في ظل الانهماك، لا بل التلهّي الداخلي بالقشور والسطحيات، والتقلب السياسي على صفيح الازمات والخلافات والنفايات والمناكفات التي لا تنتهي، والترهّل الذي يجتاح الدولة في غالبية مؤسساتها البرلمانية والحكومية واداراتها الرسمية، تسللت يد الارهاب مجدداً لتضرب لبنان في خاصرته البقاعية. وقد جاء ذلك عشية الميلاد السادس والتسعين لدولة لبنان الكبير الذي يصادف اليوم. وكان يفترض ان يحمل هذا الميلاد بهجة العيد، لولا انّ هذه الدولة تمرّ في أسوأ لحظاتها السياسية، وينخرها الشلل المؤسساتي والفراغ الرئاسي، ولعلّ من المفارقات التي يمكن تسجيلها في هذه الذكرى انّ لبنان البلا رئيس، ترأس البرازيل اللبناني الأصل ميشال تامر الرئاسة البرازيلية خلفاً للرئيسة ديلما روسيف التي أقيلت من منصبها أمس، بعدما صوّت أكثر من ثلثي اعضاء مجلس الشيوخ على هذه الإقالة.
منطقة زحلة، كانت هدفاً للارهاب هذه المرة، والواضح انّ الارهابيين اختاروا هذه المنطقة التي تختصر جغرافيتها كل لبنان بكل طوائفه ومذاهبه، لإشعال النار والاخلال باستقرار البلد بعبوّة ناسفة دَلّت تركيبتها المؤلفة من المسامير والكرات الحديدية على أنها هدفت الى إيقاع أكبر عدد من الضحايا الابرياء.

من هنا، لا تكمن خطورة العبوة فقط بنوعيتها وتركيبتها، بل باستهدافاتها والنوايا الخبيثة التي يبيّتها الارهابيون، والتي تؤكد انّ لبنان ما يزال على منصّة التصويب الارهابي، وبمعزل عن التأويلات والتفسيرات والتحليلات، من هنا وهناك، فإنّ هذه الرسالة الارهابية في هذا التوقيت بالذات تدق جرس إنذار للبنانيين، كل اللبنانيين، وتضعهم جميعاً امام واجب التحصين الداخلي فعلاً لا قولاً، سياسياً وأمنياً، والتوجّه المشترك لبناء الجدران الصلبة وطنياً وعلى مستوى كل الطوائف والمكونات، لصد الارهابيين وإحباط محاولاتهم المتكررة لزرع الفتنة في هذا البلد.

على انّ هذه الرسالة الارهابية في هذه المنطقة بالذات، تفرض إحاطتها بالكثير من الاسئلة وعلامات الاستفهام، هل هي مقدمة لمسلسل ارهابي جديد؟

كيف تمكن الارهابيون من زرع هذه العبوة على طريق رئيسي يعبره الجميع؟ من اين أتى الارهابيون؟ هل من المنطقة او من خارجها؟ وأين صنعت العبوة، بل من اين استقدمت؟ ومن كانت تستهدف بالتهديد، هل حافلة الركاب التي أصيبت، أم انها كانت تستهدف الحافلات التي كانت تنقل بعض المشاركين في احتفال صور في ذكرى تغييب الامام الصدر؟

كلها أسئلة قد يحمل اجوبتها التحقيق العسكري الذي بوشر في العملية الارهابية، الّا انّ التحقيقات الاولية حملت بعض المؤشرات عن احتمال استهداف «حافلات الاحتفال» من خلفية خبيثة هدفها استهداف فئة معينة توخّياً لمفاعيل وردود فِعل أخطر على مستوى البلد بشكل عام.

وأكدت مصادر امنية لـ«الجمهورية» انّ العبوة الناسفة فُجّرت عن بعد، بعد دقائق معدودة من عبور عشرات الحافلات المتوجهة من البقاع الى صور، وفي وقت كان يعبر فيه «فانان» من الجهة الثانية من الطريق حيث انفجرت العبوة، الّا انّ احداً لم يصب فيهما.

ووصفت المصادر العبوة بأنها من أخطر ما تعرّض له لبنان، مشيرة الى انه لو تحقّق هدف الارهابيين لكان البلد قد فتح على تداعيات في منتهى السلبية، ويمكن القول في هذا السياق انّ لبنان قد نجا من كارثة.

ورجّحت المصادر فرضية حدوث خطأ ما في تحديد الباص المستهدف بما أنّ التفجير حصل عن بعد، أي أنّ المفجّر كان يراقب الموقع ولم يوقّت التفجير من قبل، وأنّ استهداف «باص» يقلّ أشخاصاً من جمعية معينة يقومون برحلة الى كسارا هو فرضية غير منطقية، وفي اي حال لننتظر التحقيقات التي يفترض أن تبيّن كل الحقائق والملابسات».

وكشفت المصادر نفسها انّ الجيش يقوم بتجميع المعطيات، مع جوجلة ما أدلى به شهود العيان، بالإضافة الى تجميع ما التقطته الكاميرات المركَّبة في المنطقة المجاورة للمنطقة المستهدفة. وهناك خيوط تمّ تجميعها وتجري محاولة إماطة اللثام عن كل ما يحيط بها.

وكانت عبوة ناسفة قد انفجرت قرابة الاولى بعد ظهر أمس، عند مستديرة كسارة - زحلة، أدّت إلى مقتل امرأة من التابعية السورية، ووقوع عدد من الإصابات في صفوف المواطنين، الذين تمّ نقلهم الى مستشفيات المنطقة.

وكشف الخبير العسكري على موقع الانفجار، وتبيّن بنتيجة الكشف انّ العبوة تزن اربعة كيلوغرامات من مادة الـ»تي ان تي»، ووُضعت في حوض ورود عند دوار كسارة - زحلة، وبوشر التحقيق في الحادث بإشراف القضاء المختص.

عراجي

ووصف النائب عاصم عراجي التفجير بالارهابي، وقد استهدف اشخاصاً آمنين يمرّون بالصدفة على طريق استراتيجي بغية تخويف الناس وزرع البلبلة.

واكّد عراجي لـ«الجمهورية» وجود قلق في منطقة البقاع من عودة مسلسل التفجيرات في المنطقة. واستبعد ان يكون التفجير استهدف موكباً لحركة «امل» كان يتجه الى الجنوب واعتبر انه استهداف لناس مدنيين. وامل في ان تكشف كاميرات المراقبة المنفّذين، متخوّفاً من ان يكون ما جرى هو نوع من الفتنة في البلد واستهداف للاستقرار فيه.

وفي السياق ذاته، وزّعت السفارة البريطانية تصريحاً للقائم بالأعمال البريطاني في لبنان بنجامين واستنيج تقدّم فيه بالتعزية بضحايا التفجير وتمنّى الشفاء العاجل والتام للجرحى. مُديناً «هذا العمل الإرهابي الذي استهدف عشوائياً أناساً أبرياء، وأيّاً كانت نوايا المهاجمين، يكون الرد الأفضل على أعمال كهذه، إظهار القوة في الوحدة. وانّ المملكة المتحدة تبقى مصمّمة، كما دائماً، على دعم الاستقرار في لبنان».

بري: لوقف العبث السياسي

سياسياً، أحيت حركة أمل الذكرى الرابعة والثلاثين لتغييب الامام موسى الصدر في احتفال جماهيري أقامته عصر امس في صور، تحدث فيه رئيس مجلس النواب نبيه بري، فدعا الى «إيقاف العبث السياسي والالتزام بالدستور ومواجهة القوى التي تواصل الانقلاب على مختلف العناوين السياسية».

وتوجه بري الى القوى السياسية قائلاً: «أوقفوا تعطيل المؤسسات وسنواجه ذلك بقوة الناس اذا لزم الامر، واتّعظوا ممّا يدور حولنا»، وأضاف «البلد سوف يبقى معطلاً إن استمر من دون رئيس وهناك ضرورة لإقرار قانون انتخابات».

وشدد على «أهمية الاتفاق على موضوع الحكومة وقانون الانتخابات»، قائلاً: «لا بد من التفاهم على قانون انتخابات او تشكيل الحكومة ما يتيح انتخاب رئيس للجمهورية حتماً»، معلناً أنه سوف يستمر في «الحوار الثنائي والجماعي لِما له من أهمية تمنع التوتر والفتنة».
كما تطرّق بري الى ملف تسليح الجيش، داعياً الى «دعم الجيش والتبرع لتسليحه وزيادة عديده إذ لا يمكننا الاستمرار بالتسوّل».

مسؤول أميركي

على صعيد آخر، وفي خطوة بالغة الدلالة بأبعادها السياسية والإقتصادية والمالية، يصل الى بيروت اليوم الوزير المساعد للشؤون السياسية في وزارة الخارجية الاميركية توماس شانون في زيارة لأيّام عدة، وصفت بالاستقصائية حول الترتيبات التي اتخذها لبنان على مستوى تنفيذ قانون العقوبات الأميركي ضد «حزب الله»، والقوانين الأخرى المخصصة لتجفيف موارد ما تصنفها الادارة الاميركية «المنظمات الإرهابية» في لبنان والمنطقة.

وقالت مصادر واسعة الإطلاع لـ«الجمهورية» انّ مهمة شانون تتعدى الصفة السياسية التي يحملها، وهو سيلتقي إضافة الى بري، اليوم، وزير الخارجية جبران باسيل والمستشار الإقتصادي في رئاسة الجمهورية المكلّف بمتابعة اعمال «المجموعة الدولية لمساعدة لبنان» نيابة عن رئيس الحكومة تمام سلام الموجود خارج لبنان وحاكم مصرف لبنان وأركان جمعية المصارف كما سيزور وزارة الدفاع.

وقالت المصادر التي شاركت في التحضير للزيارة، انّ شانون ألغى زيارة كانت مقررة الى لبنان والمنطقة في الأسبوع الأخير من آذار الماضي، بعدما كان التقى وفد جمعية مصارف لبنان والوفد النيابي اللذين زارا واشنطن في شباط وآذار الماضيين لمراجعة المعنيين في وزارة الخزانة الأميركية بشأن قانون العقوبات الاميركي.

ولذلك، أضافت المصادر انّ شانون سيتابع في بيروت ما آلت اليه التدابير المالية التي لجأ اليها مصرف لبنان والمصارف اللبنانية تطبيقاً للقرار الأميركي بالإضافة الى الوقوف على حاجات لبنان المالية والإقتصادية لمواجهة عبء النزوح السوري وكلفته على مختلف الوجوه الإقتصادية والإجتماعية والتربوية والصحية في لبنان وحاجات المؤسسات العسكرية والأمنية في مواجهة الإرهاب.

كما ستكون الزيارة مناسبة للبحث في أسباب تأجيل مؤتمر «المجموعة الدولية من اجل لبنان» الذي كان من المقرر عقده في نهاية ايلول الجاري في الأمم المتحدة عقب أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة بسبب كثافة المؤتمرات والنشاطات المقررة في هذه الفترة.

وعليه، نَفت المصادر ان يكون للزيارة ايّ علاقة بما يترقّبه المسؤولون المصرفيون لقرب صدور لائحة جديدة بالمؤسسات والأشخاص الذين ستفرض وزارة الخزانة الأميركية عليهم عقوبات مالية جديدة شبيهة باللائحة السابقة التي شملت عدداً من القياديين في «حزب الله» والمتعاونين معه والمؤسسات المتهمة بتمويل نشاطاته على اكثر من مستوى محلي واقليمي ودولي.

تداعيات الفراغ

على صعيد آخر، حضرت الآثار السلبية لاستمرار الفراغ الرئاسي، في اجتماع وزير الداخلية نهاد المشنوق مع ممثلة الامين العام للأمم المتحدة في لبنان السفيرة سيغريد كاغ التي نبّهت الى انّ «هذا الوضع يفوّت على لبنان الكثير من المساعدات الدولية، ومنها القروض الميسّرة والتي تنتظر انتظام العمل في المؤسسات الدستورية».

وأكد المشنوق انّ «البلد لا يملك ترف الانتظار، وينبغي التحرك العملي للخروج من حال الجمود القاتل والخطر، بغية التمكن من مواجهة مختلف التحديات الداخلية والخارجية في زمن التحولات الاقليمية».