بدا أمس كأن الجهات العسكرية والامنية المعنية بالواقع الامني الناشئ عن التفجيرات الارهابية التي استهدفت القاع مطلع الاسبوع الجاري قد تنبهت الى خطورة تجاوز السقوف الواقعية للمخاوف التي شاعت في البلاد والتي اتسمت بتضخيم اعلامي وسياسي، فبدأت اعادة تبريد منهجية لهذا المناخ بعدما بدأ ينذر بأذى واسع على مختلف المستويات. ووسط استمرار ظاهرة بث الشائعات التي تتناول تهديدات ارهابية اضافية مزعومة، رسمت التناقضات التي برزت في بعض مواقف المسؤولين المعنيين بالملف الأمني من سياسيين وجهات أمنية الكثير من الارباك والافتقار الى التنسيق الدقيق وضبط وحدة المعلومات وما يجب اعلانه منها أو ترك بعضها الآخر طي السرية اللازمة بما يقتضيه الجهد الامني الضروري الامر الذي زاده تفاقماً تضخيم وربما توظيف سياسي تجاوز حجم التهديدات الحقيقية واقتضى اعادة نظر برزت مع مسارعة الجهات المعنية في اليومين الاخيرين الى اصدار بيانات التهدئة للرأي العام الداخلي.
وفي هذا السياق اصدرت مديرية التوجيه في قيادة الجيش أمس بياناً توضيحياً نبهت فيه الى "تناقل بعض وسائل الاعلام روايات غير دقيقة عن احداث امنية حصلت أو ستحصل وبالغ في التحليل والاستنتاج ناسبا مصادرها الى مراجع امنية وعسكرية". ودعت الى "توخي الدقة والموضوعية في نشر اي معلومات تتصل بالامن"، كما دعت المواطنين "الى عدم الأخذ بالشائعات"، مشددة على ان "المصدر الوحيد للادلاء بهذه المعلومات هو قيادة الجيش". ونقلت "وكالة الانباء المركزية" عن مصادر عسكرية ان بيان القيادة العسكرية قبل يومين الذي أكد احباط مخطط للتفجيرات هدف الى طمأنة اللبنانيين باشارته الى احباط هذا المخطط الذي لم يكن يستهدف أياً من الامكنة التي تناولها الاعلام أو الرسائل الهاتفية وأشارت الى انه فور انتهاء التحقيقات واكتمال الصورة سيعلم اللبنانيون جميعا بالنتائج.
وقالت اوساط رسمية معنية لـ"النهار" ان الاهتمام الدولي بالوضع الامني الناشئ عن هجمات الارهابيين على القاع برز من خلال ابلاغ الممثلة الشخصية للامين العام للامم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ أمس رئيس الوزراء تمام سلام تفاصيل جدول أعمالها في لقاءات ستعقدها في واشنطن ونيويورك الاسبوع المقبل مع السلطات الاميركية وفي مجلس الامن. وأوضحت ان الملف اللبناني بشقيه الامني والسياسي سيطرح في هذه اللقاءات وخصوصاً لجهة تاكيد الارادة الدولية استمرار دعم الجيش في مواجهته للارهاب. وقد وصفت كاغ المرحلة الحالية بأنها "صعبة جدا للبنان"، مشيدة باداء الاجهزة الامنية والجيش "التي تقوم بعمل استثنائي فالقليل من الدول يستطيع تأمين هذا المستوى من الامن في مواجهة تلك التحديات".

نصرالله
في غضون ذلك، جاءت المواقف التي عبّر عنها الامين العام لـ"حزب الله " السيد حسن نصرالله امس من التطورات الاخيرة في مناسبة احياء "يوم القدس العالمي" لتعكس توجهاً واضحاً لديه الى طمأنة أهالي البقاع الشمالي عموما والمسيحيين منهم خصوصاً. ومع ان نصرالله برر تكراراً انخراط الحزب في "الحرب الاستباقية" التي يخوضها في سوريا قائلاً انه لولاها "لكنتم ستجدون عشرات السيارات المفخخة في المدن اللبنانية"، حرص في المقابل على الاشادة "بالجهود الجبارة التي قام بها الجيش والقوى الامنية والمقاومة في المواجهة الامر الذي ادى الى منع أحداث خطرة". واذ أعلن ان الانتحاريين أتوا الى القاع من جرود عرسال دعا اللبنانيين الى "عدم السماح لاحد بالتهويل عليهم، فوضعنا الأمني أفضل من أي دولة أخرى والأمن ممسوك وأدعو اللبنانيين وكل شعوب المنطقة ان يثقوا بالأمن اللبناني والأجهزة اللبنانية والشعب اللبناني". وأضاف: "القاع بالنسبة الينا في حزب الله وحركة أمل مثل الهرمل... مصيرنا واحد ولن نسمح بأي عملية تهجير لأهل المنطقة وكلنا مع المؤسسات الامنية وخلفها وبرموش العين سنحمي أهل المنطقة في البقاع الشمالي وعلى الناس في منطقة البقاع الا يقلقوا ويخافوا ولا يفكروا في الهجرة".

"التفاهم النفطي"
وسط هذه الاجواء، بدا لافتاً للغاية ان يطلع فجأة من عين التينة دخان أبيض لتفاهم مفاجئ بين حركة "امل" و"التيار الوطني الحر" على ملف النفط والغاز الذي جمدت مراسيمه التنفيذية في الحكومة منذ أكثر من سنتين لاسباب عدة كان من أبرزها الخلاف المستحكم بين الفريقين على مسائل عدة في هذا الملف منها اولويات التنقيب عن الغاز والنفط في البلوكات المحددة للتنقيب بين المنطقة الاقتصادية الخالصة في الجنوب أو في بلوكات ضمن المياه اللبنانية في مناطق أخرى. والتفاهم المفاجئ أعلن عقب اجتماع ضم رئيس مجلس النواب نبيه بري ووزير الخارجية جبران باسيل ووزير المال علي حسن خليل واكتسب طابع اعلان "اتفاق- بشرى يؤمن استقراراً أكبر للبلد". وصرح باسيل بان عناصر الاتفاق تتضمن نجاح المناقصة ومصلحة لبنان الاقتصادية الاستثمارية وحقوق لبنان النفطية". كما ان الوزير خليل طالب رئيس الوزراء "الذي كان ينتظر حصول نوع من التوافق بدعوة اللجنة الوزارية المعنية بملف النفط ووضعه لاحقاً على جدول أعمال مجلس الوزراء في أقرب فرصة لاقرار المراسيم".
وأثار هذا التفاهم الثنائي المفاجئ استغراباً واسعاً وخصوصاً لجهة اختزال الوزارات الأخرى أولاً والقوى والكتل المشاركة في الحكومة بتفاهم ثنائي اعلن كأنه نهاية المطاف في ملف بهذه الاهمية.
وفيما يتوقع ان يثير هذا الجانب ردود فعل متحفظة أو رافضة لاختزال فريقين هذا الملف، أبلغت مصادر وزارية "النهار" أنها ترحّب بما تم الاتفاق عليه في لقاء عين التينة في شأن ملف النفط، لكنها تساءلت"لماذا لم يكن هذا الاتفاق متاحاً منذ سنة أو سنتيّن؟ أما كنّا وفّرنا على لبنان تأخيراً كبيراً في موضوع إستكشاف الثروة النفطية وإستثمارها والتي سبقتنا اليها دول الجوار بإشواط؟ وما الذي سمح بحصول هذا الاتفاق اليوم وكان يمنع حصوله في السابق بين قوتيّن كبيرتيّن مثل حركة "أمل" و"التيار الوطني الحر"؟
ولاحظت "أن هذا الاعلان الذي يستحق كل ترحيب يطرح سؤالاً كبيراً عما إذا كانت هناك منافع مختلف عليها وجرت تسويتها بين الطرفيّن وما هي طبيعة هذه المنافع؟ ألا يحقّ للبنانيين أن يسألوا عمن هم المسؤولون عن عرقلة هذا الملف طوال هذه السنوات؟".
وخلصت المصادر الى القول: "أين مجلس الوزراء من هذا الملف ؟وهل هو مطّلع على حيثية هذا النقاش والأخذ والرد بين الفريقيّن؟ كنا نحب أن نرى وزير الطاقة المعني الأول بهذا الموضوع يتحدث عن الملف بتفاصيله وألا يفوّض الى سلفه في الوزراة هذه المسألة".