ظلّت مدينة حلب في قلب الحدث، وتواصَلت الاستعدادات لجولة معارك جديدة فيها ستكون الأعنف، وسترسم مسارَ التحوّلات في المنطقة، في وقتٍ أعلن مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا أنّ إيصال مساعدات إنسانية إلى سكّان المدينة يتطلّب تهدئةً لمدة 48 ساعة. وفي هذه الأجواء جدّدت فرنسا دعمَها للبنان وأكّدت حضورَها الدائم لضمان أمنِه. ودعا الرئيس فرنسوا هولاند إلى «تعبئة خاصة من أجل مساعدة مسيحيّي الشرق في مواجهة معاناتهم». أمّا في الداخل، فالملفات الخلافية تُراوح مكانها، وكذلك العقدة الرئاسية، في وقتٍ نفى وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق أن يكون قد سوّقَ داخل تيار «المستقبل» فكرةَ ترشيح عون رئيساً، وأكّد لـ«الجمهورية» أنّ ما اقترَحه هو التفكير في خيارات بديلة، «حيث لن يكون النائب سليمان فرنجية مرشّحَ تيارالمستقبل إلى الأبد». أضاف المشنوق: «نحن تيّار قرار ولسنا تيّار تشاور وانتظار، ويجب أن نضع خيارات بديلة أمامنا للخروج من الأزمة. أنا قلت نريد رئيساً، ولم أقل نريد العماد عون.
تتسارع الخطوات الدولية والإقليمية لرسم معالم مستقبل الحل السياسي للأزمة السوريّة. وفي هذا السياق، يزور نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف طهران الاثنين المقبل لاجراء مراجعة سياسية واستراتيجية لعقدة حلب، و»البحث في تطوّرات الأوضاع في المنطقة، خصوصاً ما يجري في سوريا»، كما أعلنَت السفارة الروسية في إيران. وعشيّة هذه الزيارة، ناقشَ وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف هاتفياً مع نظيره الروسي سيرغي لافروف دعمَ جهود التسوية السوريّة.

ظريف في أنقرة

من جهته، وبعد التقارب الروسي ـ التركي ولقاءِ الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيّب أردوغان في بطرسبورغ، يحطّ وزير الخارجية الايراني في أنقرة اليوم، وذلك في أوّل زيارة لمسؤول ايراني رفيع المستوى الى تركيا بعد الانقلاب العسكري الفاشل فيها، للقاء المسؤولين الاتراك، وفي مقدّمهم أردوغان ورئيس الوزراء بن علي يلدريم ووزير الخارجية مولود تشاوش اوغلو، والبحثِ معهم في قضايا إقليمية ودولية والأزمة السورية والعلاقات الثنائية.

أوغلو

وكان وزير الخارجية التركي قد دعا روسيا إلى عمليات مشتركة ضد تنظيم «داعش» في سوريا. ووصَف زيارة أردوغان إلى روسيا بالمثمرة للغاية. وقال إنّ موسكو وأنقرة ستتّخذان خطوات لإقامة اتصالات فورية على المستوى الرئاسي والعسكري.

وفي الشأن السوري أوضَح أنّهم يختلفون مع روسيا حول مصير الرئيس بشّار الأسد. وقال: إختلافنا حول الأسد لا يَعني إنهاءَ الحوار حول سوريا أو تبنّي مواقف أخرى. وأضاف: «إنّ مصير الأسد مسألة لا تتعلق بتركيا أو روسيا، وإنّما يشكّل قضية مهمّة بالنسبة الى مستقبل سوريا ككلّ والدول المعنية»، لافتًا إلى أنّ دولاً مثلَ إيران وروسيا ولبنان ومجموعات داخل سوريا تعطي انطباعاً ببقاء الأسد... غير أنّ الدول التي ترغب في رحيل الأسد أكثر، وموقف الغرب والولايات المتحدة الأميركية واضح، كما أنّ دولَ الخليج تؤكّد ضرورةَ رحليه، ونحن بدورنا نشدّد على رحيله، وهذا ليس فعلاً عاطفيًا، لا سيّما وأنّ استمرار نظام قتلِ 500 ألف إنسان ليس أمراً صائباً، وإلى جانب ذلك فالأهمّ هنا هو موقف السوريين أنفسِهم والمعارضة السورية، حيث إنّ هناك مَن يقاتل ضدّ النظام».

وحول إمكانية بقاء الأسد خلال المرحلة الانتقالية، أكّد أوغلو أنّه «لا يمكن أن يكون هناك مرحلة انتقالية مع الأسد، علينا التفكير بموضوعية، ولا نعتقد أنّ الأسد قادر على تحويل البلاد سياسيًا، وإن كنّا نريد تحوّلاً في سوريا فيجب تشكيل حكومة انتقالية من دونه».

أمن الحدود

وسط هذا المشهد، يبقى الأمن على حدود لبنان تحت المجهر، وقد واصَل الجيش اللبناني استهدافَ مواقع لـ»جبهة النصرة» في جرود عرسال ورأس بعلبك. وأوقفَت مديرية المخابرات عشرةَ سوريين دخَلوا البلاد خلسةً وفي حوزتِهم بطاقات صحية وتلقيح تحمل شعارَ تنظيم «داعش» من منطقة الرقّة.

هولاند

وفي المواقف الدولية، قال هولاند إنّه «في كلّ مرّة تتعرّض فرنسا لهجوم، يقف أصدقاؤنا اللبنانيون إلى جانبنا، وفي كلّ مرّة يهاجَم لبنان، وقد حصَل ذلك في الايام الأخيرة، نحن بدورنا إلى جانبه». وذكّرَ بأنّ جنوداً فرنسيين موجودون في لبنان عبر قوّة اليونيفيل في الجنوب .

وقال هولاند خلال تدشين مستثمرين لبنانيين فندقاً فخماً في ارنا بومبادور في وسط فرنسا إنّ على البلدين «اللذين يضربهما الإرهاب» و»يكافحان هذه الآفة» أن «يُظهرا تضامناً كبيرا». واعتبَر أنّ الرهان يَكمن في «الحفاظ على وحدة لبنان ووحدة أراضيه».

وإذ تطرّقَ إلى «تعبئة خاصة من أجل مسيحيّي الشرق في مواجهة معاناتهم»، شدّد على أنّ وجود هؤلاء «لا غنى عنه لأنّهم يساهمون تحديداً في توازن» المنطقة».

أضاف: أعلمُ أنّ البابا ملتزم تماماً عدمَ نسيان مسيحيّي الشرق في هذه الأزمة الرهيبة، ولكنّني وددتُ أن أقول لكم إنّ فرنسا بدورها ملتزمة «هذا الأمر».

إنتخابات الرهبنة المارونية

وفي استحقاق مسيحيّ مهم، مِن المتوقّع أن تنتخب الرهبنة اللبنانية المارونية اليوم رئيساً عامّاً للسنوات الستّ المقبلة. وفيما تشير الترجيحات الى تقدّم أحدِ الرهبان على الآخرين تبقى النتائج رهنَ الصندوقة.

وتُعتبر انتخابات الرهبنة استحقاقاً يخرج عن إطاره المحلّي البحت ليصلَ الى دورها في المرحلة المقبلة، خصوصاً أنّها لعبَت دوراً محوريّاً وأساسياً أيامَ الحرب وما قبلها مع الرؤساء العامّين، الأباتي بطرس قزي، والأباتي شربل قسيس والأباتي بولس نعمان.

وتأخذ الانتخابات أهمّية كبيرة نظراً لمصادفتها مع أحداث عدّة، أبرزُها الفراغ الرئاسي وافتقاد الموارنة والمسيحيين لرئيس الجمهورية، والتهجير الذي يطاول مسيحيّي الشرق، وإعادة طرح الدور المسيحي في السلطة في لبنان.

وأمام هذا الواقع، هناك أسئلة كثيرة تُطرح بشأن كيفية عمل الرهبنة في المرحلة المقبلة، ومدى تدخّلِ الفاتيكان في إدارة شؤونها، خصوصاً أنّها تتبع روما مباشرةً، والأمر الأهمّ هو علاقتُها مع بكركي، بعد قرار الفاتيكان حصرَ التعاطي بالشأن العام بالبطريرك الماروني وتفرّغ الرهبنة للعمل الاجتماعي والتربوي.

وفي وقتٍ أعلنَت الأحزاب المسيحية الفاعلة عدمَ تدخّلِها في الانتخابات، ينتظر الجميع تصاعدَ الدخان الأبيض اليوم لإعلان الأباتي الجديد، إلّا إذا حصلت مفاجأة ليست في الحسبان.

جلسة هادئة

في هذه الأجواء، غابت السياسة عن جلسة مجلس الوزراء العادية أمس، وغابت معها البنود الخلافية من اتّصالات وتعيينات أمنية بغياب وزيرَي الاتصالات بطرس حرب والدفاع سمير مقبل.

وعلمت «الجمهورية» أنّ مقبل، وفورَ عودتِه من الخارج، سيبدأ بتحضير مرسوم تأجيل تسريح كلّ مِن قائد الجيش العماد جان قهوجي والأمين العام لمجلس الدفاع الأعلى اللواء محمد خير، وكذلك مرسوم تعيين قائد أركان جديد بدل اللواء وليد سلمان الذي يتعذّر التمديد له دستورياً ضمن سلّة كاملة، سيَطرحها على جلسة مجلس الوزراء الأسبوع المقبل قبل 22 آب تاريخ انتهاء ولاية اللواء خير.

مصادر وزارية

وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» إنّه ما دام هناك اتّفاق سياسي بين معظم الأطراف فلا داعي لتجزئة بندِ القادة الامنيين، بحيث لا يبقى هذا الملف موضعَ تجاذب ومزايدات لبنان في غنى عنها راهناً نظراً لدقة أوضاعه الامنية.

وتوقّعت المصادر أن يحاول وزراء «التيار الوطني الحر» عرقلةَ هذا الاتفاق من دون ان تصل هذه العرقلة الى حدّ الإطاحة بالحكومة أو شَلّها، كما حصَل في التمديد السابق قبل عام».

درباس

وقال وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ«الجمهورية»: إذا استطعنا التعيين فعلى بركة الله، وإذا لم نستطع فالقضية لا تعود في يد مجلس الوزراء، بل على وزير الدفاع اقتراح أسماء. وإذا كان النصاب القانوني المطلوب 17 صوتاً سأكون أنا الصوتَ الثامن عشر.

وعن تلويح «التيار الوطني» باتّخاذ موقف في حال التمديد لقائد الجيش، تساءلَ درباس: أليسَ الوزير جبران باسيل مكوّناً سياسياً مهمّاً؟ وكذلك حركة «أمل» و«حزب الله» و«المستقبل» و«المردة»، حسَناً ليتّفقوا مع بعضهم البعض وليتوافَقوا على اسم، وعندها سنوافق.

فالمسألة ليست عند الرئيس تمّام سلام، هو يشجّع التوافق، لكن إذا كان هناك تجاذب حول هذه المسألة وفشِلنا في تعيين قائد جديد للجيش كما نفشل في انتخاب رئيس الجمهورية، سيضطرّ وزير الدفاع لتأخير تسريح العماد قهوجي. ولكن عند التوافق في أيّ لحظة من اللحظات نعيّن قائداً جديداً.

وأكّد درباس أنّه لن يستقيل من الحكومة، وقال إنّ الرئيس نبيه برّي يحاول احتواءَ الوضع وجمعَ المتحاورين حول طاولة للتحاور في بنود عدة، في محاولةٍ لتمهيد الطريق أمام اتفاق الفرَقاء.

ونفى درباس أن تكون الحكومة تؤجّل الملفات الخلافية، وقال: تخَطّينا موضوع الاتصالات وسَمعنا كلاماً فوقَ السطوح من كلّ الاطراف، ولكن لا أحد سَحب مسدّسه وأطلقَ النار في مجلس الوزراء. وإذا كنّا نبحث الملفات الخلافية فلكي نتخطّى الخلاف، أمّا إذا أردنا البحث فيه لكي نؤكد الخلاف مجدداً فماذا نستفيد؟ إنّ هذه الخلافات ما هي إلّا تجلّيات لخلاف أعمق إقليمي ودولي نعبّر نحن عنه بأشكال مختلفة وبصورةٍ يمكن أن يقال إنّها مسيئة للكرامة الوطنية».

علّوكي إلى طرابلس

على صعيد آخر، علمت «الجمهورية» أنّ زياد علوكي، قائد محور البرّانية سيخرج اليوم من سجن رومية، بعدما أمضى محكوميته. وستقام له استقبالات شعبية واسعة في باب التبانة وستُنحر له الخراف. وقال قريبون منه لـ«الجمهورية» إنّ علوكي «سيخرج بعقلية جديدة بعدما اكتشفَ داخل السجن المشروع الذي زجّ به أهالي طرابلس ودفعَ باب التبانة الى الاقتتال مع جبل محسن والجيش اللبناني».

وأكّد هؤلاء أنّ «عودة قادة المحاور ستساعد في إعادة شدّ العصب السنّي في طرابلس، لكنّ ذلك لا يعني العودة إلى الأحداث الأمنية».

ويأتي خروج علوكي بعد خروج اثنين من قادة المحاور هما سعد المصري وحسام الصباغ، والثلاثة يَملكون تأثيراً على الشارع الطرابلسي، وخصوصاً باب التبانة.