أثبتت لجنة الاتصالات والإعلام النيابية بإدارتها لملف الانترنت غير الشرعي، قدرتها على تحييد نفسها عن منظومة الشلل التي تصيب المؤسسات الدستورية من جهة وعن منظومة الاشتباك السياسي التي تعطل أية مناقشة موضوعية لأي ملف حيوي منذ عقد من الزمن من جهة ثانية.
بهذا المعنى يُفهم «الحضور المصغّر» للدولة اللبنانية بكل أجهزتها على طاولة اللجنة النيابية، من وزراء الدفاع سمير مقبل والاتصالات بطرس حرب والصحة وائل أبو فاعور، الى مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص، مدير عام المالية ألان بيفاني، المدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود، المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم، مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر، قاضي التحقيق في جبل لبنان رامي عبدالله، وأكثر من عشرين نائباً.
هذا في الشكل، أما في المضمون، فإنّ أبرز الخلاصات التي أعادت الجلسة التأكيد عليها فهي بقاء هذه القضية حيّة والحؤول دون لفلفتها أو تضييع بوصلة المساءلة فيها، وهذه النقطة كانت موضع تفاهم بين رئيس اللجنة النائب حسن فضل الله ورئيس المجلس النيابي نبيه بري.
وفي التفاصيل، استكملت اللجنة نقاشها في المسارات القضائية الأربعة التي تتابعها، وهي على الشكل الآتي:
ـ في مسألة التجسس الإسرائيلي، أعيد طرح السؤال على القضاء العسكري حول تقرير شعبة المعلومات في قوى الأمن فتبين أنها سلّمته الى القاضي صقر صقر الذي قرر ضمه الى تقرير الجيش.
وقد ألح بعض النواب بالسؤال ما إذا كان تقرير المعلومات يتضمن معطيات قاطعة بشأن الخرق الإسرائيلي، الا أنّ صقر رفض الإفصاح عن مضمونه، وهكذا تقرر ابقاء هذا المسار مفتوحاً للوصول الى نهاياته.
ـ في مسألة ادخال معدات الانترنت غير الشرعي إلى لبنان عن طريق مرفأ بيروت ومطار بيروت الدولي، اشتكى القضاء من عدم استجابة الجمارك، ما دفع وزير المال علي حسن خليل (الغائب بداعي السفر) الى اصدار بيان يفيد فيه عن منحه «الاذن بالاستماع الى بعض مسؤولي الجمارك نتيجة طلب النيابة العامة التمييزية».
كما أحال خليل الى النائب العام المالي كتاب ادعاء شخصي بصفته وزيرا للمالية «على كل من يظهره التحقيق في ملف الاتصالات غير الشرعي والعمل على ملاحقة المتورطين وتحصيل حقوق الدولة منهم». وعلم أنه سبق الخطوتين تواصل بين فضل الله ووزير المال. ويفترض أن تحصل اليوم اولى جلسات الاستماع أمام القضاء.
ـ في مسألة تركيب أبراج الاتصالات ومسؤولية قوى الأمن، أوضح اللواء بصبوص أنه أجرى تحقيقاً داخلياً في قوى الأمن الداخلي، مشدداً على أنّ الجهاز الذي يرأسه غير معني بالقانون عن مراقبة هذه الأبراج والسؤال عن ماهيتها ونوعية عملها، كما أنه لم يكلف أصلاً بهذه المهمة، الا أنّ القضاء أبلغ الحاضرين أنّه سيعيد فتح الملف لاستجواب ضباط المخافر المعنيين (الضنية، عيون السيمان وبكفيا)، حيث سيحوّل القضاء العسكري تقرير شعبة المعلومات الى المدعي العام التمييزي سمير حمود.
ـ في مسألة استجرار الانترنت غير الشرعي، فقد فنّد قاضي التحقيق رامي عبد الله الآلية والمسار المعتمدين وكيفية استفادته من خبراء تقنيين مستقلين، مؤكداً أنه سيتخذ الاجراءات اللازمة بحق الشركات المعنية بعد استكمال التحقيق.
طبعاً، لم تخل الجلسة من بعض النقاشات الحادة لكن المنضبطة، ومعظمها تركز حول مسؤولية رئيس هيئة «اوجيرو» عبد المنعم يوسف، ما دفع وزير الصحة الى القول بعد انتهاء الجلسة «أخشى ان نصل الى يوم نعتذر فيه من ناهبي الانترنت غير الشرعي».
وتمكنت اللجنة من الخروج بخلاصتين: أولاً التأكيد على استمرارية مواكبة القضية بكل تفرّعاتها، وثانياً تحريك المسارات القضائية والدفع بها الى الأمام.
الى ذلك، كان للنائب الان عون مداخلة ردّ فيها على الاتهامات بتمييع ملف الانترنت غير الشرعي معتبراً أنّ اللجنة تقوم بواجبها على أكمل وجه وأنّ الطابة باتت في ملعب القضاء حيث يفترض انتظار انتهاء التحقيقات واجراءات القضاء المختص للحكم على خواتيم هذه القضية، داعياً للاستفادة من هذا الوقت لتقوم اللجنة بتصويب مسار المتابعة من خلال مساءلة الإدارة العامة عن دورها ومسؤوليتها في هدر المال العام وحجب الإمكانات عن القطاع العام والوزارات، وما اذا لها دور في تغطية الشركات الخاصة المستفيدة من الانترنت غير الشرعي وما اذا كن الأمر يحصل بتنسيق مع القطاع العام أو من دون علمه.
وهنا تدخّل المدعي العام المالي علي ابراهيم واعتبر كلامه بمثابة «اخبار»، فطلب النائبُ العام التمييزي سمير حمود رفع السرية عن مداخلة النائب عون وارسالها مكتوبة وبشكل رسمي للتعامل معها على أنها «اخبار قضائي».
كما جرى التعامل مع كلام النائب مرعبي حول شراء شركتي خلوي الانترنت من القطاع الخاص بأسعار أغلى من أسعار الدولة، بمثابة اخبار أيضاً.
وبعد انتهاء الجلسة، قال الوزير بطرس حرب انّ تقرير «شعبة المعلومات مطابق للتقرير الذي وضعته مخابرات الجيش ويتضمن عدم وجود اثباتات حسية عن التخابر غير الشرعي وانه يمكن ان يكون هناك تعامل مع اسرائيل عبر التخابر».
بدوره، شدد رئيس اللجنة النائب حسن فضل الله على «الاستمرار في جلساتنا حتى نصل بهذه القضية الى الخواتيم المطلوبة والى الحقيقة بكاملها عبر تحقيق العدالة ومحاسبة المرتكبين ايا يكن هؤلاء ومهما علا شأنهم».
وقال: «اننا مقبلون على عطلة قضائية وتمنت اللجنة على القضاء ان يستمر في العمل حتى ضمن العطلة القضائية التي تبدأ الشهر المقبل. لكننا سمعنا من المدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود ان على القاضي حتى خلال العطلة القضائية ان يعقد الجلسات وبذلك لا نخسر الوقت لمتابعة دقائق هذه القضية لأننا في حاجة الى وقت سريع لانجاز ملف هذه القضية».
وأكد «نحن نقول لا توجد مؤسسة متهمة من اي من مؤسسات الدولة اللبنانية. وقد يكون هناك مرتكبون او مقصرون لكن يجب ألا نذهب مباشرة الى اتهام المؤسسات كمؤسسات».
واعتبر أنّ «هناك ارادة وتوجيهات واضحة من رئيس مجلس النواب نبيه بري باستمرار عمل اللجنة والمطالبة والمواكبة والمتابعة من الان حتى موعد فتح الدورة العادية للمجلس النيابي في تشرين الاول المقبل لامكان دعوة المجلس الى الانعقاد. ونحن نتمنى ان نلتقي قبل تشرين الاول المقبل، علما اننا نعرف ان الآليات القضائية قد تحتاج احيانا الى وقت لكن نتمنى حسم المسار النهائي لهذه القضية قبل تشرين الاول، وفي هذا الوقت يمكن ان تدعي الهيئة العامة للمجلس، وهذه من صلاحية رئيس المجلس، الى جلسة مخصصة لهذا الملف وتأليف لجنة تحقيق نيابية لها صلاحيات قضائية كاملة، وهذا جزء من صلاحيات المجلس النيابي، لكن نحن لا نحب ان نحل مكان القضاء الذي نأمل ان يقوم بدوره كاملا. ومن الآن الى موعد الجلسة المقبلة يكون القضاء المختص قدم الينا المعطيات الكاملة في شأن هذه القضية، وبالتالي يكون قد وصل الى كل الرؤوس ايا تكن هذه الرؤوس كبيرة. وقد اتفقنا في اللجنة ان نعطي ايضا وقتا اضافيا للقضاء لاستكمال عمله. ان شاء الله بعد عيد الفطر».