لقاء سان بطرسبورغ يعزز الغموض السوري. لكن شيئا ما يتحرك ما بين موسكو وأنقرة وطهران. اللقاء الثلاثي الأطراف للاتراك والروس عقد، ووزير الخارجية الايراني حسن جواد ظريف في العاصمة التركية اليوم، بعد اتصال بينه وبين نظيره الروسي سيرغي لافروف. اما نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف فسيكون في طهران الاثنين المقبل.
لم يقدم لقاء سان بطرسبورغ حتى الآن اجابات شافية لما دار بين الرئيس فلاديمير بوتين ورجب طيب اردوغان، او لما دار في الاجتماعات الثلاثية الاضلاع (الجيش والاستخبارات والخارجية) للدولتين. «الدرة اليتيمة» التي نطق بها الاتراك أمس تمثلت بالاعلان عن الرغبة في المشاركة مع الروس في الضربات الجوية ضد تنظيم «داعش» حتى لا يتكاثر في سوريا وغيرها.
الاتراك الذين ما زالوا يقولون إن لا مكان للرئيس بشار الاسد في المستقبل، لم يتطرقوا الى «انعطافة» تركية حول الشأن السوري. صحيح ان سلوكهم الميداني كان يشتهي انتصارا «داعشيا» مثلا في مدينة عين العرب في العام الماضي، ورعاية امنية وحدودية لتمديد عصابات التكفير في الاراضي السورية، وهو بهذا المعنى تحوّل تركي يجب مراقبة جديته، الا انه حتى الان ليس «انعطافة»، والاعلان عن الرغبة في محاربة «داعش» في حد ذاته يبدو ملتبسا، طالما ان لائحة الارهاب الخاصة ببوتين، «الصديق» الجديد لاردوغان، تشمل فصائل اخرى لا تقل تكفيرا وارهابا عن «داعش»، على غرار «نور الدين الزنكي» و «احرار الشام» و «جبهة النصرة»، وهي فصائل الكثير منها يتمتع بالحضن الدافئ للاجهزة الأمنية التركية.
ويعزز هذا الغموض سيل التكهنات والتساؤلات. هل تمّت مقايضة روسية ـ تركية، يتخلى بموجبها الروس عن الاعتراف بالتمثيل الكردي في موسكو ودعم قوات «وحدات حماية الشعب» الكردية في الشمال السوري، مقابل اجراءات تركية فاعلة لضبط حدودها المفتوحة امام السلاح والمقاتلين؟ هل تطرق لقاء سان بطرسبورغ الى مصير جثث الجنود الروس الخمسة في ادلب؟ وهل تقوم الاجهزة الامنية التركية حاليا باتصالات لسحبهم من هناك وتسليمهم الى «الحليف» الروسي المستجد؟ هل ينعكس التطبيع بين انقرة وموسكو على مصير الجبهات السورية، وتحديدا في حلب؟ وماذا سيكون موقف الايرانيين في ما لو كان هناك مثل هذه التفاهمات؟ ثم، الا يظهر نوع من الفتور الاميركي تجاه هذا التقارب إن صح التعبير بين روسيا وتركيا؟ وتتوالى التساؤلات.. لماذا هذا الصمت في دمشق؟ وهو صمت غالبا سينجلي بعد ان تتلقى العاصمة السورية زيارة من مسؤول روسي يضعها في اجواء سان بطرسبورغ. والاهم الآن، هل ستتجلى نتائج أي تفاهمات روسية ـ تركية في الاسابيع القليلة المقبلة، ام ستمتد الى ما بعد جلاء صناديق الانتخاب الاميركية عن رئيس جديد في البيت الابيض؟
الاسئلة كثيرة، لكن الاوضاع الملحّة في كل من انقرة وموسكو، قد تعجّل في إبراز ملامح التفاهمات بينهما. ولعل طاولة مفاوضات جنيف التي كان يفترض أن تلتئم في آب الحالي، قد تمنح مؤشرات اضافية على ما يمكن أن يكون.
اللافت الآن، أن موسكو كأنها تنتهج سياسة متعددة الأوجه. التطبيع مع اردوغان الجريح، يوازيه تصعيد في الدور السوري. موسكو الآن لاعب اساسي في تفاصيل التفاصيل المتعلقة بالهدنة في حلب. الإعلان الآن عن احتمال توسيع قاعدة حميميم العسكرية في اللاذقية، قد لا يكون عبثيا وهو يترافق مع الاعلان ايضا عن مناورات بحرية كبيرة قبالة السواحل السورية خلال الايام المقبلة، على الرغم من التوتر المستجد مع اوكرانيا والغرب في شبه جزيرة القرم.
وتبدأ المناورات البحرية الاثنين المقبل، بحسب ما اعلنت وزارة الدفاع الروسية، بمشاركة سفينتي «سيربوخوف» و «زيليوني دول» الصاروخيتين ومجموعة من السفن المساندة، وذلك بهدف «التحقق من قدرة قوات الأسطول على تسوية الأزمات المتعلقة بالتهديدات الإرهابية».
بالتوازي مع ذلك، قال النائب الأول لرئيس لجنة مجلس الاتحاد الروسي لشؤون الدفاع والأمن فرانتس كلينتسيفيتش لصحيفة «ايزفيستيا» الروسية إنه «بعد تحديد وضعها القانوني، ستصبح حميميم قاعدة عسكرية روسية، سنشيد فيها بنية تحتية مناسبة، وسيعيش عسكريونا في ظروف كريمة». لم يستبعد المسؤول الروسي احتمال زيادة عدد الطائرات العسكرية الروسية المتمركزة في سوريا، لكنه اكد انه «لن يتم نشر اسلحة نووية وقاذفات ثقيلة بصورة دائمة» فيها.
وفيما كانت القاذفات الاستراتيجية الروسية تشن غارات جوية على مواقع لتنظيم «داعش» في الرقة، أكد بوغدانوف ترحيب موسكو بإعلان وزير الخارجية التركي مولود جاويش اوغلو استعداد بلاده لبحث عمليات مشتركة مع روسيا ضد «داعش». وقال بوغدانوف «بالطبع تركيا شريك مهم جداً، وإذا كانت لديهم هذه التوجهات، فلا يسعنا سوى أن نرحب بما قاله جاويش أوغلو. وباعتقادي، فإن ذلك جاء نتيجة لاتصالات أجريناها مع شركائنا الأتراك على المستوى الأعلى وعلى مستويات أخرى. وأعتقد أنه إعلان مهم جدا».
وكان وزير الخارجية التركي أكد في وقت سابق استعداد أنقرة لدراسة إمكانية شن عملية عسكرية مشتركة مع روسيا ضد «داعش»، معلناً ان بلاده «ستكثف مشاركتها في العمليات ضد داعش، وسترسل مقاتلاتها لقصف مواقع التنظيم». وأضاف «إننا نعرف جميعا أين يتواجد إرهابيو داعش، ونحن كنا ندعو دائما إلى التركيز على العمليات ضدهم».
وأكد جاويش اوغلو أن وفدا يضم ثلاثة مسؤولين اتراك يمثلون الجيش والاستخبارات والخارجية «كان في روسيا الخميس لإجراء مباحثات حول سوريا»، مضيفاً «سنبحث في التفاصيل كافة. لطالما دعونا روسيا الى تنفيذ عمليات ضد داعش...عدونا المشترك الاقتراح ما زال مطروحا». وبحسب الوزير التركي، كُلف الوفد التركي الذي يزور روسيا البدء بتطبيق القرارات التي اتخذها اردوغان وبوتين الثلاثاء.
وقال الوزير التركي «فلنحارب معاً التنظيم الإرهابي للقضاء عليه في اقرب فرصة» لكي لا يتمدد في سوريا ولا الى دول اخرى.
وأوضح ان تعزيز التعاون بين تركيا وروسيا سيتيح تجنب أزمات مثل تلك التي نشأت من اسقاط المقاتلة الروسية، موضحاً أنه «لتفادي تكرار ذلك، علينا ان ننفذ آلية التضامن والتعاون بيننا، بما في ذلك تقاسم المعلومات الاستخبارية في الوقت المناسب».
وأكد وجوب ان تتوافر لاردوغان وبوتين وقائدي الجيشين وسائل تواصل مباشر في الوقت المناسب.
وأكد جاويش اوغلو مجدداً أمس عدم رؤية بلاده لأي دور للرئيس الأسد في المرحلة الانتقالية في سوريا.
من جهتها، أعلنت الخارجية الأميركية، على لسان المتحدثة باسمها إليزابيث ترودو، أن الولايات المتحدة سترحّب بالتعاون الروسي التركي إذا كان الهدف منه هو مواجهة تنظيم «داعش». كذلك، رحبت الأمم المتحدة، على لسان نائب أمينها العام، فرحان حق، بتوحيد جهود المجتمع الدولي في محاربة تنظيم «داعش».
من جهته، قال المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، إنه «يتابع باهتمام بالغ» محادثات أردوغان وبوتين بخصوص الأزمة السورية، معتبرا أن المحاولات التي تبذلها تركيا من أجل إيجاد حل لهذه الأزمة «لا يمكن الاستخفاف بها»، مضيفاً «اعتقد أننا يجب أن ننتظر نتائج زيارة إردوغان إلى موسكو لمعرفة الأطراف المشاركة في المفاوضات السورية».
وبحث وزيرا الخارجية، الروسي سيرغي لافروف، والإيراني محمد جواد ظريف، أمس، هاتفياً، مسألة الدعم الخارجي للتسوية السورية، بعد القمة التي جمعت بوتين ونظيره الايراني حسن روحاني في 8 آب الحالي.
وفي سياق مواز، أعلنت السفارة الروسية في إيران، أن بوغدانوف سيتوجه في زيارة عمل إلى طهران في 15 آب لبحث آخر التطورات في الشرق الأوسط مع التركيز على الشأن السوري.
وفي زيارته المرتقبة اليوم لأنقرة، سيلتقي ظريف نظيره التركي الذي من المقرر ان يعقد معه مؤتمراً صحافياً، ثم الرئيس رجب طيب اردوغان.
وكانت طهران، إلى جانب موسكو، من اوائل العواصم التي اعربت بعد الانقلاب التركي الفاشل في 15 تموز عن دعمها لأردوغان الذي اشتكى من تقاعس حلفائه الغربيين وفي مقدمهم الولايات المتحدة، عن الاعلان عن تضامنهم معه.