يعتبر البعض أنّ «الحبّ معاملة»، في إشارة إلى أنّ المرء يُغرم بالآخر بسبب أعماله الحسنة، ويتوصّل إلى كرهه إذا ما بادله السوء. وعادةً ما يكون غياب التواصل بين الشريكين أو سوء إدارته من أبرز الأسباب المؤدية إلى انهيار العلاقة. فالحوار البنّاء يدفع العلاقة قدماً وربّما يحسّن من آداء الحبيبين ويوضح رغباتهما وآراءهما لبعضهما البعض، أمّا العدائية المفرطة والتشبّث بالأفكار فلا يؤدّيان سوى إلى زوال الحبّ والانفصال.

غالباً ما تكون تصرّفات أحد الشريكين أو كليهما العدائية أو الخائنة أو اللا مبالية سبباً للرغبة بالإنفصال وإنهاء الزواج. وقد يقف وراء هذا الوضع الشاذ غياب الحوار أو سوء التواصل. ومن هنا يؤدّي الكلام وطريقته دوراً أساساً بين الزوجين للحفاظ على العلاقة ووضع النقاط على الحروف بطريقة بنّاءة ومفيدة.

  طريق مسدود  

«أنتِ لا تعرفين شيئاً»، «أنتِ عديمة»، «أصمتي»، «اهتمي بأموركِ».. أو «أنتَ حيوان»، «لا دخل لك فيما أفعل»، «سئمت منكَ»... وغيرها من العبارات العدائية بين الزوجين التي تتدرّج وصولاً إلى تبادل السّباب والإهانات والشتائم.  

سوء التفاهم مرفقاً بسوء التواصل ورغبة كلّ طرف بفرض آرائه وأفكاره على الشريك غالباً ما تؤدّي إلى أزمات لا تُحمد عقباها. فالمشكلات بين كلّ حبيبين أمر وارد وطبيعي، هما يتقاسمان الحياة بحلوها ومرّها ومصاعبها ومطبّاتها، ولا بدّ من أن يختلفا حول بعض وجهات النظر والمواقف، إلّا أنّ طريقة إدارة الشجار أساسية في سبيل استمرار العلاقة، علماً أنّ التصعيد في لحظات الغضب لا يؤدّي إلى نتيجة.

  وتؤكّد ميريام لـ«الجمهورية» وهي معلّمة في إحدى المدارس الخاصة أنهّا كانت على علاقة بشاب منذ أكثر من 3 سنوات وكانا يحضّران لخطوبتهما. «الأمور كانت تسير على ما يرام إذ إنني هادئة لا أفتعل المشكلات ومتفهّمة، وهو كان يقدّرني ويحترمني»، وتتابع: «اقتراب موعد الخطوبة جعل الأمور أكثر جدّية بيننا.

  ودفعتني غيرة عمياء مفاجئة إلى افتعال مشكلة كبيرة بيننا أدّت إلى انهيار العلاقة». وتضيف: «غروره لم يسمح له بتقبّل غضبي وبعض العبارات الجارحة التي تفوّهت بها، وتشبّث كلّ واحد منا بأفكاره، أدّى إلى زوال الحبّ».

    أهداف مختلفة  

ويؤكّد المعالج النفسي النمساوي المختصّ بالزيجات دومينيك بورديه لوكالة الأنباء الألمانية أنّ ثمّة أسباباً أخرى شائعة للأزمات الزوجية، وهي عدم تلبية أحد الطرفين، أو كليهما رغبات وحاجات الطرف الآخر. أضف إلى ذلك تباعد الخطط الحياتية بينهما، وغياب الأهداف المستقبلية المشتركة. وللانتقاد دور مدمّر أيضاً، فتعمُّد كلّ منهما تسليط الضوء على سيئات الآخر والتذمّر منه باستمرار لا بدّ أن يُغرق السفينة الزوجية.

    تصويب الأمور ممكن  

يعتبر الخبير النفسي أنّ «الأزمات في الحياة الزوجية لا تنشأ بسبب الاختيار الخاطئ لشريك الحياة، بل بسبب التواصل الخاطئ مع الشريك الصحيح»، فالاتهامات المتبادلة لا تفيد، والأفضل من توجيه الاتهامات هو محاولة تغيير تصرّفات الآخر عن طريق المزاح والمرح والتشجيع، وتحويل الملاحظات إلى فكاهة.

  ويرى بورديه أنّ المشادات الكلامية والتهديد بإنهاء العلاقة لفظيّاً من جانب الطرفين أو من قبل أحدهما لا يعني بالضرورة أنّ العلاقة ستنتهي تماماً.

فارتباط الشريكين ببعضهما البعض يكون وثيقاً حتّى في أعلى درجات الشجار. ويطمئن مشيراً إلى إمكانية انتهاء الشجار بطريقة إيجابية: «طالما أنّ المشاجرة مستمرّة، هناك فرصة لاستعادة العلاقة العاطفية المفعمة بالمحبّة».   إلى ذلك، يبدو أنّ الشجار حتّى ولو كان حاداً أحياناً يسمح للطرفين بأن «يفشّا خلقيهما» ويعبّرا عن ما يجول في فكرهما. ويسمح لهما الشجار بتحرير نفسيهما من أفكار كانت ترهقهما وتصيبهما بالوسواس.

وحتّى ولو علت نبرة الصوت أحياناً وانحرفت الكلمات عن مسارها اللائق، فتفهّم الطرف الآخر لغضب شريكه يشكّل دائماً سبيلاً لاستيعاب الخلاف، وإيضاح وجهات النظر، إلّا أنّ السكوت ومراكمة الانزعاج قد يوصلان إلى الانفصال.   وتروي ستيفاني لـ«الجمهورية» وهي فتاة في الـ 27 من العمر كيف انتهت علاقتها بحبيبها: «أنا صريحة جداً وعفوية وحتّى عصبية أما هو فلا يعبّر. كنت أفتعل مشكلاً حين أغضب وأصرخ احياناً أمّا هو فلا يقول ما يجول في خاطره حتّى، بل يكدّس الأمور في داخله. وصل به الأمر إلى عدم القدرة على التحمّل والسكوت وتكديس الانزعاج بصمت، وانسحب من حياتي فجأة».

    لتدارك الانفصال

  *مراقبة الألفاظ: الابتعاد من الكلام الجارح الذي يتعذّر سحبه فيما بعد، ومداراة مشاعر الشريك، وتجنّب كلّ طرف شتم نصفه الآخر حين يشتد النقاش، بالإضافة إلى الحرص على ترديد كلمات «رجاءً»، و»شكراً»، يرسي حالاً من الاحترام بعيداً عن المشكلات.

  *التعبير عن المشاعر والمخاوف والأفكار: ما يعني التكلّم بوضوح مع الشريك عن الحبّ والمشاعر وعن المواقف الحياتية، كالمال والتعامل والإخلاص الزوجي وتربية الأبناء.  

وفي الختام يشدّد الخبير بورديه على أنّ محاولة الحفاظ على العلاقة الزوجية الفاشلة مهما كان الثمن لا فائدة منها. وينصح الشريكين السالكين طريقاً مسدوداً بالتزام الصدق تجاه نفسيهما وبعضهما عن طريق الانفصال.

  الجمهورية