهجوم التركي على الحليف الكردي، الذي أثبت نجاعة عملياته ضد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية. وتذهب تحليلات أخرى إلى أن الصمت الأميركي الروسي في بداية التوغل العسكري التركي في سوريا، لم يكن أكثر من عملية استدارج لرجب طيب أردوغان نحو مستنقع الحرب السورية بتعقيداته الكبيرة.
 
ويأتي تزامن التصريحات الأميركية الروسية الإيرانية الغاضبة من تدخل الأتراك في سوريا ليزيد اليقين من وجود توافق، حتى وإن كان غير معلن، على توريط أنقرة في هذا الملف الشائك. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا في تصريحات صحافية الأربعاء، إن روسيا تدعو تركيا إلى تجنب قصف الجماعات المعارضة والعرقية، بما في ذلك الأكراد التي تقاتل تنظيم الدولة الإسلامية.
 
وأضافت زاخاروفا “نلفت الانتباه مجددا إلى ضرورة مراعاة القانون الدولي وتنسيق أي عملية عسكرية في أراضي دولة ذات سيادة مع الحكومة الشرعية لتلك الدولة”. واستطردت “ندعو الأتراك إلى توخي الحذر في اختيار الأهداف في سياق إجراء عملية محاربة الإرهاب (في شمال سوريا)، وتجنب توجيه ضربات إلى مناطق توجد فيها فصائل معارضة أو مجموعات إثنية، بما في ذلك أكراد سوريا الذين ينخرطون أيضا في الحرب ضد داعش”.
 
 
ماريا زاخاروفا: على الأتراك تجنب توجيه ضربات إلى مناطق توجد فيها فصائل معارضة
وأكدت الدبلوماسية الروسية أن الجانب الروسي يراقب عن كثب العمليات العسكرية التركية في شمال سوريا. ونقلت روسيا، الخميس، عن زاخاروفا قولها “يكمن الهدف الأهم والأكثر إلحاحا في الوقت الراهن في الشروع في محاربة الخطر الإرهابي بجبهة موحدة بمشاركة جميع الأطراف المعنية”.
 
وبشأن الوضع في شمال سوريا وتحديدا في محيط جرابلس، حيث تجري القوات المسلحة التركية عمليتها العسكرية، قالت زاخاروفا إن عصابات “جيش التحرير” و“لواء صقور الجبل” و“فيلق الشام” المنضوية تحت لواء “الجيش الحر”، بالدعم المالي واللوجستي الخارجي، وبالدرجة الأولى من جانب تركيا، توسع نطاق هجماتها إلى جنوب وغرب جرابلس وتشتبك مع القوات الكردية.
 
ولفتت إلى أن قيادة تحالف “قوات سوريا الديمقراطية” قررت تأجيل تحضير العملية ضد معاقل “داعش” في الرقة بغية التركيز على مواجهة “العدوان التركي”. واستطردت “إننا ندعو جميع أطراف النزاع إلى تخفيف حدتهم والتركيز على إحراز الهدف المشترك المتمثل في إزالة البؤرة الإرهابية بسوريا”.
 
وفي سياق الغضب ذاته من العملية العسكرية التركية، طلبت إيران من تركيا التي تقوم بحملة في شمال سوريا أن توقف “بسرعة” عملياتها لتجنب المزيد من تعقيد الوضع في المنطقة، كما ذكرت وسائل الإعلام الإيرانية.
 
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية بهمن قاسمي في تصريحات نقلها التلفزيون الحكومي الأربعاء، إن “استمرار الوجود العسكري لتركيا في سوريا يزيد من تعقيد الوضع”. وأكد أن المواجهات في شمال سوريا “تؤدي إلى مقتل أبرياء ومن الضروري أن يوقف الجيش بسرعة تحركاته العسكرية”. وأضاف قاسمي أنه “على كل الدول احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها”، مؤكدا أن “مكافحة الإرهاب يجب ألا تضعف الحكومة الشرعية” في سوريا.
 
ومن جهتها قالت واشنطن على لسان بريت ماكغورك المبعوث الرئاسي الأميركي في التحالف الدولي ضد الجهاديين، إن المواجهات بين تركيا والقوت العربية- الكردية “غير مقبولة”، داعيا كل الأطراف إلى “وقف” المعارك. ويتصاعد التوتر بين البلدين العضوين في حلف شمال الأطلسي، منذ إطلاق أنقرة عملية “درع الفرات” التي تستهدف في سوريا حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردي وتنظيم الدولة الإسلامية.
 
وتعتبر أنقرة وحدات حماية الشعب الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي “منظمتين إرهابيتين” مع أنهما مدعومان من واشنطن في حملة مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية. وجاء الرد التركي سريعا إثر هذه التصريحات الأميركية إذ قال المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، إن “تركيا لن تسمح بدويلة على حدودها تديرها منظمة بي كا كا (حزب العمال الكردستاني) الإرهابية، وستدافع عن وحدة الأراضي السورية، ضد المنظمة الإرهابية، وداعميها في الغرب”. ودعا المتحدث، الولايات المتحدة الأميركية إلى التخلي عن دعمها للأكراد السوريين، مضيفا “على الولايات المتحدة أن ترى الأضرار التي لحقت بالنسيج الاجتماعي والعرقي في سوريا جراء دعمها لـلأكراد المسلحين”.
 
 

مصدق عبدالنبي: العرب