كثيرون تناولوا موضوع الصداقة بين المرأة والرجل وصولاً إلى ترسيخه في الأغاني، وأشهرها D'amour ou d'amitie للفنّانة سيلين ديون. تتخبّط المجتمعات بتعدّد الآراء، بين مَن لا يصدّقون إمكانية نشوء علاقة صداقة حقيقية بين الرجل والمرأة، ومَن يؤكّدون أنّ الصداقة بين الجنسين حقيقة واقعية. فكلّ يرى الحياة من منظاره وحسب تربيته وتجاربه ونظرته إلى الأمور. لكن هل يمكن أن تنشأ صداقة "عذرية" بين الرجل والمرأة؟ هناك قسم من مجتمعنا يعتبر أنّ الإنجذاب الجسدي بين الرجل والمرأة هو أساس كلّ علاقة بينهما، وهذا القسم نفسه لا يؤمن بالصداقة بين الجنسين ويراها غير واقعية وغير موجودة أيضاً.

"الصداقة خدعة يستعملها الشاب للتقرّب من فتاة تعجبه وغير مكترثة لأمره"، على ما يؤكّد سامر لـ"الجمهورية"، وهو ابن الـ26 عاماً الذي يعمل في تجارة السيارات.

ويضيف: "يحاول الشاب لفت نظر الفتاة من خلال التسلّل إلى حياتها بقناع صديق يَفهمها، يستمع إلى قصصها، ويسعى إلى مساعدتها، أمّا إذا حاول جاهداً ولم يفلح في كسب قلبها، فيستسلم، ويختفي من حياتها في ليلة وضحاها ويتركها في حيرة غير مدركة سبب انسحابه المفاجئ".

الصداقة موجودة

يشدّد آخرون على أنّ الصداقة بين الرجل والمرأة حقيقية، ويؤمنون بأهمية العلاقات الاجتماعية والحوار ومدّ الجسور مع الآخرين، ويرون أنّ العلاقات التي تربط البشر تذهب إلى أبعد من الانجذاب الجسدي. المغنّية الأميركية أريانا غراندي، إحدى النساء الشهيرات اللواتي رفعن الصوت عالياً وبطريقة صادمة، لتذكير المجتمع بأن "ليست كلّ علاقة تربط رجلاً بامرأة هي قصة حبّ أو معاشرة جنسية".

فكلّما ظهرت غراندي مع أحد الرجال، كانت تنتشر شائعات حول ارتباطهما. ويبدو أنّ هذا الواقع المنتشر في معظم المجتمعات أثار غضب المغنّية، فأوضحت بحزم وجرأة أنّ "النساء يمكن أن يكنّ صديقات مع أشخاص يملكون عضواً ذكرياً دون أن يقوموا بالقفز فوقه".

تقبّل الصداقة

لم تتقبّل المجتمعات لقرون طويلة فكرة نشوء صداقة بين الرجل والمرأة. كان الجنسان يعيشان حياة مختلفة في بيئة مختلفة، وما كان بإمكانهما التعرّف فعلياً على بعضهما البعض خارج إطار بناء العائلة والارتباط الرسمي. إلّا أنّ خروج المرأة لخوض ميدان العمل إلى جانب الرجل، والتطوّر الفكري الذي جعل تعليمها ضرورة، وتغيّر العقلية تدريجاً، حوّل المدارس إلى مختلطة في حين كانت تُقسّم إلى مدارس للصبيان وأخرى للبنات.

وسمح ذلك بإرساء علاقات الصداقة والأخوّة والاحترام بين الرجال والنساء منذ أيّام الطفولة، على رغم حفاظهم على حبّ إغراء الجنس الآخر وجذبه.

وتأخّر سنّ الزواج عند النساء المعاصرات، جاء بسبب استغراقهنّ الطويل في التعليم، شأنهنّ شأن الرجال، وسعي الجنسَين إلى تمكين نفسيهما مهنيّاً ومادّياً قبل الزواج، ليترك المجال واسعاً أمام خلق صداقات قوية بينهما.

الصداقة والجنس

تؤكّد المحلّلة النفسية الفرنسية صوفي كادالان، مؤلّفة كتاب "Toujours célibataire" أنّ "الصديقين الحقيقيين من جنسين مختلفين لا يطرحان مسألة الرغبة الجنسية بينهما، لأنها تولد من الفروقات بينهما، بينما تتغذّى الصداقة من التشابه. فالعلاقة الودّية بين الصديقين لا تترك مجالاً للغموض والشكّ والغيرة والأنانية... حتّى تنشأ الرغبة".

وتُعرِّف كادالان الصديق بشخص "يعرفنا عن ظهر قلب، ويفهمنا، نثق به، نتحدّث إليه ونخبره تجاربنا بصراحة ووضوح".

ومن جهتها، تدعم أخصائية علم النفس والجنس، كاثرين وايت فكرة كادالان، فتؤكّد أنّ إيقاظ الرغبة يحتاج إلى الغموض، وهو شيء غير موجود في علاقات الصداقة. وتوضح: "الرغبة بشخص آخر تولد من الشعور بأنّ تركيبته أو بنيته النفسية تختلف تماماً عنّا".

وتتابع: "هذا الاختلاف يخلق فراغاً بين الشخصين ما قد يدفعهما إلى ملئه بالنشاط الجنسي. أمّا في حال الصداقة، فتختلف النظرة إلى الأمور إذ نحاول تأدية دور المودّة والتقارب الذي عشناه في كنف الأهل ومع الإخوة والأخوات، ما يجعلنا نخرج من جوّ الانجذاب الجنسي".

في المقابل، تؤكّد دراسة أميركية حديثة أنّ الجزم بعدم الإنجذاب الجنسي بين الأصدقاء غير دقيق. فالباحثون الأميركيون فتحوا الباب أمام تعدّد الاحتمالات إذ درسوا الإنجذاب الجنسي بين الأصدقاء من الجنسين، وشرحوا أنّ الصداقة بين رجل وامرأة لا تُبعد احتمال الانجذاب الجنسي بينهما، ولا تحول دون إمكانية الوقوع في الحب وولادة علاقة غرامية رومانسية، لتؤكّد الدراسة أنّ "الانجذاب الجسدي والتعبير العاطفي رائج في ظلّ الصداقات بين الفتيات والشبان".

وتشير الدراسة إلى أنّ الفتيات يفكّرن ببناء علاقة عاطفية مع أحد أصدقائهنّ الشباب عندما يكنّ في فترة العزوبية ويعانين الوحدة والفراغ، أمّا الرجال فهم أكثر انجذاباً إلى صديقاتهم البنات على أيّ حال، أكانوا في علاقة أم لا.

تؤدّي إلى الحبّ

الآراء التي تشدّد على احتمال تحوّل الصداقة الحقيقية إلى حبّ، تدعمها دراسة أخرى أجريَت في ألمانيا. وإذا كان الغموض عاملاً أساساً في إيقاظ الرغبة الجنسية بين شخصين، بحسب بعض المحلّلين النفسيين، تأتي الدراسة العلميّة الألمانيّة لتؤكّد عكس ذلك، معلنةً أنّ الصراحة والحوار يجلبان الحبّ.

فقد أثبتت الدراسة وجود صلة عصبيّة تربط الفهم العاطفي بالانجذاب نحو الآخر. ولاحظ العلماء أنّه كلمّا ارتفع فهم الرجل لمشاعر امرأة معيّنة، زادت نسبة إعجابه بها وانجذابه إليها.

وتشدّد البروفيسورة سيلكي أندرز، القيّمة على الدراسة، على أنّ القدرة على فهم مشاعر الآخر أمر ضروري لإنجاح التفاعل الاجتماعي. وتضيف: «إذا أردتِ جذب الرجل، استفيدي وعبّري عن نفسكِ قدر الإمكان. فكونكِ واضحة يسهّل على الرجل فهم مشاعركِ، ما يجعلكِ أكثر جاذبيّة بشكلٍ تلقائي». ومن جانبها، ترى صوفي كادالان أنّ الهدوء والثقة اللذان يجمعان الأصدقاء يسمحان أحياناً بالاستسلام للحبّ وحتّى الجنس.

وفي الختام، يبدو أنّ الصداقة بين الرجل والمرأة موجودة، وكم من مَثَل في المجتمع يثبت ذلك، إلّا أنّ تحوّل الصداقة إلى حبّ أو انجذاب عاطفي وجنسي ليس مستبعداً، كما أنّ تحوّل الإعجاب من طرف واحد إلى صداقة بعد عدّة محاولات يائسة هدفت إلى إرساء علاقة عاطفية، حالة رائجة بين البشر. فعلى صعيد العلاقات كلّ الاحتمالات واردة.

( الجمهورية)