الأسباب الموجبة لاستقالة حزب الكتائب من الحكومة والتي عرضها رئيس الحزب لم تكن مقنعة لسببين: لأن الاستقالات غالبا ما تكون من طبيعة سياسية، خصوصا لجهة حزبية، سيما ان الحكومة تمثِّل سلطة القرار السياسية، وذلك على غرار استقالة الوزير أشرف ريفي الذي ربط استقالته بقضية الوزير السابق ميشال سماحة واستحالة المساكنة مع "حزب الله". والسبب الثاني يتصل بتوقيت الاستقالة الذي لم يكن موفقا، فيما لو حصلت في خضم أزمة النفايات كانت مبررة، فضلا عن ان ربطها بعدم القدرة على لجم الصفقات والسمسرات يمثِّل نقطة ضعف لا قوة، لان هذا الاتهام لا يخرج عن سياق اتهامات ما سمي بالحراك للطبقة السياسية، فيما كان من الأولى ان يسمي رئيس الحزب الأشياء بأسمائها.
وإذا كان من حق "الكتائب" وغيرها القيام بالخطوة التي تنسجم مع سياساتها، فإن الاستقالة من الحكومة، وعلى عكس ما تمنى الجميل، لم تشكل الصدمة الإيجابية المطلوبة، بل وقعها كان غير إيجابي لسببين أيضاً:
السبب الأول، لأن استمرار الحكومة تحول في ظل غياب رئيس الجمهورية إلى حاجة وطنية على رغم كارثية الأداء الحكومي، وبالتالي كان يفترض بالكتائب ان تتحمل مسؤولية مشاركتها في الحكومة من الأساس، خصوصا ان انسحابها لا يقدم ولا يؤخر في المعطى الحكومي أو الرئاسي، بل يُساهم في إضعاف آخر موقع رسمي تنفيذي.
السبب الثاني، لأن استقالة "الكتائب" أخلّت بالتوازن داخل الحكومة وطنيا ومسيحيا، الأمر الذي ينعكس سلبا على حلفائها واستطرادا ميزان القوى القائم.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: ما هي خيارات "الكتائب" بعد الاستقالة، خصوصا ان الحزب بحاجة إلى خطوات تعويضية بعد خروجه من الضوء الذي أتاح له حضورا على مستوى القرار الوطني؟ وفي الإجابة يمكن التوقف أمام ثلاثة خيارات:
الخيار الأول، الانضمام إلى "تفاهم معراب" بتحويله من ثنائي إلى ثلاثي، وهذه الخطوة ان حصلت تؤدي إلى تعزيز هذا التفاهم وتقويته، بما يجعل تجاوزه من سابع المستحيلات، كما تشكل مصلحة وطنية-مسيحية، إلا ان عدم حماس "الكتائب" يتصل بخشيته من الذوبان في هذا التحالف، فضلا عن اعتقاده بقدرته على استقطاب الرأي العام المسيحي والوطني المتضرر من هذا التفاهم.
الخيار الثاني، الانضمام إلى مبادرة الدكتور فارس سعيد بتأليف لائحة من ١٢٨ مرشحا على امتداد مساحة لبنان، الأمر الذي يزخِّم المبادرة بما تمثله من مشروع وطني عابر للطوائف وضامن لاتفاق الطائف، ويصالح بالمقابل "الكتائب" مع الرأي العام الاستقلالي الذي شهدت العلاقة معه مدا وجزرا.
الخيار الثالث، الانضمام إلى "طلعت ريحتكم" او ما عرف بالحراك المدني، خصوصا ان "الكتائب" أبدت تعاطفا مع هذا الحراك، ويبدو ان ثمة لديها رغبة بالانفتاح على هذا المناخ بعدما أظهرت الانتخابات البلدية انه ليس عابرا، بل متجذرا على مستوى الرأي العام الذي يطمح إلى التغيير، ولكن المشكلة مع الحراك مزدوجة: يتعامل أولا مع "الكتائب" وغيرها على قاعدة "كلن يعني كلن"، ويفتقد ثانيا إلى الوضوح السياسي، حيث يعمل على قاعدة ردة الفعل، لا الفعل المبني على مشروع وطني واضح المعالم.
لا شك ان الأسابيع المقبلة كفيلة بتحديد أي خيار سيعتمده حزب "الكتائب" الذي وقّت خروجه من الحكومة بعد الانتخابات البلدية ودخول لبنان في مرحلة الانتخابات النيابية، وعدم رغبته بخوض هذه الانتخابات من مربع الحكومة التي تحولت إلى عبء ثقيل وكبير.

  ليبانون فايلز