"إذا أردتِ أن تُجنّني رَجلاً في مجتمعنا، أخبريه أنّ نساء اليوم سيتوصّلن قريباً إلى حكم العالم! فقد يتمنّى الانتماءَ إلى داعش عوضاً عن ذلك! هذا الرَجل الشرقي الذي تجذّرَت في رأسه أفكار مجتمع أبوي صوَّرَته المسيطر الأبدي على كلّ مفاصل القرار، سيتغيّر لونُ وجهه فجأةً، وسيجيب بلهجة مِلؤها التحدِّي كأنّه استُهدف بصلب شرفه. رأسُه المتحجر لا يستوعب أبداً أن تحكمه امرأة! نعم، وكيف لا يستفزّه الأمر؟ فالمرأة المرسومة في فكره "عبد مأمور" على الدوام. هو يقرّر وهي تنفّذ. لا يقدر أن يتخيّلها سوى مرؤوسة، حتّى حقوقها يجب أن تطالب بها بإلحاح، ليمنحَها ما يروق له منها وما يناسبه، وذلك على صورة امتيازات صدرَت من كرَم أخلاقه، "وبرَبِّحا جميلة فيا". هو غانيها ومدمّرها في آن وعلى هواه، أمّا سلام حياتها وسعادتها مع شريكها، فيتوقّفان غالباً على حظّها.

"الرجل قبل الزواج كما البطيخة قبل القصّ". إن حظيَت برجل جيّد "كرَّمها"، علماً أنّه في غالب الأحيان لن يحبّذ أن تعيش طموحها إلى أبعد الحدود، بل ينتظر منها أن تتكرّس للاعتناء به وبالعائلة، أمّا إذا اقترنَت برجلٍ سيّئ، فتكون قد "عَلقت". وهي لن تتلقّى أبداً التشجيع على نفضِ واقعِها والتخلّص ممّا يزعجها، لأنّ أهلها أوّل من تلجأ لهم في وقت المشاكل، وهم أكثر مَن يحثّها على الخنوع.

القرار


توصّلت نساء عديدات في العالم إلى الإمساك بزمام القرار، ولكن لا يخفى على أحد أنّهن لطالما كنّ مقرِّرات في الظل. فالرجل رمز القوّة يجب أن يتصدّر الواجهة دائماً ويبدو كأنه صانع القرار الوحيد، وقد كان على المرأة أن تستنزف مكرَها وحنكتها حتى تتوصل إلى إدارة هذا المتسلّط دون إدراكه.

هي اضطرّت إلى مجاراته تارةً والكذب عليه طوراً وادّعاء الحب والطاعة والولاء المطلق دائماً حتى تتمكّن من دسّ أفكارها في رأسه وإقناعه بها سبيلاً ليتبنّاها، فيصبح الناطق الرسمي باسمِها من دون أن يلحظ ذلك. والوضع مماثل بالنسبة للنساء اللواتي حكمنَ العالم من خلال أزواجهنّ أو بالنسبة للواتي سيطرنَ على زوج لا يتعدّى حكمه نطاق جدران منزله.

هي ناضلت في الخفاء والعَلن لكي تتمكّن مِن قلب الموازين، ويبدو أنّ التغيير بات وشيكاً، فإمساكُها بزمام القرار في العالم لم يعُد بعيداً. صحيح أنّ عدد النساء المتعلمات كبير إلّا أنّهن لطالما تعلّمنَ ليَرمين شهاداتهنّ في درجٍ حيث يتراكم فوقَها الغبار، فهنّ عندما يقرّرن الزواج لإنتاج عائلة يَدفنَّ أحلام التطوّر من دون أن يدركن، فيقلّصنَ مِن عَملهنّ خارج البيت ويمنحنَ وقتاً أكبر لبناء الأسرة.

ويتساءل الرجل؟ "كيف للمرأة أن تتوصّل إلى مراكز صنعِ القرار بينما لم تنجِز ما هو مهمّ عبر التاريخ؟ فالغالبية الساحقة من الاختراعات التي غيّرت وجه العالم أنجزَها رجال، والحروب والدفاع عن الأرض يؤمّنه الرجال"... قد يغيب عن باله أنّها ضحّت بوقتِها خلال قرون، فوقفَت في المطبخ لساعات حتّى تؤمّن للرجال المأكل والمشرب، إضافةً إلى إنجاب الأولاد وتربيتهم على حساب تطوّرها المهني.

العالم اليوم


في العالم المعاصر أدركت النساء أهمّية التطوّر المهني، ففي الغرب يَسعين إلى الصعود متحدّياتٍ المصاعب والعصيَّ التي يزرَعها المجتمع الذكوري في دوالبيهنّ. وربّما سينطبق عليهن مَثلُ السلحفاة التي تمكّنَت يوماً من أن تسابق أرنباً وتفوز عليه، بمثابرتها وجهدِها، بينما كان يهزَأ بها وبضعف قدراتها الحرَكية، مقارنةً بقوّة عضلاته.

فعِلماً أنّ حكم الرئيسة ديلما روسيف سَقط في أكبر دولة في أميركا الجنوبية، إلّا أنّ العالم شهد وصولَ تيريزا ماي إلى رئاسة الوزراء في بريطانيا، لتكون ثاني امرأة تتبوّأ هذا المنصب بعد المرأة الحديدة مارغريت تاتشر.

في المقابل، تَبرز المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قائدة رابع أكبر اقتصاد في العالم والمستمرّة في الحكم منذ أكثر من 10 سنوات. أمّا فرنسا فتشهد صعوداً قويّاً لليمينية مارين لوبان، كمنافسة أساسية في الانتخابات الرئاسية المرتقَبة في العام المقبل.

وينتظر العالم أيضاً لحظة حسمِ المعركة في الولايات المتحدة بين الخصمين، هيلاري كلينتون أوّل امرأة في تاريخ البلاد تترشّح لمنصب الرئيس عن حزب كبير، ودونالد ترامب، علماً أنّ وصول هيلاري إلى رئاسة أقوى دولة عسكرياً واقتصادياً وعلمياً، سيشكّل تقدّماً كبيراً للمرأة عالمياً.

مِن جانبها تتحضّر الأمم المتحدة لاستقبال خلفٍ لبان كي مون في اليوم الأوّل من العام 2017، وقد أملَ هذا الأخير أن تخلفَه امرأة. ويتنافس 11 مرشّحاً، بينهم 5 نساء كفؤات، إحداهنّ المدير العام للأونيسكو وأخرى ترأس برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP).

من منظار رجل


تتشعّب آراء الرجال حيال هذا الواقع، أمّا مسعود، تاجر الألبسة في بيروت، فيُطَمئن نفسه هازئاً خلال حديث مع إحدى زبوناته المتحمّسة لتقدّم النساء سياسياً، ويُجيبها بسخرية: "فلتتبوّأ المرأة منصبَ رئاسة الأمم المتحدة، ولتُعرب للعالم عن قلقِها يومياً، فماذا يفعل الأمين العام سوى ذلك؟ ولتصِلْ إلى رئاسة جمهورية أميركا، فحتّى الواصل إلى هذا المنصب يديره رجال دعَموا وصوله!".

(الجمهورية)