يتفاعَل الملف اللبناني في باريس خلال هذه المرحلة داخل حَدثين تُعدّ لهما الخارجية الفرنسية بتواصُل مباشر مع الإليزيه:

الملفّ الأوّل هو زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرلوت إلى بيروت في 10 و11 تموز المقبل. امّا الملف الثاني فيتعلق بالإعداد لاجتماع مجموعة الدعم الدولية للبنان "المقترح" عقده أيضاً في باريس في 19 تموز.

وعلمت "الجمهورية " أنّ 19 تموز يُعتبر حتى الآن موعداً أوّلياً وغير محسوم لعقد اجتماع مجموعة الدعم الدولية وهناك إمكانية كبيرة لتأجيله في اللحظة الأخيرة الى خريف 2017، تماماً كما أرجئت زيارة إيرولت الى بيروت بعدما كانت مقررة في بدايات حزيران الجاري حتى 10 تموز.

فالأجندات الدولية منشغلة هذه الفترة بهموم ساخنة ليس لبنان في أولويتها.

وضمن هذا السياق، تعزو مصادر في وزارة الخارجية الفرنسية، التأجيل الذي طرأ على موعد زيارة إيرولت بيروت، الى انشغالاته بالتحضير لمؤتمر السلام حول فلسطين الذي عقِد في باريس يوم 3 حزيران واضطراره لمتابعة نتائجه.

وتقول هذه المصادر إنّ إيرولت ارتأى أنّ الموعد الجديد لزيارته يُعتبر هو الأنسب، نظراً لأنّ توقيته سيواكب تقدّم التحضيرات لعقدِ اجتماع مجموعة الدعم الدولية للبنان، وستكون المعطيات قد أصبحت اكثر وضوحاً لجهة إمكانية عقدِه، وما يمكن أن يقدّمه من مساعدات الى لبنان أو إذا كان ممكناً تعويض تأخير عقده بأفكار بديلة.

غير أنّ معلومات "الجمهورية" المستقاة من مصادر في باريس ترجّح أنّه لم يتسنَّ للخارجية الفرنسية التأكّد من عقدِ اجتماع مجموعة الدعم الدولية للبنان في موعده المقترح، وهي تميل الى التشكيك في عقده، وأبرز دليل على ذلك تمنُّعها حتى الآن عن إصدار بيان يثبّت موعد 19 تموز.

وتضيف المعلومات أنّ باريس ليست متحمسة لعقده في موعده المقترح، لأنّها ترى أنّ ظروف نجاحه لا تزال غيرَ متوافرة. وفي المقابل تؤكد كواليس نقاشات اجتماع مجموعة الدعم الدولية أنّ الجهة الراغبة بعقده في 19 تموز هي المفوّضية الأوروبية للشؤون الخارجية، أضِف الى أنّ هذا الموعد المقترح حظيَ بموافقة كل من وزير الخارجية الاميركية جون كيري، والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون حيث يسود في أروقة الامم المتحدة أنّه لن يتمكن من حضوره بسبب مشاغل خاصة به.

أفكار بديلة

وتسود في أروقة نقاشات التحضير للاجتماع، أفكار بديلة عن موعد عقدِه، أبرزُها ترحيله الى خريف العام المقبل، حيث يمكن حينها للمجموعة ان تلتئم كعادتها في كلّ عام، وذلك على هامش اعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وأبرز الاسباب التي تقف وراء الرغبة الدولية في التأجيل، تتمثل في ترجيح العديد من دول المجموعة بأنّ الاجتماع لن يؤدي الى نتائج عملية، لا على المستوى السياسي ولا الاقتصادي الخاص بإنشاء صندوق المساعدات للبنان.

والفكرة الاخرى المتداولة لملء فراغ ترحيل عقد الاجتماع الى خريف 2017، تنصح الدولة اللبنانية بتنشيط التفاوض مع الاتحاد الاوروبي، وأن يشرّع مجلس النواب اللبناني القوانين التي تتيح للبرلمان الاوروبي تقديمَ المساعدات التي قرّرها للبنان في مؤتمر لندن (شباط الماضي). علماً أنّ هناك مساعدات فرنسية مستحقة للبنان، لا يزال يعوق صرفَها عدمُ سَنّ البرلمان اللبناني قوانينَ بشأنها.

أمّا الفكرة الثالثة فتتحدّث عن تسريع تنفيذ اقتراح تعيين مبعوث خاص من مجموعة الدعم الدولية للبنان، تكون مهمّته القيام بجولات مكوكية على عواصم الدول المؤثرة في أزمته السياسية من ناحية، وفي مجال تقديم الدعم المالي إليه من ناحية ثانية.

ويرى المتحمّسون لهذا الاقتراح أنّ تنفيذه سيُعبّر عن استمرار اهتمام المجتمع الدولي بأزمة لبنان السياسية والاقتصادية على الرغم من عدم توافر ظروف موضوعية في هذه اللحظة تَسمح لمجموعة الدعم بتقديم مساعدات جماعية إلى لبنان عبر إنشاء صندوق دولي لهذه الغاية.

وتصف مصادر في باريس هذا الاقتراح بأنّه لا يزال طريَّ العود، لكنّه نال نصيباً من النقاشات الدائرة بين بيروت وباريس، خصوصاً لجهة اسمِ الشخصية التي ستَشغل منصبَ مبعوث خاص لمجموعة الدعم الدولية لمتابعة ملف الأزمة اللبنانية بين عواصم القرار، وجنسيتها.

وترجّح المصادر مجموعة أسماء مرشّحة لشَغل هذا المنصب أبرزُها إثنان: ممثّل الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان، لكنْ تحفّظاً يسود هذا الترشيح، وذلك من باب أنّه إذا تمّ انتقاء هذه الشخصية سيصبح من الأفضل انتظار نهاية العام الجاري موعد انتهاء ولاية الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون. أمّا المرشّح الآخر فهو هوبير فيدرين وزير الخارجية الفرنسي الأسبق في عهد الرئيس جاك شيراك.

وستكون زيارة ايرولت لبيروت الشهرَ المقبل مناسبةً لعرض مواقف باريس من جملة أحداث يشهدها لبنان راهناً، أبرزها نتائج العقوبات المالية الاميركية على "حزب الله"، حيث لا تبدو فرنسا ميّالة لتأييدها، نظراً لأنّ نتائجها ستصيب الاقتصاد اللبناني بالضَرر، وهي تفضّل في حال كانت واشنطن عازمة على المضيّ في محاربة الحزب، أن تفرض عليه عقوبات تضرّ نشاطه في سوريا وليس في لبنان.

ولن يحمل ايرولت معه أيضاً مقترحات جديدة وعملية في ملف إنهاء الشغور الرئاسي، إذ لا فرنسا ولا حتى مجموعة الدعم الدولية في حال اجتمعَت في تمّوز، لديها وصفةٌ عجائبية لإنهاء هذه الأزمة، خصوصاً بعدما فشلت في باريس في إقناع السعودية وإيران بإبداء ليونة بشأن موقفهما المتنازع فوق الساحة اللبنانية.

فطهران مصِرّة على عدم فتح باب البرلمان لانتخاب رئيس بحسب المصادر الفرنسية، والسعودية تؤجّل استثمارها الإيجابي في لبنان، وتُبدي رغبةً عوض ذلك في ممارسة ضغوط على "حزب الله".

وعلى رغم قرار باريس إبداءَ الحذر في مقاربتها للملف الرئاسي، لكنّ مصادرَ الخارجية الفرنسية تؤكّد أنّ الإليزيه وإيرولت سينتهزان مناسبتَي زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى باريس اليوم، وزيارة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان اليها في 28 منه، لحضِّهما على أن يساهم بلداهما في إنتاج خطة لإنقاذ الوضعَين السياسي والاقتصادي في لبنان.

(ناصر شرارة - الجمهورية)