لا شيء متوقعاً في تحريك الجمود السياسي قبل أيلول ولا معطيات تشجع على ملامح اختراق سياسي في أيلول أيضاً. هذه الخلاصة السوداوية حيال المشهد الداخلي لم يبدلها "العرض" الذي قدمه الامين العام لـ"حزب الله " السيد حسن نصرالله في خطابه السبت الماضي في بنت جبيل احياء للذكرى العاشرة لنهاية حرب تموز والذي تناول في الجزء الداخلي منه الأزمة الرئاسية اذ بدا واضحا ان "تيار المستقبل " تعامل مع العرض من منطلق اعتباره تجاوزاً للدستور أولاً ومن ثم تثبيتاً للمأزق الرئاسي.
والواقع ان خطاب السيد نصرالله اكتسب دلالاته البارزة في الشق الاقليمي أكثر منه في الشق الداخلي وخصوصاً من حيث اسهابه في الحديث أولاً عن التداعيات التي احدثها "انتصار المقاومة" في تبديل الاستراتيجيات الاسرائيلية بعد الحرب، ومن ثم في حديثه عن الحروب الجارية في سوريا والعراق واليمن. وبدت العلامة الفارقة في توجه نصرالله للمرة الاولى مباشرة الى الجماعات الارهابية التي تقاتل في سوريا والعراق فخص "داعش" و"جبهة النصرة" بنداء لوقف القتال "لأنه يخدم مصالح أميركا" وقال: "أوقفوا هذا القتال والقوا السلاح" ملمحا الى امكان قيام "مصالحات وتسويات". أما في الشق الداخلي، فقال: "إن الفرصة متاحة اذا ارادت الجهات المعنية بالاستحقاق الرئاسي ان ينجح ولديها اسئلة فنحن نقول اننا منفتحون وايجابيون في ما يتعلق برئاسة الحكومة المقبلة بعد انتخاب رئيس الجمهورية واكتفي بهذا القدر". وجاء ذلك بعد تأكيده التزام دعم ترشيح العماد ميشال عون، كما شدد على ان رئيس مجلس النواب نبيه بري هو مرشح الحزب الوحيد القديم الجديد لرئاسة المجلس.
واذا كان السيد نصرالله لمح ضمناً الى انفتاحه على عودة الرئيس سعد الحريري الى رئاسة الحكومة في مقابل انتخاب العماد عون رئيسا للجمهورية وعودة الرئيس بري الى رئاسة المجلس، فإن مصادر بارزة في "تيار المستقبل" عزت موقفه الى ادراكه ان المشكلة ليست في الحريري بل في عون. وقالت المصادر لـ"النهار" إن كلام السيد نصرالله لا يفتح الباب لأي شخص لان الامر منوط بالعملية الدستورية التي تتطلب القيام بمشاورات وتالياً فان مثل هذا الانفتاح لا يعبد الطريق امام حل ازمة الرئاسة لان المشكلة أساساً هي مع العماد عون وليس مع الرئيس الحريري.ولا ترى هذه المصادر ان موقف نصرالله يدفع في اتجاه كسر الحلقة المفرغة التي يدور فيها الملف الرئاسي مما يعني بالنسبة الى "المستقبل" ان لا تغيير حاليا في سياسة الحزب وفريقه حيال هذا الملف.

 

بري: المصلحة في الحريري
لكن الرئيس بري عبّر في المقابل عن رؤية مغايرة اذ اعتبر خطاب السيد نصرالله "ايجابياً في كل مضامينه". وقال أمام زواره مساء أمس إنه "منذ أن رشح الرئيس الحريري النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية أانا معه (الحريري) ظالماً أو مظلوماً، وتقتضي المرحلة والمصلحة الوطنية الاتيان بالحريري الى رئاسة الحكومة وهو يحقق الاستقرار ويبعد عناصر الفتنة". الى ذلك، كشف رئيس المجلس انه "يبحث منذ شهر مع "تيار المستقبل" في المشروع المختلط للانتخابات النيابية الذي قدمته (64 نائباً بالاكثري و64 بالنسبي) كما أبحث في الموضوع نفسه مع "التيار الوطني الحر" والاتصالات جيدة مع الطرفين وسيستكمل في الخامس من أيلول المقبل واذا انجزنا قانون الانتخاب نكون قد حققنا 90 في المئة من سلة الحل".
لكن بعض الاوساط المواكبة لإعداد قانون جديد للانتخاب قالت لـ"النهار" إن ثمة معطيات تعكس تعذّر التوصل الى صيغة توافقية قبل بدء العقد العادي للمجلس بعد منتصف تشرين الاول على رغم الدفع الذي يمارسه حاليا "التيار الوطني الحر" وحزب "القوات اللبنانية"، مشيرة الى ان لا تحرّك للجان النيابية المشتركة على هذا الصعيد في المدى المنظور، فيما من المرجح أن يطّل الموضوع على طاولة الحوار النيابي في 5 أيلول. ولفتت الى ان الاجواء السائدة تفيد أنه اذا طالت الامور وصار الوقت داهماً بما لا يتيح تكيّف الرأي العام مع قانون جديد للانتخاب يتضمن نسبية جزئية وصوتاً تفضيلياً وتقسيماً جديداً للدوائر يصبح قانون الـ60 حسب الكلام المتداول هو المؤهل لإجراء الانتخابات على أساسه في الربيع المقبل كي لا تذهب البلاد الى الفراغ أو الى تمديد جديد لولاية المجلس. وأستدركت بانه اذا كان ثمة إمكان للتوصل الى قانون جديد للانتخاب عندئذ يمكن تأجيل تطبيقه الى ما بعد الانتخابات المقبلة ريثما يجري تحضير الاجواء لوضعه موضع التنفيذ.
وسط هذه الاجواء حرصت السفيرة الاميركية في لبنان اليزابيت ريتشارد على مرافقة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أمس في زيارته كما في كل سنة على خطى اسلافه البطاركة لدير سيدة قنوبين مقر البطاركة الاوائل في الوادي المقدس عشية عيد انتقال السيدة العذراء. كما كانت لها خلوة مع البطريرك في مقره الصيفي بالديمان.