أثارت معلومات انتشرت مؤخرا حول سحب السعودية لسفيرها من لبنان مخاوف كبيرة تتعلق بإمكانية تخلي الرياض عن لبنان في مرحلة حافلة بالمخاطر، رغم أن أنباء نسبت إلى “مصادر سعودية” أشارت إلى أنه ليست لدى المملكة نية في سحب سفيرها من لبنان، وأن الأمر لا يعدو عن كونه تدبيرا إداريا قبل تعيين سفير جديد في بيروت.
وترددت في هذا الإطار أسماء كل من عبدالعزيز الغدير ورائد قرملي وعادل مرداد وعبدالله الزهراني ورحاب مسعود كمرشحين محتملين لخلافة السفير الحالي علي عواض عسيري لتمثيل المملكة في لبنان.

لكن أوساطا لبنانية متابعة للعلاقات مع السعودية استغربت الضبابية التي تحوم حول غياب السفير السعودي في لبنان وتقصّد الرياض إضفاء جرعات غموض على الموقف الرسمي للمملكة.

ويرى مراقبون أن الأمر يعكس غضبا سعوديا من الأداء الرسمي اللبناني، لا سيما لجهة عدم الدفاع عن المملكة والتصدي للحملات المعادية التي تنطلق من بيروت، وكان آخرها التصريحات التي أدلى بها رئيس لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية في مجلس الشورى الإيراني علاءالدين بروجردي، والتي هاجم فيها السعودية من السرايا الحكومي، مقر رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام.

لكن مصادر لبنانية، تعد قريبة من الرياض، اعتبرت أن السلوك السعودي الذي قد يقترب من الانسحاب إذا ما صحت القراءات حول غياب السفير السعودي، لا يمكن تحميله للبنان الذي يحاول التعايش مع موازين القوى الإقليمية والتي تنعكس داخله إلى انقسام سياسي معروف.

وترى هذه المصادر أن تراجع الحضور الدبلوماسي للمملكة معطوف على قرارها السابق بوقف الهبات التي كانت مخصصة للجيش اللبناني وقوى الأمن لا توفّر دعما باستطاعته مواجهة المد الإيراني في لبنان الذي لم يتوقف عن تقديم الدعم لحلفائه كما لم يتوقف عن عرض تسليح الجيش اللبناني، على ما حمل بروجردي نفسه أثناء زيارته الأخيرة لبيروت.


معين المرعبي: لا معلومات دقيقة حول نية السعودية في خفض تمثيلها الدبلوماسي
وتقول مصادر برلمانية إن تخلي المملكة عن لبنان سيؤدي حتما إلى توطيد الحضور الإيراني في البلد، وإن المواجهة التي تخوضها المملكة في اليمن وسوريا ضد الخيار الإيراني في المنطقة تتناقض مع الخيارات السعودية في لبنان، لا سيما وأن للرياض حضورا تاريخيا قديما في لبنان يسبق الحضور الإيراني المستجد.

وتضيف هذه المصادر أن لبنان يفتقد في هذه الفترة لكل أسباب التماسك والمناعة في الداخل، وهو ما يجعل من موضوع التمثيل الدبلوماسي السعودي في لبنان موضوعا على درجة عالية من الأهمية، لأنه مؤشر واضح على مسار الأمور في لبنان والمنطقة.

بالمقابل تشير تحليلات صدرت مؤخرا إلى أن السعودية تعتبر أن الإبقاء على سفيرها في ظروف الفراغ الرئاسي الذي يمر به لبنان، سيكون نوعا من منح الشرعية لهذا الوضع الشاذ قانونيا ودستوريا، وهو ما يناقض روح السياسة السعودية التي تدفع على الدوام في اتجاه إنهاء الفراغ الرئاسي.

كذلك تشير مصادر أخرى إلى أن السعودية باتت تنظر إلى لبنان بوصفه بلدا غير مفيد، بعد أن تبين لها عجز الجهات المحسوبة عليها في لبنان عن الدفاع عن الحد الأدنى من مصالحها، أو حتى منع الإساءة إليها. وترجح هذه المصادر أن تكون السعودية قد اتخذت قرارا بالانسحاب من لبنان الذي لم يعد لها فيه حليف مؤثر وفاعل.

ويعتبر النائب معين المرعبي أن لا معلومات دقيقة حول نية السعودية في خفض تمثيلها الدبلوماسي في لبنان، ويشير إلى أن هذا المنحى في حال تم التأكد منه “قد يكون عائدا إلى أسباب أمنية في الدرجة الأولى تدفع السعودية إلى اتخاذ إجراءات لا يمكن إلا أن تكون مؤقتة ومحدودة دون أن يعني ذلك نيتها التخلي عن لبنان، فالسعودية لم يسبق لها أن تخلت عن أي بلد عربي يعاني من أزمة، فكيف يمكن أن تتخلى عن لبنان في مثل هذه الظروف”.

ويؤكد المرعبي أن “خطورة المرحلة تتطلب اتخاذ الحيطة والحذر، والانتباه إلى أعمال أمنية قد تطول شخصيات سعودية”، ويشدد على أن اللبنانيين “لا يمكن أن ينسوا الدور السعودي الإيجابي تجاه بلدهم الذي سيبقى محل تقدير دائم”.

من جهته يشير النائب عماد الحوت في تصريحات لـ“العرب” إلى أن قضية التمثيل الدبلوماسي السعودي في لبنان قد تكون “مسألة قانونية وإجرائية تتعلق بالإشكالات التي يمكن أن تثيرها قضية التجديد للسفير، أو تعيين سفير جديد في ظل غياب رئيس للجمهورية”.

ويؤكد الحوت أن الاتصالات التي تجري بين العديد من الجهات السياسية اللبنانية وبين السعودية تشير إلى أن “لا قرار سعوديا بالتخلي عن لبنان كما يشاع، وأن المملكة تدرك أهمية لبنان، وهي ليست بحاجة إلى طرف لبناني يدافع عنها، ولكن على اللبنانيين تحمل مسؤولياتهم تجاه المملكة، والعمل على تصحيح أي خلل يشوب هذه العلاقة”.

شادي علاء الدين: العرب