اقتضى الدفاع عن حرية أمين معلوف وحقه في التعبير عن رأيه تذكير المجدفين بأن دور الرجل تخطى الحدود المحلية وصارت شخصيته ذات بعد عالمي، وقد يكون من المرشحين لنيل جائزة نوبل ذات عام قريب، فلم يعد من الجائز تقليص عالميته وزجه في معسكر الممانعين.

وكذلك تذكيرهم بأن نهج المقاطعة الذي اعتمدته وروجت له الأنظمة العربية لم يكن فحسب عديم الجدوى بل أدت نتائجه العكسية إلى عزلة عربية وإلى انحياز لدى الرأي العام العالمي لأن إسرائيل أحسنت الدفاع عن "حق" غير مشروع بينما قصر العرب في الدفاع عن حقهم المشروع.

لقد بات في حكم المؤكد أن الممانع لم تعد تهزه وحول "الحجج والذرائع" هذه بعد أن اعتاد خوض كل طقوس التخوين دفاعاً عن نظامي الاستبداد البعثي الصدامي والأسدي (إذا اعتاد الفتى خوض المنايا ....... فأهون ما يمر به الوحول...المتنبي) مع ذلك، سنذكّرهم، إن نفعت الذكرى، بأن سياسة الممانعة هي بالذات التي اختارت الوصل لا الفصل مع العدو الاسرائيلي، وبات التنسيق الروسي الاسرائيلي في أعلى المستويات تعبيراً عن حاجة لهذين الطرفين ومن خلالهما لسائر أطراف الصراع على الأرض السورية، بما في ذلك مقاومة حزب الله التي يممت وجهتها شطر الحدود السورية ثم التركية بدل فلسطين، وتمثل لها العدو قادماً من المذاهب الاسلامية لا من الصهيونية، والخطر من السعودية لا من اسرائيل.

أمران على العقل الممانع أن يضيفهما إلى مستجدات ما بعد انهيار "حركة التحرر الوطني العربية" وزوال "جبهة الصمود والتصدي" وتبعثر الجبهة المؤلفة من "دول الطوق"، وما بعد مؤتمر مدريد واتفاق أوسلو وأحداث الربيع العربي التي فضحت زيف "التقدمية" في الأنظمة، وكذبة الديمقراطية في الأحزاب القومية واليسارية، وما بعد صعود الاسلام السياسي إلى هاوية الارهاب والعنف الدموي والحروب الأهلية، وما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية والأممية الثالثة ودول عدم الانحياز والتضامن الأفروأسيوي وتشتت بقايا اللينينية والماوية والتروتسكية في متاهات البحث المضني عن صيغ لمواجهة الرأسمالية المتوحشة.

الأول هو أن نجاح المشروع الصهيوني في اغتصاب فلسطين لم يكن نتيجة مؤامرة فحسب، بل حاصل تخلف حضاري عربي ضارب في القدم، يعود إلى نهاية الألفية الأولى، وبالتالي سيظل من المستحيل انتصار مشروع المواجهة العربية بمعزل عن حل معضلة التخلف الثقافي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي.

وقد بات من البديهيات أن العلم هو باب الدخول إلى هذه الحضارة. وبهذا المعنى ليس بلوغ أمين معلوف ما بلغه في هذا الحقل مسألة ثانوية، بل  هو التعبير الأبلغ عن قدرة أمتنا على ولوج هذا الباب، وليس أمين معلوف الأول في هذا المضمار، بل هو اسم يضاف إلى مئات العلماء والمفكرين والمبدعين الذين بلغوا العالمية وأزالوا بعضاً من التشوه الذي لحق بنا بسبب سيادة الاستبداد أنظمة وأحزاباً، ولا سيما بعد أن صار العالمان العربي والاسلامي أكبر مصدر للارهاب والعنف الأعمى.

لا مقاومة للمشروع الصهيوني من غير احترام العلم والعلماء، وليس مقاوماً من يكون مثاله الأعلى الممانع نظام الاستبداد الأسدي. الثاني هو أن من عوامل نجاح المشروع الصهيوني استناده إلى لوبي منتشر في معظم البلدان، يستقوي بالصهيونية وتستقوي به.

أما نحن، فبدل البحث عن تشكيل لوبي لبناني أو عربي لدعم قضايانا ترانا "نتفرق عن حقنا"، مع أن انتشار اللبنانيين والعرب ليس قليل الأهمية، والأسماء اللامعة في مضامير الاقتصاد والسياسة والطب والفيزياء وعلوم الفضاء أكثر من أن تحصى.

فاعلية اللوبي متوقفة على توفر المشروع. اللوبي الصهيوني وجد مشروعه، أما اللوبي اللبناني أو العربي فلن يبصر النور ما دامت الأنظمة الحاكمة لا تملك مشروعاً لا للتحرير ولا للتنمية، وما دام مشروعها الوحيد  استمرار الاستبداد وأنظمة الوراثة ونهب المال العام وتنظيم الحروب الأهلية.

اللوبي المأمول سيبقى بعيد المنال في غياب مشروع لبناني أو عربي، مبتداه التخلص من أنظمة الاستبداد وبناء الدولة الديمقراطية.

المدن