من بلاد الشام الأبيّة، فرّت "فاطمة" و"يسرى" و"ولاء "و"نغم" وسواهنّ، هرباً من همجية الحرب الدائرة على أرض بلادهنّ ودوامة القتل المجاني، ولجأن الى لبنان ينشدن الأمن والأمان والحياة الكريمة التي تحفظ لكلّ منهنّ إنسانيتها.  

  هؤلاء حلمن بعمل شريف مقابل راتب شهري يُجنى بعرق الجبين، وأمام أول فرصة عُرضت عليهن، وافقن بلا تردّد.. (cv) الوظيفة، أو بالأحرى السيرة الذاتية لا تتطلّب الحصول على الكثير من المعلومات.. صورة فقط يستلمها الوسيط، كافية للحكم عما إذا كانت الفتاة مقبولة للعمل أم لا.. ولو كانت إحداهنّ على علمٍ بما ينتظرها، لتمنت ألا يأتيها الردّ بالإيجاب لركوب موجة السفر المحفوفة بشتى أنواع العذاب والعنف والجلد بالكرباج وبيع الجسد وشرائه وتأجيره.. رحلة ظلم القوّاد في ظلمة الدعارة.. باختصار هي رحلة الذهاب إلى جهنّم..   لقد أماط القضاء اللبناني اللّثام عن خفايا ودهاليز أكبر شبكة للدعارة والإتجار بالبشر في تاريخ لبنان، ووجّه أصابع الإتهام مباشرة نحو المتورطين فيها، حيث أصدر قاضي التحقيق في جبل لبنان بيتر جرمانوس، قراره الظني الذي طلب في خلاصته السجن لأفراد شبكة "شي موريس" و"سيلفر.ب".  

بتاريخ 26/3/ 2016، وعلى خلفية تكاثر أعمال التجارة بالبشر واحتجاز حرية فتيات من قبل أشخاص وإرغامهنّ على تعاطي أعمال الدعارة بالترهيب والتعذيب والتهديد، تبيّن وجود فتيات في منطقة الليلكي أقدمن على الفرار من مدينة جونية، بعدما كنّ محتجزات داخل أحد الملاهي منذ مدّة طويلة بحيث كان يتم إرغامهنّ على ممارسة أعمال الدعارة.  

على الفور، إنتقلت دورية إلى محلّة الليلكي، وتمّ استحضار الفتيات إلى مركز مفرزة إستقصاء جبل لبنان، حيث تبين أنّهنّ تعرّضن للضرب والإحتجاز والتعذيب، وأرغمن على ممارسة أعمال الدعارة داخل ملهى "شي موريس" و"سيلفر ب" في المعاملتين من قبل المدعى عليه "عماد.ر" وبعض من المدعى عليهم الذين يعملون كحرّاس ذكور خارج الملهى وإناث داخله، حيث يقومون باستحضار الفتيات من سوريا والعراق إلى لبنان عبر معابر شرعية وغير شرعية، بعد إيهامهن بالعمل في مجالات شرعية.

وفور وصولهن إلى الملهى كان يتم إحتجازهنّ واغتصاب العاصيات منهنّ، وأخذ أوراقهن وإرغامهن بالقوة والضرب على ممارسة الجنس مع الزبائن، ومن دون واقٍ ذكري في كثير من الأحيان ووفق طلب الزبون، وإن خرجت الفتيات عن المألوف كان يتمّ تأديبهنّ عن طريق جلدهنّ أمام باقي رفاقهنّ في "الرحلة إلى جهنّم".  

وبناء لإشارة النائب العام الإستئنافي في جبل لبنان القاضي كلود كرم، تمّ وضع خطّة بوليسية مُحكمة بإشراف آمر مفرزة إستقصاء جبل لبنان، للإستقصاء على هذه المحلات، علما أنّ بعض الحراس يحملون أسلحة حربية، وللحؤول دون إمكانية تهريب الفتيات المحتجزات إلى جهة مجهولة، والقبض على المجرمين وتحريرهنّ من قبضة ساجنيهنّ.  

وبعدما تمّ الإستماع إلى إفادات الفتيات الهاربات ومنهن المدعيات "فاطمة.ن"، "هدى.م"، "يسرى.ب"، "أماني.ع"، "نصرة.ه"، "نغم.خ"، "سحاب.م"، "روان.ج"، "إحسان.ع" و"ولاء.ف"، أكّدن على الوقائع السابقة، وأنّ "عماد.ر" كان يقوم باحتجازهنّ ليلا ونهاراً داخل الملهى، رغما عن إرادتهن وحجز أوراقهن الثبوتية وهواتفهنّ الخليوية وإرغامهن على العمل في الدعارة من دون مقابل، إذ كان يقوم حتى باسترداد الإكراميات منهنّ، مستعملا شتّى أعمال العنف بحقهنّ بما فيه أعمال الجلد الوحشية يساعده في ذلك حارسات إناث، يعملن تحت أسماء مستعارة هي "نور"، "شهد" و"روعة" ويقبضن الأموال من الزبائن ومنهنّ المدعى عليهن"جوزة.ح"، "دلال.د"، "أماني.ح"و، "رقية.ح"، "ريم.أ" و"فاطمة.ج"، وحراس ذكور ومن هؤلاء المدعى عليهم "ابراهيم.ع"، "يوسف.ب"، "أمجد.س"، "محمد.ش"، "فرزات.م"، "نوّار.س"، "محمد.ق" و"زياد ش"، كما أنّ المدعى عليه "غيّاث.د" كان يقوم بمرافقة "عماد" في معظم تنقلاته ويُحضر فتيات من سوريا والعراق إلى الملهى المملوك من "موريس.ج" و"عماد.ر".  

وأكدت الفتيات المدعيات أنّهن كنّ يُرغمن على ممارسة الدعارة يومياً بمعدل يفوق العشر رجال، لقاء بدل مالي يتراوح بين 50 و100 ألف ليرة، كان يتم تقاضيه من قبل الحارسات بما فيه الإكراميات.

  وصرّحت المدعية "ليلى.ح" أنّ زوجها باعها إلى المدعى عليه "مدين" الملقّب بـ"صدام" الذي باعها بدوره إلى "عماد.ر" مقابل مبلغ 4500 دولار أميركي والذي أرغمها بدوره على ممارسة الجنس مع الزبائن من دون مقابل.  

وبتاريخ 27/3/ 2016، تمّت مداهمة فندقي "شي موريس" و"سيلفر.ب" في المعاملتين وإلقاء القبض على الحارسات الخمس، والحراس المتواجدين على المدخل وعددهم ثمانية أشخاص، كما ضُبطت داخل المحل هويات عائدة للفتيات المحتجزات مودعة داخل صندوق ودفاتر مسجّل عليها أسماء الفتيات والمال الذي جنته كلّ منهنّ جراء ممارسة الدعارة.   ولدى إستجواب الحارسات داخل الملهى، إعترفن بالقيام بمراقبة الفتيات وقبض المبالغ من الزبائن وقيد المبالغ المالية التي جنتها كل فتاة ومحاسبة "عماد.ر" في الفجر عند إقفال الملهى، وبأنّ "الياس.أ.ر" كان يعمل لمصلحة"عماد" و"موريس" و"علي.ح" في مجال خطف الفتيات وإرغامهن بالضرب والجلد بالكرباج على ممارسة أعمال الدعارة بعد شراء كل واحدة منهن مقابل مبلغ يترواح بين 1000 و1500 دولار أميركي.  

أمّا الفتيات اللواتي يحملن عن طريق الخطأ، فيتمّ إجهاضهن في عيادة الطبيب "رياض.ع" في الدكوانة، مقابل مبلغ مالي يترواح بين 200 و300 دولار، يعاونه في ظلّه طبيا البنج المتهم "جورج.أ" والممرضة "جيزيل.أ" بعد أن ينقلهنّ "غياث.د" و"الياس.أ.ر" وأحيانا أخرى"عماد.ر" وبعض الحارسات.   وقد تمّ إلقاء القبض على المدعى عليهم غيّاث.د" و"فاطمة.ج" و"محمد.ق" في محلّة البوار إثر محاولتهم الفرار من أمام عناصر الدورية.

  وخلص القرار الظني الذي أصدره القاضي بيتر جرمانوس إلى طلب عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة لـ 22 مدعى عليهم، بجرم الإشتراك فيما بينهم على إستغلال الفتيات في أعمال الدعارة، بعد إستدراجهنّ وتعذيبهنّ، مؤلّفين بذلك شبكة للإتجار بهنّ والتدخل في إجهاض بعضهن، فيما طلب عقوبة السجن 5 سنوات على الأقل للطبيب "رياض.ع" والممرضة "جيزيل.أ"، وأحالهم جميعاً للمحاكمة أمام محكمة الجنايات في جبل لبنان،   وأمر بتسطير مذكرة تحرٍّ دائم لمعرفة هوية طبيب البنج "جورج.أ".

لبنان 24