ربما لا يوجد شيء من شأنه أن يجسّد التقارب بين كل من روسيا وتركيا أكثر من صورة الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان ونظيره الروسي وهما يتصافحان ويخططان للقيام بضربات مشتركة ومحتملة ضدّ تنظيم الدولة.

 

انطلقت يوم الخميس بين كلّ من تركيا وروسيا اجتماعات في سانت بطرسبرغ ركّزت بشكل خاص على كيفية معالجة الصراع السوري في إطار "آلية الثلاثية" التي تضمّ دمشق، وتجدر الإشارة إلى أن إيران أيضًا ترغب في الانضمام إلى هذه الثلاثية، حيث من المتوقّع أن يلتقي وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف مع كل من نظيره التركي وأردوغان يوم 12 آب في أنقرة، كما تفيد الشائعات بأن الحوار بين إيران وروسيا وتركيا يمكن أن يتوسع قريبًا ليشمل بشكل مباشر سوريا.

إن إمكانية إبرام صفقة مع تركيا حول الحرب الأهلية السورية تعد فرصة ذهبية بالنسبة لدمشق وحلفائها نظرًا لأنها تلعب دورًا محوريًا في تمويل المعارضة التي تقاتل ضدّ حكومة الأسد، ومن دون دعم تركيا ستكون المعارضة - التي خسرت مؤخرًا الأرض في الجنوب وحولت تركيزها نحو الشمال ومدينة حلب - أضعف بكثير في مواجهة الهجمات التي يشنها الموالون لإيران وروسيا.

وكجزء من اتفاق مع الحكومة السورية، فإن تركيا لن تتوقف فقط عن مساعدة المعارضة، ولكن نظرًا لموقعها يمكنها أيضًا وقف تدفق المساعدات المخصصة للمعارضة والقادمة من قطر والمملكة العربية السعودية، في الواقع، إذا كانت دمشق قادرة على إقناع الحكومة التركية بتغيير سياستها بشأن سوريا، فإن ذلك سيكون بمثابة انتصار لها، ولكن تجدر الإشارة إلى أنه من المستبعد أن تقوم تركيا بمثل هذا الإجراء.

ما المقصود باليوميات الجيوسياسية؟

ولكن حتى لو لم تتخلّ تركيا عن دعم المتمردين السوريين، فإنها ستنضم إلى كلّ من إيران وروسيا بهدف تحقيق الأهداف المشتركة، بما في ذلك احتواء كل من تنظيم الدولة والأكراد المتمردين، ونظرًا لوقوف القوات الدولية والمحلية ضدّ الحكومة التركية في الوقت الراهن، فمن المنطقي بالنسبة لتركيا وضع خلافاتها مع روسيا وإيران بشأن بعض جوانب الصراع السوري جانبًا والتعاون فيما بينهم نظرًا للمصالح المشتركة التي تجمع بين جميع الأطراف.

فعلى سبيل المثال، تركيا، مثلها مثل روسيا، لديها علاقات اقتصادية كبيرة مع إيران، وفي 10 آب، أعلن وزير الجمارك التركي أنه منذ رفع العقوبات ضد إيران في كانون الثاني، ارتفعت نسبة التجارة بين البلدين بنسبة 30%، وتجدر الإشارة إلى أن كلا البلدين يرغبان في الاستمرار في تعزيز هذه العلاقات.

التلاعب بسوريا

على الرغم من أن تركيا لن تتخلى تمامًا عن المعارضة أو عن جدول أعمالها الذي يتمثّل في توسيع النفوذ السني في سوريا، إلا أنها قد تغير استراتيجيتها في البلاد لاسترضاء كلّ من إيران وروسيا، وعلى أردوغان العودة بالنظر إلى بوتين لتلقّي المشورة خاصة وأن روسيا صوّرت نفسها على أنها طرف براغماتي في المفاوضات مع الولايات المتحدة حتى في الوقت الذي استهدفت فيه قوات المعارضة المدعومة من الولايات المتحدة في سوريا.

وبالمثل، يمكن للأتراك إبرام صفقات مع الروس والإيرانيين دون أن توقف دعمها للمعارضة، في الواقع، إذا ساعدت تلك الصفقات تركيا على اكتساب القدرة للدخول إلى ساحة المعركة السورية، فإنه سيكون بإمكان أنقرة نشر قواتها الجوية في شمال سوريا ضدّ تنظيم الدولة ووحدات حماية الشعب.

من المرجح أن تقدّم تركيا تنازلات لإيران وروسيا بشأن سوريا خاصة وأن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، صرّح بأنه لا يوجد حل سوري دون دعم روسي وأن المفاوضات بشأن سوريا يجب أن تنطلق مع وجود مجالات أرضية مشتركة بين جميع الأطراف، وعلاوة على ذلك، أشارت تركيا إلى أنها مستعدة لإعادة النظر في معارضتها للضربات الجوية التي تشنها روسيا في سوريا في حال لم تكن تستهدف سوى المعارضين الأكثر تطرفًا.

كما أن إغلاق تركيا مؤخرًا لمعبر باب الهوى، حتى وإن كان مؤقتًا، يمكن أن يكون بمثابة التنازل التركي لروسيا، وبطبيعة الحال، إذا تمّ التوصل إلى أي اتفاق، فإن تنظيم الدولة سيكون هو الهدف المشترك، كما أن رؤى كل سلطة ستصبح أكثر وضوحًا في سوريا في الوقت الذي اقتربت فيه مهمة هزيمة هذا العدو المشترك.

في أي مفاوضات، فإن جميع الأطراف المعنية ستحاول تعزيز مصالحها الخاصة، وخلال عملية التصالح مع روسيا، تريد تركيا إزالة العقبات في شمال سوريا التي تمنعها من استهداف تنظيم الدولة والميليشيات الكردية وتعزيز اقتصادها، كما تسعى، من خلال اقتراحها شن ضربات مشتركة مع روسيا ضد تنظيم الدولة، إلى أن تقلل من خطر الانتقام من روسيا حول ما تقوم به في سوريا.

في المقابل، روسيا عازمة على الحفاظ على رقابة مشددة داخل ساحة المعركة السورية، حيث إن كلا من روسيا وإيران يمكن أن تستفيدا من التحالف مع تركيا - حليفة الولايات المتحدة والعضو في حلف الناتو - لجعل الولايات المتحدة تبدو كما لو أنها هي الطرف غير المنطقي والوحيد في سوريا، وبالتالي، يبدو أن مصالح روسيا تتعارض مع بعضها البعض على الرغم من أنها بصدد الاستجابة لاقتراحات تركيا، ما من شأنه أن يساهم في تحديد مسار الصراع السوري.

التحكيم الإيراني

يُشاع أن هناك اجتماعات من المقرر عقدها بين الحكومتين التركية والسورية عبر الوساطة الإيرانية، وعلى الرغم من أن تركيا لن تدعم مطلقًا الرئيس السوري بشار الأسد، إلا أنها قد تقرر أن تتحدث مباشرة مع الأسد أو تدعم حكومة انتقالية من شأنها أن تضمه، أما بالنسبة لإيران، فإن دعم الأسد يعدّ جزءًا هامًا من استراتيجيتها الإقليمية، ومن مصلحة إيران الحفاظ على هذه العلاقة، وتجدر الإشارة إلى أن الشيء الوحيد الذي من الممكن أن تتفق حوله كل من سوريا وتركيا هو معارضتهما لوحدات حماية الشعب.

قد يبدو أنه مع استعداد تركيا الجديد للتفاوض، أن كل شيء أصبح ممكنًا، ولكن يجب على تركيا أن تكون حذرة حتى لا تؤدّي دبلوماسيتها مع روسيا وإيران إلى نتائج عكسية، إذا حظيت تركيا بصداقة متينة جدًا مع أي بلد، فإن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى انهيار علاقتها مع المعارضة السورية، حتى إن بعض جماعات المعارضة نأت بنفسها بالفعل عن أنقرة.

وتجدر الإشارة أيضًا إلى الضرر المحتمل الذي من الممكن أن يلحق بعلاقة تركيا المتوترة بالفعل مع الولايات المتحدة وشركائها الآخرين في حلف شمال الأطلسي خاصة وأن عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي مهمة لكل من أنقرة والناتو، لذلك ستكون تركيا مما لا شك فيه أكثر حذرًا حول كيفية تطور العلاقات الجديدة مع روسيا وإيران، اللتان تعدّان خصوم منظمة حلف شمال الأطلسي.

إن تركيا لا تحاول تحدّي الولايات المتحدة الأمريكية عبر إنشاء تحالفات إقليمية معارضة لواشنطن، فحتّى الولايات المتحدة أصبحت تفكّر في توسيع نطاق تعاونها مع روسيا حيث إنه من المنطقي في ظلّ وجود نزاع معقد كما هو الحال في سوريا، أن تقوم البلدان المعنية باستكشاف الخيارات المتاحة أمامها من تنازلات تكتيكية، حتى وإن تعارضت مصالحها الاستراتيجية تعارضًا جذريًا.

(نون بوست)