ألقى السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية: "عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بالالتزام بما أوصانا به أمير المؤمنين عندما قال: "أوصيكم عباد الله بتقوى الله، فإنها خير ما تواصى العباد به، وخير عواقب الأمور عند الله... ألا وإن هذه الدنيا التي أصبحتم تتمنونها وترغبون فيها، وأصبحت تغضبكم وترضيكم، ليست بداركم ولا منزلكم الذي خلقتم له، ولا الذي دعيتم إليه، ألا وإنها ليست بباقية لكم ولا تبقون عليها، وهي وإن غرتكم منها فقد حذرتكم شرها، فدعوا غرورها لتحذيرها وأطماعها لتخويفها، وسابقوا فيها إلى الدار التي دعيتم إليها، وانصرفوا بقلوبكم عنها، ولا ييخنن أحدكم خنين الأمة على ما زوي عنه منها، واستتموا نعمة الله عليكم بالصبر على طاعة الله، والمحافظة على ما استحفظكم من كتابه، ألا وإنه لا يضركم تضييع شي‏ء من دنياكم بعد حفظكم قائمة دينكم"، أخذ الله بقلوبنا وقلوبكم إلى الحق".

اضاف: "أيها الأحبة، لقد أراد لنا علي أن نكون الواعين، أن لا تخدعنا الدنيا بخدعها، وأن لا تغرنا بغرورها، وأن لا نستكين لها، وأن لا تكون أكبر همنا، وأن لا نرخي لها قيادنا ونحط لها رحالنا، فالله لم يجعلها هي الدار والقرار، ولذلك قال إن الدار الآخرة لهي الحيوان، وندد بمن يؤثر الدنيا على الآخرة وقال: {وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة}، فلنسارع حتى يكون لنا موقع فيها، لا أي موقع، ولنستنفر كل طاقاتنا لها، فهي خير وأبقى.وعند ذلك لن ننسى الدنيا، فقد أمرنا الله بأن لا ننساها، بل أن نجعلها أكثر طهرا وصفاء وأحسن عملا، وبذلك نكون جديرين بها، وأكثر قدرة على مواجهة التحديات".

وتابع:"البداية من لبنان، حيث لا يزال هذا البلد أسير طبقة حاكمة لم تقرر بعد أن تخرجه من الشرنقة التي وضعته فيها، أو من حالة التردي التي يعاني تداعياتها، حيث العجز المستمر الذي لا أفق له في ملء الشغور في موقع رئاسة الجمهورية، أو تحريك العمل في المجلس النيابي، وتفعيل عمل مجلس الوزراء، فيما يعاني البلد الفساد الذي ينهش أركانه، والقضاء المغلوب على أمره، والتطييف ومذهبة الصراعات التي تجري داخل مؤسسات الدولة، وحتى الأمنية منها.ويزيد في ذلك الضغوط السياسية والاقتصادية، وأزمات المنطقة التي تدور حوله وتترك آثارها فيه، وما على اللبنانيين في كل ذلك، إلا انتظار عودة الضمير إلى هذه الطبقة السياسية، ونحن نخشى أن لا يعود، وهو فعلا لن يعود إلا إذا شعر المسؤولون بأنهم أمام مواطن يراقب ويتابع ويحاسب، ولا يستكين لكلمات معسولة أو يرضخ لأمر واقع.ومن هنا، ندخل إلى البلديات التي نريدها أن تعبر عن إرادة التغيير لدى اللبنانيين في حسن اختيارهم لممثليهم في هذا المرفق الحيوي الذي يدير شؤون قراهم ومدنهم، وأن يكون خيارهم في ذلك نابعا من الكفاءة والنزاهة ونظافة الكف وحسن الإدارة، بحيث يختارون الكفء والصالح، سواء كان من هذه العائلة أو تلك، أو هذا الموقع السياسي أو ذاك، أو هذا الحزب أو ذاك التنظيم".

وقال: "يجب أن يخرج اللبنانيون مما اعتادوه في التعامل مع مثل هذه الانتخابات، حيث تبرز في ذلك الصراعات العائلية والسياسية والطائفية والمذهبية والتأثيرات المالية، على حساب الهدف الذي وجدت البلديات لأجله، فالبلديات موقع إنمائي، ولا بد لمن يتصدى لهذا الموقع من أن يكون جديرا به، وهي ليست تعبيرا عن أوزان سياسية أو مالية أو عائلية أو غير ذلك، فالذي يستحقها هو الذي يملك البرنامج الأفضل والتاريخ الأطهر، فلا يصانع ولا يضارع ولا يتبع المطامع، أيا كانت عائلته أو موقعه.إن على اللبنانيين أن يعرفوا أن أصواتهم التي يضعونها في الصناديق غالية وثمينة ومسؤولة، ولا ينبغي أن توضع كيفما كان، ومن يضعها كيفما كان في البلديات أو النيابة، أو أي موقع مؤثر في قرار البلد، ليس من حقه بعد ذلك أن ينتقد أو يعارض، لأنه سيصير شريكا فيما وصل إليه البلد فيما بعد، وهو ما يتطلب من اللبنانيين أن يخرجوا أنفسهم من حالة الإحباط التي يعيشونها، وأن يكفوا عن الحديث القائل بأن لا أمل في التغيير، لأن التغيير سوف يأتي إن قرر اللبنانيون ذلك".

اضاف: "ومن لبنان إلى المنطقة العربية والإسلامية، حيث تستمر حالة الاستنزاف التي تعانيها سوريا واليمن والعراق وليبيا وغيرها على المستوى السياسي والاقتصادي والمالي والإنساني، والتي تقضي على البشر والحجر، لتأكل أخضر هذا العالم ويابسه، حيث لا أمل في الحلول السريعة، وإن كان هناك لقاءات وقمم، فهي مع الأسف، تزيد الاحتقان، وتجيش المتصارعين، من دون أن تصل بهم إلى الحل، فيما المستفيد الأول من كل ذلك هو الكيان الصهيوني، الذي بات قادرا على أن تجتمع حكومته في الجولان، وفي أرض عربية وإسلامية، وعلى مقربة من كل الذين يتصارعون على أرض سوريا، ليقول رئيس حكومة هذا الكيان بأن الجولان سيبقى في عهدته إلى الأبد، وليدعو المجتمع الدولي إلى الاعتراف بهذه السيادة الصهيونية عليه.ومع الأسف، لا يهز ذلك الجامعة العربية، ولا منظمة التعاون الإسلامي، ولا حتى الشعوب العربية والإسلامية، ولا يدفعها إلا إلى إصدار بعض البيانات الخجولة المعتادة في مثل هذه المواقف، فضلا عن تنديدات لا تسمن من جوع، وتحالفات تقام لأهداف أخرى.لقد كنا ننتظر أن يستدعي ذلك ردا قويا من الدول العربية والإسلامية، حتى تضع مواجهة هذا الكيان في أولوياتها في لقاءاتها مع الدول التي تملك القدرة على الضغط عليه وعلى ردعه، لكن ذلك لم يحصل، ونخشى أنه لن يحصل، بعدما تبدلت الأولويات، ولم يعد وجود الكيان ومشاريعه وغطرسته ضمن هذه الأولوية.إننا لم نيأس، ولن تيأس الشعوب العربية والإسلامية التي لا مصلحة لها في الدخول في أتون الفتن، والتي تصر على إبقاء وجهتها نحو العدو الحقيقي الذي يحتل الأرض والإنسان، وما العملية الأخيرة في القدس إلا تعبيرا عن هذه الروح البطولية المقاومة، والتي من المسؤولية أن تحفظ.. وستعطي أكلها كل حين بإذن ربها".