:: مأمون كيوان ::

عادة ما يواجه الرؤساء في الولايات المتحدة الأميركية الانتقادات أثناء وجودهم في الحكم، فيما يرى كثيرون أنه يجدر إعادة تقويم ولايتهم بعد خروجهم من السلطة. وقد وصف جورج بوش الابن كمجرم حرب وشبه بالشمبانزي. ووجهت اتّهامات بحق بيل كلينتون ووصفته الروائية طوني موريسون بأنّه أسود سنة 1998 في مقالة ضمن مجلة نيويوركر. وكتبت حينها أنّ كلينتون يجسّد «كلّ مجازٍ للإسوداد»، مثل كونه «ولد فقيراً» وينتمي إلى «الطبقة العاملة» و»يعزف على الساكسوفون» و»صبي من أركنساس يحبّ ماكدونالد والوجبات المعلّبة ذات القيمة الغذائية المنخفضة». وقيل عن ليندون جونسون إنّه قاتل أطفال.

وأظهر استطلاع نشرت نتائجه في 2 يوليو/ تموز 2014 ان الرئيس الأميركي باراك أوباما احتل المرتبة الأولى على لائحة أسوأ رئيس أميركي منذ الحرب العالمية الثانية. وبحسب المسح، الذي أجراه معهد الاستطلاع في جامعة كوينيبياك، فإن 33 في المئة من المستطلعين وجدوا أن أوباما أسوأ رئيس اميركي خلال السنوات الـ70 الماضية، في مقابل 28 في المئة لجورج دبليو بوش.

وذكر المعهد ان 35 في المئة وجدوا أن الرئيس الجمهوري رونالد ريغان هو الأفضل منذ 1945، فيما اختار 18 في المئة بيل كلينتون و15 في المئة جون كينيدي. وقال مساعد مدير معهد الاستطلاع تيم مالوي إنه «على مدى 69 عاماً من التاريخ الأميركي و12 ولاية رئاسية، وجد الرئيس باراك أوباما نفسه مع الرئيس السابق جورج دبليو بوش في أدنى سلّم الشعبية».

وتتفق نتائج معهد كوينيبياك مع استطلاعات اخرى تظهر تراجعاً لمعدلات تأييد اوباما لتصل الى نحو 40 في المئة. وأثرت مجموعة من القضايا السياسية والازمات الخارجية على سمعة أوباما. ووجد الاستطلاع ان الناخبين يجدون ان إدارة اوباما لا تملك الكفاءة لقيادة الحكومة بنسبة تتراوح بين 44 و54 في المئة.

ووفقاً لاستطلاع رأي أجرته صحيفة نيويورك تايمز وقناة سي بي أس نيوز الأميركيتين، فإنّ 80% من السود وجدوا أنّ أوباما عومل بقسوة بسبب لون بشرته فيما وافقهم على ذلك 37% من البيض.

ورأى بعض السود «سمّاً عنصرياً» في طريقة التعاطي مع أوباما الذي وصفته شخصيّات من البيض بـ»الصبي» و»الحيوان» و»طفل القطران».

ولاحظ جون بلايك في تقرير لشبكة سي أن أن الأميركية أنّ ظاهرة غضب الأميركيين البيض وبروز دونالد ترامب، يقابلها غضب الكثير من السود تجاه طريقة تعامل مواطنيهم الآخرين مع أوباما، خلال السنوات الثماني الماضية.

وأعاد طلب ترامب من أوباما إثبات مواطنيّته الأميركية إلى الأذهان فترة العبودية حين كان يُفرض على السود المحرّرين إبراز «شهادة تحرير» للسماح بتنقّلهم بحرّية.

وذكّر بلايك بأن أوباما ترأس البلاد خلال عصر انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي أعادت إلى الحياة ذكريات مؤلمة للأميركيين السود. ولفت الكاتب قرّاءه إلى أنّهم إذا فتّشوا في محرّك البحث غوغل عن العنصرية تجاه أوباما، فسيجدون أنّه قد وصف بأنّه «كائن بدائي في الحكم»، وصُوّرت زوجته في أكثر من رسم على أنّها رجل. وهذه صور تعود إلى عصر الاستعباد في أميركا.

وأيضاً، لم يكن أوباما شخصية محبوبة داخل مجتمعه حين دخل السباق الرئاسي. ووصفه بعض المفكرين السود بأنه لم يكن «أسود بما فيه الكفاية». وكتبت ديبرا ديكرسون عام 2007 في مجلة سالون، أنّ أوباما «ليس أسود. الأسوَد، في واقعنا السياسي والاجتماعي، يعني ذاك الذي ينحدر من عبيد الغرب الأفريقي».

وأخيراً، فجّر مقتل مواطنين من الأميركيين السود، في ولايتي لويزيانا ومينيسوتا برصاص الشرطة «البيضاء» الغضب الشعبي ضد العنف العرقي مجدداً في الولايات المتحدة، وتحديداً في ولاية دالاس، مسفراً عن مقتل خمسة عناصر من الشرطة وجرح سبعة آخرين برصاص القنص خلال تظاهرة منددة بعنف قوات الأمن ضد السود.

وذكر أيضاً بقضيتي نيويورك وميسوري في كانون الأول/ ديسمبر 2014، وأحيا جدلا قديما عن أجهزة إنفاذ القانون في الولايات المتحدة واتهامها على نطاق واسع باستهداف الأميركيين الأفارقة والأقليات الأخرى دون وجه حق.

واللافت أن احتجاجات بالتيمور وقبلها نيويورك وميسوري ولويزيانا ومينيسوتا وولاية دالاس جرت في عهد رئيس أميركي أسود، كان قد طرح شعار «التغيير» CHANGE الانتخابي في حملته الانتخابية الرئاسية الأولى، وأراد من كلمة «التغيير» أن تكون صورة أميركا القرن الحادي والعشرين صورة أخرى غير تلك الصورة التي اتسمت بالعنف والغزو والسيطرة والهيمنة بكل أشكالها خلال العقود الماضية، صورة جديدة تكون ابرز ملامحها من الداخل، أن كل أميركي هو أميركي وان أميركا للجميع وليست لعرق أو لون أو قومية، أي أنها دولة لكل مواطنيها، فيما تكون ابرز ملامحها من الخارج أن أميركا تمد يدها للعالم أكثر بكثير مما تمد لسانها لوجهه وأسلحتها لصدره أو تدير ظهرها له.

لكن لا يبدو أن حصاد التغيير الأميركي في صيغته «الأوبامية» كان كبيراً. وذلك نتيجة إدراكه أن دوره في لعبة السلطة يستوجب منه الشعور الكامل بـ»أميركيته». ولذلك ابتعد عن عقد السود واقترب أكثر من المساحات الحساسة التي اعتاد دخولها السياسيون البيض من الانجلوسكسون.

ورغم أن أوباما لا يقل شهرة عن محمد علي كلاي أو مايكل جاكسون أو أوبرا وغيرهم من مشاهير السود، إلا أنه لا يشكل نموذجا فريدا من نوعه في تاريخ قيادات السود في الولايات المتحدة الأميركية. ولا يمكن وضعه في منزلة مالكولم اكس أو مارتن لوثر كنج أو ستوكلي كارمايكل احد ابرز دعاة القوة السوداء التي عرّفها على أنها أسلوب خاص لخلق مؤسسات شرعية للأميركيين السود.

المصدر : المستقبل