خلاصة زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى بيروت، وكما حدَّدها مرجع كبير، أنّها كانت «سياحة استطلاعية» لا أكثر ولا أقلّ. وقد سَقطت زيارة الوزير المصري على مشهد لبنانيّ يتآكله الاهتراء والتعقيد السياسي والانسداد الرئاسي والإرباك الأمني، إنْ جرّاء النزفِ الحاصل من خاصرة عرسال ومحاولات المجموعات الإرهابية العودةَ إلى أسلوب العبوات الناسفة لضرب الاستقرار الداخلي، أو من خلال الاشتباك السياسي على التعيينات العسكرية التي ستكون بنداً رئيساً على طاولة مجلس الوزراء اليوم. يأتي ذلك بالتوازي مع الانهماك العام بالتطوّرات الإقليمية المتسارعة من حول لبنان، في ظلّ التدخّل العسكري الروسي الثقيل في الأزمة السورية وما قد ينتج عنه من تداعيات في الآتي من الأيام، وسط حديث عن ارتفاع وتيرة التصعيد العسكري على أكثر من جبهة، بما يفتح البابَ على شتّى الاحتمالات.
إذا كان الوزير المصري قد حرصَ على إضفاء الطابع الإيجابي على المحادثات التي أجراها مع الأطراف السياسية اللبنانية، إلّا أنّ هذه الإيجابية، ما كانت إلّا إيجابية من طرف واحد، أسقَطها الجانب المصري على زيارته، أمّا من الجانب اللبناني، فكانت ناقصة من ثلاث نواحٍ:

الأولى، إنّ الحركة المصرية كانت على ضفاف الصحن الرئاسي، وجعبة الوزير شكري كانت خالية من أيّ مبادرات رئاسية. وإنْ كانت بعض الزوايا السياسية اللبنانية قد حاوَلت الإيحاءَ بوجود رغبة مصرية بعقدِ «دوحة مصرية» في شرم الشيخ، وذلك بناءً على نصائح جهات لبنانية، إلّا أنّ ذلك لم يتأكّد لا من الجانب المصري ولا من الجانب اللبناني.

الثانية، مقاطعة الوزير المصري لـ»حزب الله»، واستثناؤه من جدول لقاءاته، مع أنّ الحزب هو أحد أبرز اللاعبين الداخليين على ملعب الاستحقاق الرئاسي.

وإذا كانت هذه المقاطعة قد وصَفها مراقبون بأنّها أفقَدت زيارة شكري زخمَها، لكنّ مصادر مطّلعة على موقف «حزب الله» عكسَت أجواء تفيد بأنّ الحزب اعتبرَ نفسَه غيرَ معنيّ بهذه الحركة المصرية، وبمعزل عمّا إذا كانت جدّية أو غير ذلك، فإنّ الحزب على قناعة بأنّ كلّ الآخرين في الداخل والخارج يدركون أن لا إمكانية لعبور أيّ حلّ بمعزل عنه.

الثالثة، مقاطعة الوزير المصري لرئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، وعدمُ إدراجه ضمن جدول لقاءاته، وكذلك عدمُ إدراجه لا هو ولا مَن ينوب عنه في عشاء العمل الذي أقامه في منزل السفير المصري في لبنان محمد بدر الدين زايد في دوحة الحص. وذلك بذريعة مشاركة الإعلامي المصري باسم يوسف في مهرجانات بيت الدين.

وكان لهذه المقاطعة المصرية، الأثرُ السلبي لدى فريق جنبلاط، وقد تمّ التعبير عن ذلك في الاعتذار عن المشاركة في الغداء الذي دعا إليه وزير الخارجية جبران باسيل على شرَف نظيره المصري.

علماً أنّ مراجعَ سياسية استغرَبت هذه الخطوة المصرية وسجّلت علامة سلبية عليها، مقرونةً بالتساؤل: كيف لجهدٍ عربيّ، ومصري بالتحديد، أن يأتي محاولاً السعيَ للتقريب بين اللبنانيين، وفي الوقت ذاته، يتجاهل طرفاً لبنانياً أساسياً، له موقفُه وموقعه في الملف اللبناني؟

وعلمت «الجمهورية» أنّ محادثات شكري، لم تخرج بما يمكن اعتباره نتيجة جوهرية، خصوصاً أنّه في لقاءاته مع الأطراف اللبنانيين، كان مستمِعاً في أغلب الأحيان، مجاملاً إلى الحدّ الأقصى، وطرَح أسئلة متعدّدة، وطلبَ استفسارات حول أمور كثيرة، وكان فريقه يدوّن الإجابات اللبنانية التي التقت في كلّيتِها على الاستعجال في إتمام الاستحقاق الرئاسي في أقرب وقت ممكن، إلّا أنّها لم تكن مجمِعة على الجانب الترشيحي.

وبحسب المعلومات، فإنّ شكري أكّد لمَن التقاهم أنّه لا يحمل مبادرةً لحلّ الأزمة الرئاسية في لبنان، بل عبَّر عن رغبة مصر في تفعيل حضورها، واستعدادها للعِب دور مساعد في بلوَرة الحلول الملائمة، والقيام بما يمكن أن يُسهّل على اللبنانيين سلوكَ طريق الانتخابات الرئاسية.

وإذا كان رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع قد استبَق لقاءَه بالوزير المصري بوصفِ زيارته بأنّها «غير تقليدية»، فإنّ أجواءَ معراب لم تعكس وجودَ خرقٍ، وعلمت «الجمهورية» أنّ اللقاء بين شكري وجعجع كان ودّياً، وقد أكّد الوزير المصري الحرصَ على لبنان والرغبةَ في السعي لإخراجه من أزمته.

وفي المعلومات، أنّ الكلام في غالبيته خلال اللقاء كان للدكتور جعجع، الذي استفاضَ في شرح الوضع الداخلي، مؤكّداً للوزير المصري أنّ أيّة مبادرةٍ، لكي تكون جدّية وذاتَ فعالية ومنتِجة، ينبغي أن تركّز على وجوب إتمام الانتخابات الرئاسية كأولى الخطوات، خصوصاً أنّ رئاسة الجمهورية تشكّل المدخل الإلزامي لحلّ كلّ القضايا الأخرى.

وشدّد جعجع على وجوب أن يتمّ التركيز على إجراء الانتخابات الرئاسية قبل آخر السنة، لأنّ بعد هذا التاريخ سيَستغرق لبنان في التحضير للانتخابات النيابية. ولفتَ الانتباه إلى أنّ الذهاب إلى انتخابات نيابية قبل الرئاسية معناه أنّه بدل أن تكون لدينا مشكلة واحدة (الفراغ الرئاسي)، تصبح لدينا ثلاث مشاكل، هي: رئاسة جمهورية معطّلة، مجلس نيابي معطّل، وحكومة معطّلة، لذلك المدخل الرئيسي يكون عبر انتخابات رئاسية، وثمّ انتخابات نيابية.

وقال جعجع للوزير المصري: مع الترحيب بكلّ جهدٍ مصري، لكنّ الجهود ينبغي أن تصبّ في الاتجاه الذي يؤدّي إلى إحداث اختراق رئاسي قبل آخِر السنة، تليه انتخابات نيابية طبيعية، ليعود البلد إلى العيش بشكل طبيعي.

في السياق نفسِه، عُلم أنّ لقاء «بيت الوسط» الذي جَمع الوزير المصري بالرئيس فؤاد السنيورة ونوّاب من كتلة «المستقبل»، تناولَ الأوضاع الفلسطينية واللبنانية وكذلك وضعَ المنطقة، والعلاقات مع إيران وتركيا.

وسَمع الوزير المصري تحفّظات حيال الدور الإيراني كسبَبٍ لكلّ المشكلات. وقد شدّد شكري، بحسب المصادر، على سعي مصر الدائم للتهدئة في المنطقة.

ولفَتت المصادر إلى أنّ شكري كان مستمعاً أكثر ممّا كان متحدّثاً، موضحةً أنّه بالوصول إلى الحديث عن أزمة الشغور الرئاسي، كان موقف شكري مشجّعاً على التفتيش عن حلول قبل الدخول في مشكلات كبيرة.

وإذ استبعَدت المصادر أن تكون زيارة الوزير المصري لتأدية دورٍ ما لحلّ هذه الأزمة، اعتبرَت أنّ الهدف منها تكوين فكرة تُمهّد لعودة مصرية إلى الساحة السياسية.

وعن توقيت الزيارة، رأت المصادر أنّها نتيجة تبدُّل السفراء، خصوصاً أنّ السفير الجديد الذي كان حاضراً في الاجتماع، يَعرف المنطقة جيّداً، لأنّه كان في لبنان منذ عشر سنوات، وهو كان مهتمّاً بملف الشرق الأوسط في الخارجية المصرية، كما أنّ المصريين يحاولون معاودةَ الظهور على الساحة في المنطقة واستعادةَ دورِهم، رغم صعوبة هذا الأمر في ظلّ وضعِهم الاقتصادي.

إلى ذلك، حالَ وجودُ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي خارج لبنان، دون تمكُّنِ وزير الخارجية المصري من اللقاء به، في وقتٍ لم تلمس بكركي وجودَ «اختراقات نوعية» في هذه الزيارة.

وقال النائب البطريركي المطران بولس صيّاح لـ«الجمهورية»: «الجهدُ المصري مشكور، لكنّه لا يَحمل أيّ حلول أو مبادرة، بل إنّ الزيارة استطلاعية، لذلك نأمل خيراً، وبعدما استطلعَ الوضع، نأمل أن يحمل أفكاراً تساعد على الحلّ المرتجى في ملفّ رئاسة الجمهورية».