بدا أنّ البلاد تنحو إلى مزيد من الاهتراء، وعودة الوضع الداخلي إلى المربّع الأوّل، في ضوء تبادُل الاتّهامات بالتعطيل واستمرار الاشتباك السياسي بين تيار «المستقبل» و«حزب الله» بعد كلام أمينِه العام السيّد حسن نصرالله عن وجود أنصار لـ«جبهة النصرة» داخل الحكومة، والهجوم الذي شنّه وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق على الحزب من بوّابة «سرايا المقاومة»، والذي تزامنَ مع الحديث عن فشَل محاولة الاتفاق بين رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون والرئيس سعد الحريري على رئاستَي الجمهورية والحكومة.
وفي ظلّ هذه الأجواء المشحونة، تواصلت الدعوات إلى ضرورة اغتنام فرصة الحوار الوطني المنتظَر مطلع أيلول، لإنتاج حلّ متكامل تحتويه السلّة المطروحة،

علماً أنّ الوضع المالي بدا ينذِر بعواقب خطيرة على البلاد والعباد، إذ المطلوب اتّخاذ الإجراءات السريعة لتلافي هذه العواقب التي ستبرز في حال عدم تمكّنِ لبنان من تسديد استحقاقات ماليّة تبلغ 7 مليارات من الدولارات خلال السنة المقبلة. ولوحِظ أنّ وزير المال على حسن خليل يستمرّ في إطلاق تحذيرات في هذا الصَدد في وقتٍ تبدو الطبقة السياسية قد صمَّت آذانَها «كأنّ الدنيا بألف خير».

برّي

وفي الوقت الذي تسود مخاوف مِن انفراط عقدِ الحكومة بفِعل الخلاف على التعيينات العسكرية وسواها، أكّد رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زوّاره أمس اطمئنانه الى بقاء الحكومة، «على رغم أنّها بمثابة حكومة مستقيلة»، واستبعَد حصولَ استقالات فيها، خلافاً لِما يُشاع هنا وهناك عن احتمال حصول مِثل هذه الاستقالات بسبَب ملفّ التعيينات العسكرية.

وتوقّع التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي بقرار يتّخذه وزير الدفاع بعد عرضِ الموضوع في مجلس الوزراء، وذلك على غرار قراره الأخير بالتمديد للأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد خير.

وردّاً على سؤال حول ما يتردّد من أنّ حلّ الأزمة بات مرهوناً بما ستؤول إليه التطوّرات في المنطقة، قال بري: «مهما حصل في الخارج، ومهما جاء من الخارج، لا حلّ للأزمة اللبنانية إلّا بالسلة المتكاملة، ولا جدوى من انتظار ما ستؤول إليه الأوضاع في المنطقة».

وحول السجال الدائر بين حزب الله وتيار «المستقبل»، قال بري إنّ على الطرفين «أن يختارا بين الاستمرار في السجال وبين التوافق».

«المستقبل»

وقالت مصادر في تيار «المستقبل» لـ«الجمهورية» إنّ «التيار» جاهز لجلسة هيئة الحوار الوطني في الخامس من ايلول، لأن ليس هناك ايّ جدول اعمال محدّد ولا علاقة مباشرة لحضور الرئيس سعد الحريري في بيروت أو عدمه.

واستبعدَت أن يعود الحريري الى بيروت قبل نهاية الشهر الحالي، لافتةً الى أن «ليس لديه أيّ مواعيد محددة في بيروت، ولا استحقاق يستوجب حضورَه قبل جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في السابع من أيلول، وإنْ لم يطرأ أيّ جديد ما زال مستبعداً فلا حاجة لمشاركته، فنحن ككتلة نيابية سنقوم بالواجب على خير ما يرام».

«الحزب»

وكان نائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم قد اعتبر أنّ «بعض شركائنا في الوطن وللأسف مكبَّلين بالخارج، لا يستطيعون اتّخاذ القرار ولا يتجرّأون بالحديث عن اقتناعاتهم على الطاولة عندما نجلس معهم، فهم يتحدّثون عن أمور أخرى ويتذرّعون بذرائع غير حقيقية وغير صحيحة، لأنّ الأمر لم يأتِ بعد».

وأكّد أنّ «حلّ مشكلة الرئاسة لا يكون بالضغط، فلا نحن نفرض على أحد رئيساً، ولا أحد يستطيع أن يفرض علينا رئيساً، ومِن الطبيعي أن يأتي الرئيس بالتوافق وأن تأتي كلّ المواقع الأساسية في البلد بالتوافق، وهذا يعني أنّ علينا أن نتحاور حتى نصل إلى النتيجة المعقولة والممكنة».

مجدلاني

وقال عضو كتلة «المستقبل» النائب الدكتور عاطف مجدلاني لـ»الجمهورية»: «إنّ «حزب الله» يعتمد دائماً تكتيك كرة القدم، حيث إنّ الهجوم هو أفضل وسيلة عنده للدفاع عندما يكون «محشوراً» وليس عنده أحد لكي يهاجمه غير تيار «المستقبل»، لأنّ هذا التيار يعبّر عن حقيقة المواقف، وهو المدافع الاوّل عن الدولة».

ونفى مجدلاني، ردّاً على سؤال، أن يكون«المستقبل» يتّجه الى تعليق مشاركته في الحوار الثنائي مع الحزب، وقال: «إذا كنّا سنترك الحوار في ظلّ هذا التصعيد السياسي فمعنى ذلك أنّ الامور ستذهب الى أبعد وقد تصل إلى الشارع وإلى فتنة لا سَمح الله. فلذلك نحن مستمرّون في الحوار مع الحزب».

وعن إعلان الحزب انفتاحَه على الحريري رئيساً للحكومة، قال مجدلاني: «نحن نلتزم بالدستور، والدستور لا يقول إذا كان «حزب الله» يسمّي رئيس الحكومة أم لا، بل يقول إنّ نتائج الاستشارات النيابية التي يجريها رئيس الجمهورية هي التي تحدّد رئيس الحكومة. فلنذهب إذن إلى انتخاب رئيس الجمهورية ثمّ الاستشارات هي التي تحدد هوية رئيس الحكومة».

«التيار» يُصعِّد

في غضون ذلك، تتّجه الأنظار إلى الرابية لرصدِ الخطوات المرتقَبة، بعد سقوط التعيينات الأمنية في مجلس الوزراء وتوقيع وزير الدفاع سمير مقبل قرارَ تأجيل تسريح الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع حتى 21 آب 2017، خصوصاً أنّ وزراء «التيار الوطني الحر» واصَلوا تحذيراتهم من أنّ ما قبل التمديد هو غير ما بعده.

وفي المعلومات أنّ اجتماع الهيئة السياسية في «التيار» اليوم واجتماع «تكتّل التغيير والإصلاح» غداً الثلثاء سيبحثان، إلى الوضع العام، في الخطوات الواجب اتّخاذها والخيارات المتاحة. وأكّدت مصادر «التيار» لـ»الجمهورية» أنّ الأمور «مفتوحة على كلّ الاحتمالات»، وقالت:» لن نسكت عمّا جرى، نحن نعني ما نقول، والأيام المقبلة ستبرهِن عن ذلك».

وأوضحَت هذه المصادر: «أنّ خيارات التصعيد متعدّدة، ونحن ندرس ما هي الخيارات التي يمكن أن نتّخذها، وهل ستكون تدريجية أم لا؟». وذكّرَت بأنّ «التيار» شلَّ العملَ الحكومي في المرّة الماضية لثلاثة أشهر، وأنّ الوضع لم يعُد إلى طبيعته إلّا عند تعيين ثلاثة أعضاء في المجلس العسكري».

واعتبرَت «أنّ الفرصة الأفضل أمام الحكومة ورئيسها تمّام سلام تتمثّل بالذهاب في جلسة مجلس الوزراء المقبلة إلى التعيين إنقاذاً للعمل الحكومي».

وإذ لفتَت المصادر نفسُها إلى «أنّ آلية العمل الحكومي تقضي بعدم السير بقرارات مجلس الوزراء إذا اعترض مكوّنان حكوميان أساسيان»، سألت:
«كيف إذن سيكون عليه الوضع إذا بات هناك مكوّنان أساسيان مقاطعان؟»، مشيرةً بذلك الى مقاطعة حزب الكتائب والمقاطعة المحتملة لوزراء التيار. وقالت: «عندها ستبدأ الأسئلة عن ميثاقية الحكومة حتى في ظلّ وجود وزراء مسيحيين مستقلّين فيها».

بوصعب

وكان وزير التربية الياس بوصعب قد جدّد من طرابلس أمس التأكيد «أنّ لدينا خيارات كثيرة وندرسها»، مكرّراً أنّ «الحكومة التي لا تحترم نفسَها لا أحد يحترمها، والخطيئة التي حصَلت بتخطّي الحكومة للقوانين والدستور تدفعنا إلى القول إننا لن نسكت على هذه الحكومة، والذي يَحصل لن يمرّ مرور الكرام». وهاجَم بوصعب وزير الدفاع، متوجّهاً إليه قائلاً: «لا تتحمّل أمراً لن ينصفَك التاريخ به، ولا تكن غطاءً لأحد، ومِن المعيب أن تستخفّ بعقول الوزراء والشعب».

الراعي

وفي المواقف، أكّد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي من سيول عاصمة كوريا الجنوبية «أنّنا نصلّي معاً على نيّة الاستقرار في لبنان والمصالحة السياسية فيه، من أجل التوصّل الى انتخاب رئيس للجمهورية يعيد له موقعَه في الأسرة الدولية وانتظام عمل مؤسساته الدستورية.

ونسأل الله أن يحمي هذا البلد المميّز الذي خصَّه بدعوة وبرسالةٍ في الشرق لنشر إنجيل الأخوّة والمحبة والسلام وقيَم الكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان والديموقراطية والحرّية».

مهرجانات صيدا

وفيما تسير المهرجانات في لبنان عكس الأجواء السياسية الملبّدة، برزت الحملة على مواقع التواصل الاجتماعي ضد إقامة «مهرجانات صيدا» تحت عنوان «صيدا لن ترقص»، بذريعة أنّ هذه الاحتفالات تُسيء إلى الجوّ الإسلامي للمدينة، وأنّ ما تتضمّنه يحمل مخالفات شرعية، ما استدعى موجة رفضٍ سياسيّ وشعبي عارم، وتشديداً على أنّ صيدا مدينة تحبّ الحياة .

السعودي لـ«الجمهورية»

وأكّد رئيس بلدية صيدا محمد السعودي أنّ المهرجانات قائمة ومستمرّة ولن تُلغى. وقال لـ«الجمهورية» إنّ «صيدا هي عاصمة المهرجانات التي بدأت فيها منذ العام 1960، أي منذ 56 عاماً، والكلام المثار لا يمثّل صيدا، فصيدا مدينة العيش المشترك، ولا أحد يستطيع فرضَ رأيه عليها». وطمأنَ إلى أنّ «زخم المهرجانات سيكون أقوى، وأنّ دعوات ضعفاء النفوس إلى مقاطعتها ستنعكس سلباً وستشكّل دافعاً للناس للمشاركة بكثافة».

سعَيد لـ«الجمهورية»

من جهته، قال منسّق الأمانة العامة لقوى «14 آذار» النائب السابق الدكتور فارس سعيد لـ»الجمهورية»: «إنّ من يدّعي في صيدا أو غير صيدا بأنّ الإسلام يتناقض مع السياحة، فهو يضرّ بالإسلام ويضرب العيش المشترك ويعطي الحجج للذين يعتبرون أنّ الإسلام لا يمكن أن يتعايش مع العصر بأنّ هذا الموضوع قائم، وهو غير قائم وغير صحيح».

ودانَ هذا التصرّف، معتبراً أنّ «تطبيق القانون في السياحة والسياسة والاقتصاد يجب أن يكون هو المعيار الذي يجب أن نستخدمه في بعلبك أو في جبيل أو في صيدا أو في بيت الدين، وخارج القانون هو مسّ بحرّيات اللبنانيين».