عند أي كلمة للسيد حسن نصرالله يلتئم مجلس المستشارين او الـThink Tank التابع للرئيس سعد الحريري لتحليل هذه الكلمة وابداء الملاحظات، والاقتراحات، الخاصة بالرد...
المهمة الأسهل في هذه الحال عندما يهاجم الامين العام لـ«حزب الله» المملكة العربية السعودية، الرد، وبالصيغة الهجومية المعروفة، يكون جاهزاً خلال نصف ساعة على الاكثر، وللتو يغرد الشيخ سعد الحريري عبر تويتر بلهجة صاعقة تخال الاوساط السياسية معها انهيار الحوار الثنائي، بل والاقتراب من لحظة الصدام...
هذه المرة، وحتى منتصف ليل السبت - الاحد لم يظهر شيء على حساب الحريري على تويتر، وحتى ساعة متأخرة من النهار، الكلمات القليلة التي صدرت عن «السيد» احدثت هزة في المشهد السياسي قد يساعد على احداث دينامية سياسية تفضي الى التوافق حول السلة التي طرحها الرئىس نبيه بري، وان مع بعض التعديلات التقنية التي لا تمس بالجوهر.
بطبيعة الحال، سارع صقور المستقبل الى القول ان «نصرالله يستدرجنا» الى أين؟ الى المؤتمر التأسيسي، مع ان الافرقاء جميعاً يدركون ان هذا ليس الوقت الملائم لمقاربة اي خلل بنيوي في السلطة او حتى في طريقة ادائها الدستوري..
البعض في قوى 8 آذار يؤكدون ان السيد نصرالله الذي يدرك ان الأزمة (او الازمات) الداخلية في لبنان وصلت الى حدود الانفجار يعرف ان رئيس تيار المستقبل الذي يقف بين فكي كماشة، اي بين صقور المملكة وصقور التيار، بأمس الحاجة الى تلك الكلمات التي تلفّظ بها الامين العام لـ«حزب الله».
كل ما هو مطلوب من الحريري ان يكسر الايقاع مرة ثانية، ويعلن تبنيه ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية، لا عوائق على الاطلاق امام عودة الحريري الى السراي، ولو بشروط يمكن ان يستغلها من هم داخل التيار ومن هم خارجه لدفعه ثانية الى عنق الزجاجة.
هذا لا يعني ان الحزب سيقدم له «شيكاً على بياض»، والذين قرأوا في عمق كلام الامين العام يعلمون ان هناك ثوابت يتمسك بها الحزب، وهي ذكرت، بصيغة مبتكرة، في البيان الوزاري لحكومة الرئيس تمام سلام.
الحريري يعرف ما هي الثوابت، وما فهم من خطاب «السيد» فصله موضوع السلة، بما في ذلك رئاسة الجمهورية، عن شبكة الازمات في المنطقة.
السيد نصرالله قال «الامور بأيدينا»، هذا يوحي بأن شيئاً جديداً يمكن ان تشهده جلسة الحوار في 5 ايلول المقبل. كل ما يريده الحريري كلمة من «السيد» بأنه لن يقفل عليه الطريق الى السراي بل انه مستعد لازالة اي معوقات توضع، بشكل او بآخر، امام الحريري.
قد لا تصل الامور الى حد عقد لقاء بين «السيد» و«الشيخ»، لكن مسار الاحداث قد يجعل مثل هذا اللقاء مسألة ضرورية.
المهم ماذا سيكون رد الرياض على الطرح؟ قيادي في المستقبل قال لـ«الديار» ان هناك اكثر من جهة اتصلت ببعض المسؤولين في المملكة بشأن المساعدة في كسر الحلقة المفرغة، وغالباً ما كان الرد ان السعودية هي مع اي حل ترتئيه القوى السياسية في لبنان الذي عليه ان يعالج بجدية المشكلات الداخلية التي بعضها وصل الى مرحلة خطيرة.
هل رفع الفيتو السعودي عن العماد ميشال عون؟ ديبلوماسي خليجي قال لـ«الديار» ان المملكة لا تريد رئيساً للبنان يكون جزءاً من محور معاد لها، وتقدير هذا الامر عملية دقيقة، «ولك ما يمكن تأكيده ان هناك عواصم خليجية تعتقد انه في ظل التوازنات الحساسة في الداخل اللبناني لا يمكن لأي رئيس لبناني ان يكون مع فريق ضد فريق آخر او مع محور ضد محور آخر».
ويشير الديبلوماسي اياه الى ان الاتصالات الخليجية في هذا الشأن محدودة، ولكن هناك اتجاهاً الى دعم اي عملية سياسية، او ديبلوماسية، يمكن ان تدفع بالحل الى الامام، وثمة خطوة تقدم بها مصر في الوقت الحاضر بايفاد وزير خارجيتها سامح شكري الى لبنان.
يضيف «ان العواصم الخليجية تأمل في ان يتمكن شكري من ايجاد مناخ افضل، خصوصاً وان القاهرة منفتحة على الاطراف اللبنانية كافة، والكل يعلم الا مصلحة لديها في توظيف الازمة اللبنانية لاغراض جيوسياسية او ما شابه».
الرهان حالياً على الجهود المحلية، حين قال الامين العام لـ«حزب الله» ان الامور في «ايدينا»، فهذا يعني ان بالامكان سحب الملف الداخلي، وبجهود مكثفة ومنسقة، من تضاريس الصراع الاقليمي.
لا بل ان السيد نصرالله كان واثقاً من شق الطريق نحو التسوية، والذي يبعث على التفاؤل ان «اوركسترا» المستقبل التي كانت تتلقف اي كلمة له بالهجوم، انتظرت ما يقوله الحريري، حتى ان النائب عمار حوري، وفي كلام له امس، ابتعد عن الاجابة على اسئلة تتعلق بما ورد من خطاب بنت جبيل.
وفي هذا السياق، ترى اوساط سياسية ان سبب التريث في اطلاق اي موقف من الخطاب تعليمات من الرئيس الحريري بعدم التعليق ريثما تبحث الامور بعمق، وان كانت جهات سياسية في 8 و14 آذار قد اشارت الى ان عبارة «السيد» انما جاءت بناء على اتصالات قامت بها احدى الشخصيات لمعرفة رأي قيادة «حزب الله» في موضوع ترؤس الحريري لحكومة ما بعد انتخاب رئيس الجمهورية، وما اذا كان هناك من تحفظات او شروط تتعلق بعودته الى السراي اذا ما اخذ بترشيح عون.

ـ لماذا انتظر الحريري؟ ـ

في كل الاحوال، لماذا انتظر رئيس تيار المستقبل اكثر من 24 ساعة للتعليق، وعبر النائب احمد فتفت على كلام السيد نصرالله، ما يتردد في الكواليس ان الاشارة الخارجية تأخرت فكان عليه الانتظار.
عادة التعليقات تأتي فور ان ينتهي الامين العام لـ«حزب الله» من خطابه. ما تقوله مصادر سياسية عليمة ان الخارج قال كلمته، فتم الايعاز الى فتفت بأن يصرح بما صرح به.
نائب الضنية قال ان محاولة السيد نصرالله «فرض تسوية معينة عبر تسمية رئىس الجمهورية ورئيس الحكومة هي بمثابة تغاض عن الدستور وتجاوز له، دون ان ارى في كلامه اي ضمانات، ولن نقبل بشروط «حزب الله». واذا كان للرئيس الحريري ان يصل الى رئاسة الحكومة فهو سيصل بتسمية مجلس النواب وليس بتسمية نصرالله».
ولاحظ انه «منذ عام 2006 وحتى اعلان بعبدا مروراً بالدوحة لم يلتزم نصرالله بأي شيء، وهو يصر على انه سيد النظام، وانه الناظم الامين للدولة، وهو الذي يريد وضع التعيينات لكل المناصب».
قطب في 8 آذار قال لـ«الديار» انه يستغرب «هذا الموقف الذي يفتقد الحد الادنى من المنطق، فأي ضمانات يفترض بالسيد نصرالله ان يعلنها على الهواء، وما هي الشروط التي فرضها حتى يقول فتفت «لن نقبل بها»، كما ان سعادة النائب الذي يتهم «حزب الله» بالتعطيل وعلى مدار الساعة لا يريد ان تسمية رئىس الحكومة مثل تسمية رئيس الجمهورية تتم بالتوافق»، ثم... لماذا لم يعقب الحريري شخصياً؟
القطب اضاف ان الواضح من ردة الفعل ان الخارج ما زال يقبض على رئاسة الجمهورية، بل وعلى الوضع اللبناني بأكلمه، وان الحريري الذي يعاني من مأزق متعدد الابعاد هو الضحية الاولى للموقف الاقليمي الرافض لأي تفاهم حول التفكيك التدريجي او المنهجي، للأزمات اللبنانية.

ـ طابور التشاؤم ـ

والنتيجة ان «طابور التشاؤم» او بالاحرى «طابور المتشائمين» وراء النائب وليد جنبلاط بات كبيراً جداً، بعدما قال المقربون من قصر المختارة ان هذا الاخير لا يعتقد ان الظروف الراهنة ملائمة لأي حل او حلحلة.
وبحسب هؤلاء، الساسة اللبنانيون يلعبون داخل هامش محدود جداً «في قعر الثلاجة»، وما يتردد من توقعات ومن تحليلات يندرج في اطار الفولكلور (السياسي) اللبناني.
وعلى هذا الاساس ليس من المنطقي جعل اللبنانيين يعيشون داخل الاوهام فيما هم في الحقيقة داخل الاحتمالات، اذ ان اي نظرة الى الوضع الاقليمي تظهر ان هذا الوضع لا يمكن ان ينتج اي تسوية بل هو يمضي نحو المزيد من التعقيد والتشابك.
بالتالي لا مجال لتحديد المواعيد وللخلط بين المعطيات الحسية والاستنتاجات الشخصية ولبنان باق الى اشعار اخر وربما اخر جدا في غرفة العناية الفائقة.
ولعل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي قد سمع ما قاله سفير اوروبي لشخصية غير مدنية «اذا كنتم تنتظرون تسوية الازمة اليمنية لحل ازماتكم فقد يكون عليكم الانتظار الى منتصف القرن».

ـ خليل: كوة في الجدار ـ

المواقف ظلت تراوح مكانها، وزير المال علي حسن خليل قال انه عندما اطلق الرئىس نبيه بري مصطلح السلة، كان يريد ان يفتح كوة في جدار الازمة على مستوى قانون الانتخاب وسائر القضايا الاخرى».
اضاف «من غير المسموح ان نراوح مكاننا في ملف النفط والغاز ويجب اقرار المرسوم سريعا بعدما زالت العقبات وبات بالامكان ان نفتح للبلد افقا ارحب واوسع في معالجة قضايا المالية والاقتصادية والمعيشية».
ورأى النائب علي فياض «ان الموافقة على العماد عون رئىسا ليس تنازلا بل استجابة للامر الواقع وللمصلحة الوطنية لا سيما انه الرجل الاقوى مسيحيا والاكثر تمثيلا على المستوى المسيحي وبخاصة بعد دخول «القوات اللبنانية» على خط تبنيه رئىسا، وبالتالي فإن المسيحيين يتبنون العماد عون رئىسا للجمهورية».
وسأل «لماذا يقف البعض امام هذه الحقيقة، ويحول دون وصول الرجل الى سدة الرئاسة»، معتبرا «ان اختيار عون من شأنه ان يفتح ثغرة واسعة في جدار الازمة وان يترك تأثيراته الايجابية على حلحلة كل الملفات الاخرى العالقة الامر الذي يصب في مصلحة الجميع دون استثناء.
ورأى فياض انه «لا يجوز ترك البلد في حالة الانحدار حتى لا نفاجأ بتداعيات هذا الانحدار».
ولفت النائب سليم سلهب الى «اننا كلما تأخرنا في انتخاب الرئيس كلما كان الثمن غاليا، مبديا شكه في ان يكون وزير الخارجية المصري يحمل مبادرة».
وقال «يمكننا ان نعيّن قائدا جديدا للجيش بدلا من التمديد غير القانوني ونحن على موقفنا وسيكون لنا موقف واضح ومبدئي من التمديد انما لا اعتقد اننا سنستقيل (من الحكومة) لاننا اذا استقلنا فسنضع نفسنا في المجهول الذي هو اكثر من المجهول الذي نحن فيه».

ـ الرياشي: ما يقدمه الحريري ـ

وكان هناك كلام لافت لرئيس جهاز التواصل في «القوات اللبنانية» ملحم الرياشي الذي لاحظ «ان هناك تقدما بشأن ملف الرئاسة والبحث جدي مع تيار المستقبل في صدد هذه المسألة، ودون ان نصل مع حزب الكتائب الى نتيجة».
واوضح انه «بالنسبة الينا ليس هناك من سلة بل اولوية لانتخاب الرئىس والالتزام باللعبة الديموقراطية مشيرا الى «ان ما يقدمه الرئىس الحريري في اطار تبني ترشيح العماد عون مهم جدا وليس المطلوب منه اكثر » ودون ان يحدد ماذا قدم رئىس تيار المستقبل في هذا الإطار.
ورأى انه اذا ما وصل الحريري الى قناعة بوصول عون الى الرئاسة يكون بذلك قد تم حل ملف الرئاسة، ونحن نحترم موقفه بتأييد النائب سليمان فرنجية لكن عون يمثل اكثر في الشارع المسيحي».
واشار الرياشي الى «ان التواصل مستمر مع السعودية التي اعلنت مرارا انها لا تضع فيتو على احد».
على صعيد اخر، وفيما بات معلوما ان الجيش عزز اجراءاته الخاصة بمنع الاتصال والتواصل بين خلايا محتملة في بلدة عرسال والجرود من خلال احكام السيطرة بالرصد او بالنار على اودية ومنشآت ومزارع في المناطق الفاصلة تلقى رئىس بلدية عرسال باسل الحجيري تهديدا ثالثا بالتصفية.
وهذه المرة جاء التهديد على شكل رسالة خطية محملة اياه مسؤولية قتل الجيش للناشط في تنظيم «داعش» سامح البريدي والقبض على رفيقه في التنظيم طارق الفليطي.