بقي هاجس الأمن ضاغطاً على يوميات اللبنانيين، وانعكس حالة من الحذر في العاصمة وضاحيتيها الجنوبية والشرقية، بمعظم مراكزهم وشرايينهم التجارية، خصوصا مع اختلاط الوقائع بالشائعات، فيما أطلَّ الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله، للمرة الأولى، فقط عبر الشاشة الصغيرة، في «يوم القدس العالمي»، على عكس التقليد الحزبي المتبع منذ نشوء الحزب في العام 1983، بإقامة احتفال في آخر يوم جمعة من شهر رمضان، ظلّ يتخذ طابعاً عسكرياً حتى العام 2004، وتحول بعد هذا التاريخ إلى مجرد احتفال سياسي، باستثناء احتفال ما بعد «حرب تموز» الذي ألغي أيضاً.
وانعكس إلغاء الاحتفال المركزي هذه السنة إيجاباً لدى الجمهور الحزبي العريض، ليقتصر الأمر على إطلالة سياسية لـ «السيد» عبر شاشة «المنار» تميّزت بالدعوة إلى وضع إستراتيجية رسمية وطنية لمكافحة الإرهاب، وهي مبادرة يريد لها «حزب الله» أن تتبلور وتتحول إلى خطة عملانية في مواجهة خطر الإرهاب الذي يهدد كل لبنان.
واللافت للانتباه، وعلى عكس كل خطابات قيادة «حزب الله» منذ 35 عاماً، في مناسبة سنوية تعبوية كهذه، أن خطاب السيد نصر الله تميز بنبرة هادئة ومطمئنة لكل اللبنانيين، معتبراً أن الوحدة الوطنية أمضى سلاح في مواجهة الإرهاب.
وللمرة الأولى منذ سنوات، خاطب السيد نصر الله الإسرائيليين بنبرة قوية المضمون، لكن هادئة الشكل، وبدا كأنه يتكئ على رزمة من العناصر الإستراتيجية التي تجعله يمتلك زمام تهديد الإسرائيليين بشكل مبطّن، عندما شرح لهم ما يمكن أن يمتلكه «حزب الله» من معلومات و «بنك أهداف» من شأنه أن يفاجئ الإسرائيليين في أية حرب لا يجد كلا الطرفين أنهما أصحاب مصلحة في خوضها، ولو لاعتبارات إستراتيجية مختلفة.
وترك خطاب «السيد» أثرا ايجابيا كبيرا لدى أهالي منطقة البقاع الشمالي، وخصوصا المسيحيين، إذ أنه صارحهم بالخطر المحدق بأرضهم وحياتهم وممتلكاتهم من جهة، ولكنه تعهد لهم، من جهة ثانية، بأن المقاومة لن تميز بين قرية وأخرى بل ستكون أمام الجيش أو خلفه أو معه دفاعا عن وجودهم، «فما حصل مؤلم لكن لا يجوز أن يدفع أحداً إلى الخوف، ولا إلى القلق ولا إلى الهجرة ولا إلى إعادة النظر بوجوده في المنطقة».
وأكد نصر الله أن احتمالات الخرق الأمني قائمة، لكن «لولا الجهد الجبار الذي قام ويقوم به الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية والحرب الاستباقية للمقاومة والجيش اللبناني لكان لبنان في أسوأ حال مع جيران وحوش من هذا النوع».
وخاطب نصر الله اللبنانيين:»لا أحد يهوّل عليكم ويقول لكم إن الوضع الأمني في لبنان خطير جداً وسوف ينهار وتوجد كارثة أمنية. كلا، هذا غير صحيح، الوضع الأمني في لبنان أفضل من أكثر دول العالم بالحد الأدنى بالرغم من كل ما يحصل في منطقتنا». وأكد أن انتحاريي بلدة القاع أتوا من جرود عرسال وليس من مخيمات النازحين في مشاريع القاع.
وقطع نصر الله الطريق على الذين يحمّلون «حزب الله» مسؤولية تمدد خطر «داعش» و «جبهة النصرة» وأخواتهما إلى لبنان، بسبب انخراطه في الأزمة السورية أو فشل «حربه الاستباقية»، وقدم مضبطة اتهام بوجه المشككين، قائلا إن الوقائع والأدلة من اسطنبول الى بروكسل مروراً بباريس، تشي بأن الإرهاب لن يستثني أحدا بمعزل عن هويته وطائفته ولونه وعرقه وبلده، متوقفا عند البعد التثقيفي العقائدي، باعتباره أصل الموضوع، داعيا إلى وضع اليد على الإصبع، أي على الفكر الوهابي التكفيري في السعودية، متعهدا بالاستمرار في تحمل المسؤولية والمضي بلا تردد في خيار القتال ضد الإرهاب التكفيري.
وتميز الخطاب في البعد الفلسطيني بالتفاتة إزاء «حماس»، وذلك مع بدء العد العكسي لعودة الأمور الى طبيعتها بين الحركة وبين القيادة الايرانية، خصوصا على خلفية المشهد التركي ـ الاسرائيلي المستجد مؤخرا. فقد أكد السيد نصر الله أن كل محور المقاومة من «حزب الله» الى ايران مرورا بسوريا متمسك بموقفه الإستراتيجي الداعم لحركات المقاومة في فلسطين، وقال «نحن في موضوع سوريا صحيح اختلفنا بالرأي مع بعض الفصائل الفلسطينية، ولكن لم نطلب منهم ولم نضغط عليهم ولم نتشاجر معهم حول هذا الموضوع، وكنا نقول لهم: أنتم أحرار في أن تتخذوا الموقف الذي تريدونه، نحن نتمنى أن تتفهموا موقفنا، لكن في المعركة مع الإسرائيلي لا يوجد خلاف، في دعم شعب فلسطين ومقاومة فلسطين لا يوجد خلاف»(ص3).

بري لـ «السفير»: تفاهم سياسي على النفط
من جهة ثانية، وُضع ملف مراسيم النفط والغاز لبنانيا، على سكة رحلة الألف ميل، مع التوافق السياسي الذي أعلن عنه، أمس، للمرة الأولى من عين التينة بين الرئيس نبيه بري والعماد ميشال عون، وهو تفاهم عبّر الجانبان عن رغبتهما بانسحابه على ملفات حيوية أخرى كالكهرباء ومن ثم على تفاهمات سياسية أوسع، في اشارة مبطنة الى الملفات الرئاسية والحكومية وأيضا ملف قانون الانتخاب.
ولم تكد تمض ساعات على طلب وزير الخارجية جبران باسيل، موعدا من الرئاسة الثانية، حتى استقبله الرئيس نبيه بري في عين التينة، بحضور معاونه السياسي الوزير علي حسن خليل.
الاجتماع الذي استمر أكثر من ساعة، كان وفق تقييم الثلاثة ايجابيا، ولكن وعلى طريق «ما تقول فول تيصير بالمكيول»، تبقى العبرة في الترجمة، وأولها دعوة اللجنة الوزارية المختصة لاجتماع يخصص لتثبيت تفاهم عين التينة، ثم يدعى مجلس الوزراء الى جلسة استثنائية، تخصص لاقرار مرسومي النفط العالقين في مجلس الوزراء منذ العام 2013 لاستكمال دورة التراخيص الاولى في المياه البحرية اللبنانية ومشروع القانون الضريبي المتعلّق بالانشطة البترولية الذي وضعه وزير المال.
وفور اقرار المرسومين والمشروع الضريبي، يبادر رئيس مجلس النواب الى دعوة الهيئة العامة للانعقاد «ولو تطلب الأمر أن يكون هذا المشروع بندا وحيدا على جدول الأعمال، ومن يغيب من النواب أو الكتل عن هذه الجلسة، عليه أن يتحمل المسؤولية أمام الشعب اللبناني وأن يتحمل تبعات أي تأخير اضافي في اطلاق الورشة النفطية» على حد تعبير رئيس المجلس النيابي.
وكشف بري لـ «السفير» أنه طلب من رئيس لجنة الطاقة النيابية النائب محمد قباني أن يعد اقتراح قانون للتنقيب عن النفط في البر اللبناني تمهيدا لوضعه على جدول أعمال مجلس النواب تحسبا لامكان تأخر الحكومة في اقرار مشروع قانون بهذا الصدد.
وأكد بري أنه كانت هناك تباينات مع «التيار الحر» في عدد من النقاط، «تمت معالجتها وفق قاعدة اساسية مشتركة هي تثبيت حقوق لبنان النفطية والغازية وحماية «البلوكات» الجنوبية (8 و9 و10) من الأطماع الاسرائيلية».
يذكر أن الدخول الأميركي على خط الملف النفطي الاقليمي وتحديداً بين لبنان وإسرائيل، فضلا عن التطورات المتصلة بالملف ومنها الأنبوب الاسرائيلي للتصدير الى أوروبا عبر تركيا، إضافة الى مستجدات جيولوجية لبنانية، شكلت كلها عناصر دفع للجانب اللبناني للمضي في خيار التفاهم سياسيا على ملف النفط.