حين تغيب هيبة الدولة تعم الفوضى.. وحين يسيّس القضاء تتكاثر الجرائم ويكثر المجرمون، وحين يضيع الحق كلٌّ يبحث عن عدالته الخاصة، وبوسائل قبلية تستقي مفاهيمها من منطق "العين بالعين والسن بالسن"، حتى ولو أدى كل ذلك إلى انتشار جرائم الثأر، وتفكيك المجتمع والانزلاق إلى الصراعات العشائرية وبحور الدم التي لا تنتهي.

 

إختار والد العسكري الشهيد محمد حميه، معروف حميه، أن يأخذ حق نجله الذي أعدمته جبهة "النصرة" في 2014 بيديه، خطط لخطف حسين الحجيري (22 عاما)، إبن شقيق مصطفى الحجيري الملقب بـ"أبو طاقية"، قتله بشعرات الطلقات النارية ثم ألقى جثته على قبر نجله في مدافن بلدة طاريا في البقاع الشمالي، إلا أن ذلك لم يرح قلبه كثيرا، فتوعد قائلاً "لن يهدأ لي بال إلا إذا وصلت إلى مصطفى الحجيري وعلي الحجيري "أبو عجينة" وأبو علي العصفور". لكن ما ذنب شاب بريء ليكون ضحية ارتكابات غيره؟ يؤكد حمية: "لا أبدا، هو متورط بنقل العسكريين الى الجرود"، من دون أن يبرز أي دليل حسي يؤكد تورطه.

 

ماذا يقول والد الحجيري؟

من جهته، يقول والد حسين الحجيري، محمد الحجيري: "نطالب الدولة أن تأخذ حقنا من المجرم السفاح معروف حميه"، وحين يُسأل عن الثأر، يفكر يراوغ في الإجابة، ثم قول: "لا نحن أكثر تحضراً".

بدوره، يطالب رئيس بلدية عرسال باسل الحجيري في اتصال مع "لبنان 24" بأن تتحمل الدولة مسؤوليتها وتتحرك القوى الامنية لتوقيف من قتل، ومن يهدد بالمزيد ويتلقى التهنئة في منزله". أما عن الوضع في عرسال حالياً، فيجيب: "هادئ".

 

هل يُفتح ملف العسكريين المخطوفين مجدداً؟

"لم يكن التهديد الذي اطلقه معروف حميه الأول من نوعه"، يقول والد العسكري المخطوف لدى "داعش" محمد يوسف، والناطق باسم اهالي العسكرييالمخطوفين، ويضيف: "معروف" عبارة عن بركان من الغضب قابل للإنفجار في أي وقت، ظلّ متماسكاً حتى النهاية، إلى أن وصل إلى مرحلة فجر فيها غضبه، وفعله هو ردة فعل على وجع عميق عاشه، كنت أتمنى أن لا يأخذ الموضوع هذا المنحى، لكنني لا ألومه".

وماذا عن قضية العسكريين المخطوفين لدى "داعش" التي ما زالت مفتوحة حتى الساعة مع غموض يلف مصيرهم؟ وهل يمكن أن يتأثر الملف بجريمة الثأر التي حصلت مؤخراً؟ يجيب يوسف في حديث خاص مع "لبنان 24"، وفي نبرة صوته وجع دفين عمره عام و9 أشهر و 27 يوماً: "نحن اليوم في وضع مزري، ونأمل ألا ينعكس الأمر سلباً على ملف العسكريين المخطوفين، وعلى الدولة ألا تنتظر حدثاً أو آخر كي تتحرك".

ويتابع: "المؤسف أنه في الفترة الأخيرة لم تصلنا أي معلومات من الجهة الخاطفة، لكن هناك إشارات إيجابية تتجه نحو كشف مصير العسكريين"، نحن على تواصل دائم مع كل من لديه يد في الملف وعلى رأسهم اللواء عباس إبراهيم".

 

الدولة هي المسؤولة!

من يتحمل مسؤولية تجميد ملف العسكريين حتى الآن، يقول يوسف: "أحمل الدولة المسؤولية، لأنه كان هناك إمكانية في الاشهر الثلاثة الأولى من عملية الخطف في حلحلة الموضوع، لكن مواقف بعض السياسيين وعدم تلبية الدولة لجميع مطالب داعش حالت دون إتمام الأمر"، مضيفاً: "الآن نحن في مرحلة عدم ثقة معهم".

يأمل يوسف أن "تُفتح ثغرة عبر أي وسيط أو جهة مع الخاطفين لمعرفة مصير العسكريين، وأن تتجاوب الدولة مع طلباتهم مهما كانت، فهو الملف الاهم لأن كرامة الوطن على المحك". ويردد "نريد معرفة مصير أولادنا، سلبية كانت أم إيجابية"، ويضيف بحرقة: "الحرقة التي نشعر بها في قلوبنا لا يوازيها أي ألم آخر، والوجع يزداد مع كل يوم وساعة إنتظار أخرى".

 

"لو كنت مكانه لفعلت أكثر"

بالأمس، صرح والد الشهيد يحيي الديراني قائلاً: "حتى يبرد جرحي قد أفعل ضعف ما فعله معروف حمية"، ويضيف: "لو استشهد ولدي على أيدي داعش لكان الجرح أصغر، لكن أن تأتي الطعنة من آل الحجيري، فهذا صعب أن يُنسى، ولو أن الدولة وقفت إلى جانبنا لكان الوضع مختلفاً". موقف يجعلنا نطرح سؤالاً: ماذا لو تحركت الدولة بحزم أكبر في قضية العسكريين، هل كان ليفكر حمية وغيره بارتكاب جرائم ثأر؟

ليس دفاعاً عن جريمة قتل نكراء، كما يظن البعض، ولا عن منطق الثأر والإنتقام، لكن وبالنظر إلى حيثيات تفصيلية في الأحداث، فإن تصرف معروف حمية وإن كان خاطئا فإنه كان متوقعاً، فهو ليس ملاكياً كما ظن البعض أو كما طالبوه بأن يكون، وحتى لا يكون منطق الثأر سائداً في بلد مشحون طائفيا ومذهبياً، فعلى الدولة أن تتصدى لردة الأفعال من جرائم أخرى مشابهة، وأن تعيد النظر في ملف وطني بامتياز يمس كرامة البلد وجنود الوطن، وإلا فالخطر لن يتبدد فيما الجرح سيبقى ينزف غضباً.

لبنان 24