هي رسالة وصلت من نيويورك الى مرجعية لبنانية، وفيها مخاوف «حقيقية» من اضمحلال الدولة في لبنان اذا ما بقيت المراوحة على حالها لعام او عامين على الأكثر، ودون ان يكون خبراء البنك الدولي بعيدين عن هذه النظرة...
الرسالة تشير الى التداعيات الكارثية للأزمة السورية على الساحة اللبنانية، ان لجهة «النزوح الهائل» الذي لا طاقة للبنان بتحمل اعبائه المختلفة، او لجهة اقفال المنافذ البرية التي هي احد العوامل الاساسية في صيانة التوازن الاقتصادي في البلاد.
اخطر ما في الرسالة انه اذا كان لبنان في الوقت الحاضر حلبة للتجاذب الجيوسياسي بين قوى اقليمية كما بين قوى دولية، فان المرحلة المقبلة ستكون حساسة جدا اذا ما دقت ساعة التسوية في سوريا، وعلى اي خارطة سيستقر الوضع، ناهيك بأن التنازع على لبنان سيزداد حدة بل وخطورة...
وكانت معلومات قد وصلت من واشنطن حول النشاط الذي يبذله اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة مع فريقي المرشح الجمهوري دونالد ترامب والمرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون عشية الانتخابات الرئاسية.
هذه المعلومات تحدثت عن ورقة وضعت امام الفريقين وتتعلق بملفات الشرق الاوسط، ومنها الملف اللبناني. «حزب الله» هو الهاجس الاكبر لأركان اللوبي، حتى ان بعض هؤلاء يشيع بأن الحزب، وبالصواريخ التي في حوزته، يريد «استدراجنا الى هولوكوس آخر».
بطبيعة الحال، هذا الكلام من قبيل البروباغندا التقليدية للوبي والتي تقوم على سياسات التضليل، لكن الثابت ان هناك من يتابع مسار التطورات في سوريا، حتى اذا ما كان هناك اي اتجاه للتسوية، فان تعبير الـ Package Deal اي الصفقة الشاملة الذي استعمله الفيلسوف الفرنسي اليهودي برنار - هنري ليفي والذي تعنيه ازالة «حزب الله» من الخارطة اللبنانية يتردد الآن في اوساط اللوبي.
ولم يعد سراً ان الفاتيكان متوجس من ان يكون هناك من يدفع في اتجاه زعزعة الدولة اللبنانية، والخلط بين الخارطة اللبنانية والخارطة السورية في اتجاه احداث انقلاب دراماتيكي في الصيغة اللبنانية.
غير ان مصدراً ديبلوماسياً اوروبياً يقول لـ«الديار» ان هناك توافقاً اميركياً - روسياً على ابقاء لبنان خارج اطار اللعبة الديبلوماسية، او اللعبة الاستراتيجية، الخارجية حالياً.
ويشير المصدر الى ان تأثير اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة سيكون محدوداً جداً ان بالنسبة الى سوريا او بالنسبة الى لبنان باعتبار ان واشنطن اقرت بالوجود الروسي في سوريا، والى حد التنسيق في بعض المجالات ذات المنحى الاستراتيجي.
يضاف الى ذلك، ان لدى الروس قوة جوية وصاروخية ضخمة جداً في سوريا، واذ يبدو ان العلاقات بين موسكو وانقره تتطور بطريقة او باخرى، حتى في ما يتعلق بالملف السوري، فان اي ادارة جديدة في البيت الابيض لا تستطيع احداث اي تغيير جذري في السياسة التي اعتمدتها ادارة باراك اوباما حيال هذا الملف.
هذا لا يحجب اراء دول اوروبية معنية بالوضع في لبنان وترى ان اشرار الاحتقان السياسي الراهن لا بد ان تكون له انعكاساته البنيوية على لبنان، حتى ان الفرنسيين ينصحون بعدم اثارة قضية سلاح «حزب الله» في هذه المرحلة الدقيقة لان ذلك بمثابة اصرار عى الدخول في المجهول.

ـ الفانتازيا الشخصية والحزبية ـ

الفرنسيون بعثوا باكثر من رسالة في هذا الاتجاه بعدما لاحظوا ان قوى او شخصيات سياسية لبنانية دأبت على طرح هذه المسألة فقط من قبيل الفانتازيا الشخصية او الحزبية، وهي التي تدرك انه في ظل الضبابية الاقليمية الراهنة لا مجال البتة لوضع ملف على هذا المستوى من الحساسية على الطاولة.
حتى ان الرئيس  سعد الحريري الذي يعتبر زعيم «الفريق الآخر» يتفادى الحديث  عن السلاح، وهو الذي يعلم ما هي المسافة التي تفصل بين مقاتلي «داعش» وبلدات لبنانية، ومن كل الطوائف والمذاهب.
اصرار دولي على اجراء الاتنخابات الرئاسية في الاسرع الممكن، وكلام ديبلوماسي دولي واضح يتردد وراء الضوء بأن «امشوا بالعماد ميشال عون» لا بل ان هناك سفيراً اجنبياً يعتبر «ذات وضع خاص» صارح جهة لبنانية بالقول ان تحفظكم هو على ورقة التفاهم بين عون و«حزب الله»، اليست الشراكة بينكم وبين الحزب نتيجة تفاهم واهم كثيراً من ورقة التفاهم بين الجنرال والحزب.
حتى لتتردد معلومات بأن واشنطن لم تعد تعارض وصول رئيس تكتل التغيير والاصلاح الى قصر بعبدا اذا كان من شأن ذلك عودة الانتظام السياسي والدستوري الى البلاد.

ـ فرنجية: كل مواصفات الرئيس ـ

هذا بعدما باتت لدى النائب سليمان فرنجية كل المعطيات في شأن المداولات الخارجية حول رئاسة الجمهورية، وكان واضحاً جداً حين قال انه مستعد للانسحاب من السباق اذا حصل اجماع على مرشح معين.
وفي اوساط تيار المردة ان فرنجية كان واضحاً جداً مع الحريري حين التقيا في باريس، الاولوية للجنرال، واذا فقد حظوظه في الرئاسة كان هو البديل ولم يطرح نفسه يوما على انه الاصيل مع انه يتمتع بكل المواصفات التي تؤهله ليكون مرشحاً اصيلاً.
وتلفت الاوساط اياها الى ان نائب زغرتا عومل ومنذ اللحظة الاولى على انه «عدو» فيما كان عون يفاوض الحريري على مدى اشهر دون ان يخبر ايا من اركان التكتل، وبينهم فرنجية بالامر، حتى اذا ما لوّح له الدكتور سمير جعجع بتبني ترشيحه سارع للتوجه الى معراب، وهو الذي يعلم ان هذا الترشيح يزيد الوضع تعقيداً ولا يوصله اوتوماتيكياً الى الموقع الرئاسي كما كان يتصور.
وتسأل اوساط المردة ما اذا كان عون او الذين اشاروا عليه بالذهاب الى معراب يدري ماذا تعني تلك الخطوة بالنسبة الى فرنجية، اذ ان رئيس حزب «القوات اللبنانية» لم يتخذ ذلك الموقف لوقوعه المفاجئ في غرام الجنرال، وبينهما الكثير الكثير من الجدران، وانما فقط لقطع الطريق على رئيس تيار المردة لأنه لا يستطيع ان يتحمّله كرئيس للجمهورية.
فرنجية أخذ علماً بقول وزير الداخلية نهاد المشنوق انه، اي فرنجية، «ليس مرشحنا الى الأبد»، كلمة الى الأبد تُفهم، او ينبغي ان تُفهم هكذا في بنشعي، «فرنجية ليس مرشحنا، أو لم يعد مرشحنا».

ـ ماذا داخل المستقبل؟ ـ

أكثر من جهة سياسية تسأل ماذا يحدث داخل تيار المستقبل، وهل هناك داخل التيار مَن يعمل ضد الحريري ولحساب جهة أخرى؟ المشنوق يتكلم بلغة ونواب في كتلة المستقبل يتكلمون بلغة أخرى، في حين يقول وزير سابق وكان الرفيق الموثوق به لدى الرئيس الراحل رفيق الحريري «ان الشيخ سعد في واد ونوابه في واد آخر».
اضاف «من الطبيعي ان تكون قلة قليلة هي التي تعرف خفايا الاتصالات والمشاورات، لكن المشكلة ان الكل يتكلمون من عندياتهم تحت اغراء الشاشات أو الصحف أو الاذاعات ويزيدون في حجم البلبلة.
في رأيه ان الحريري «في مأزق متعدد الوجوه، وأنه بحاجة ماسة للعودة الى السرايا الحكومية كان من كان في قصر بعبدا. واذا كان هناك من يتحفظ على عون فهل ان فرنجية أبعد عن دمشق و«حزب الله»؟
الوزير السابق يضيف «ان المملكة العربية السعودية منشغلة في قضايا لم تشهد مثيلا لها من أيام جمال عبد الناصر، لا بل أن القضايا الراهنة أشد تعقيداً بكثير. وهذا يعني انها لا تستطيع أن تقدم لرئيس تيار المستقبل أكثر من الدعم السياسي، واذا كان هناك من دعم مالي فهو لا شك محدود جداً ولا يفي بالالتزامات الهائلة الملقاة على كاهله».
وهو يعتبر انه اذا كان انتخاب عون يعجل في دخوله الى السرايا «فليكن الجنرال الآن وليس غداً، وأنا، شخصياً، أعتقد ان باستطاعة عون اقناع حليفه السيد حسن نصرالله بالتعاطي بـ«وجه بشوش» مع الحريري الابن كما كان تعاطيه مع الحريري الأب».

ـ شكري في بيروت ـ

الى ذلك، عادت الديبلوماسية العربية لتظهر من جديد في سماء بيروت. وزير الخارجية المصري سامح شكري يصل الى العاصمة يوم الثلاثاء، والترتيبات بحثها أمس السفير المصري بدر الدين زايد مع وزير الخارجية جبران باسيل.
زايد قال «ان الزيارة ستحمل افكارا جديدة في ما يتعلق بطريقة التفاعل مع الشأن اللبناني، وستكون بداية أو تحريكاً للموقف ان شاء الله».
واوضح «ان هدف الزيارة التحضير لانتخاب رئيس للجمهورية، وهذا ضروري للبنان الآن، وهو الأكثر حاجة لرئيس أكثر من اي مرحلة سابقة».
ورأي زايد انه لا يمكن الانتظار اكثر في ظل الفراغ، و«بالتالي سنبدأ هذه العملية، ونأمل في ان تسفر عن النتيجة المطلوبة».
«الديار» اتصلت بشخصيات سياسية موثوق بها في القاهرة، وصفت مهمة شكري بأنها «في منتهى الجدية»، لتشير الى ان وزير الخارجية من النوع الذي يدرس ملفاته من كل جوانبه، وهو بعيد جداً عن «ديبلوماسية الفقاعة» التي كان يعتمدها عمرو موسى.
وفي نظر احدى هذه الشخصيات فان شكري الذي يدرك مدى التعقيدات التي تنطوي عليها الأزمة اللبنانية لا بد أن يكون قد اتصل بالرياض كما بعواصم أخرى لكيلا تكون زيارته للاستطلاع، بل هي زيارة عمل ويأمل بنتائج عملية.

ـ مؤتمر في شرم الشيخ؟ ـ

ولم تستبعد احدى تلك الشخصيات التي ترتبط بعلاقة وثيقة مع شكري ان تكون هناك دعوة من مصر للقادة اللبنانيين لعقد مؤتمر في شرم الشيخ على غرار مؤتمر الدوحة عام 2008، وبرعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي ورأت انه اذا ما تعذر عقد هذا المؤتمر لسبب او لاخر، وهو ما يتبين من لقاءات شكري في بيروت، ستبادر القاهرة تباعاً الى دعوة القادة اللبنانيين للقاء السيسي لعل ذلك يساعد على الحل وليس فقط الحلحلة...
مراجع لبنانية وتعوّل على الزيارة، وعلى اساس «الادوار التاريخية» التي اضطلعت بها الديبلوماسية المصرية حيال لبنان ومن غداة عام الاستقلال وحتى الآن. وبالرغم من التشاؤم الشديد الذي يبديه الرئيس تمام سلام أمام زواره لتشابك الأزمات الاقليمية على نحو تستحيل معالجته في المدى المنظور، ثمة من يعتقد ان مصر القريبة جداً من المملكة العربية السعودية تستطيع ان تفتح معها الملف اللبناني بحثاً عن الحل.
المثير هنا ان مرجعاً لبنانياً لا يستبعد ان يكون الحريري هو مَن طلب قيام القاهرة بدور ما لأن الوضع بات صعباً جداً، فيما المسؤولون في المملكة لا يملكون الوقت الكافي، أو لا يعطون الوقت الكافي، للملف اللبناني، ودون ان يكون باستطاعته اي الحريري، الا الرضوخ للأمر الواقع...
حتى داخل تيار المستقبل من يسأل: «صقور التيار ضد عون أم ضد الحريري؟». ثم يعددون من يحرضون ضد رئيس التيار في الداخل وفي الخارج.