ارتدى الحق ثوب الضلال، واعمل الظلم فأسه في النفوس البريئة، فخلط الألم نفسه، ليصنع من أقسامه سهاما، يخيط بها قلوب الطيبين، فتنزف وجعا فتاكا ينطق بالتمزق والانحلال ؛ألم يقتل الروح فيذروها رمادا لا تتبدد إلا بعد أن تذروه الرياح عابثة بجزيئاته المنبعثة، أصلا من شعور الغدر، من زمن مقيت . ويبقى المرء يتخبط بين طينة السماح وطينة هجينة مخلوقة من سوط الحزن، وغدر البشر، يعيش في دوامة الحيرة والمفاجأة من طوارق الزمن، وتغير الأحباب، فتبكي الروح عناء العطاء. وتضحك، لأنها اكتشفت أن عالم المثل الأفلاطوني مجرد سراب.

فخلاص الانسان لا يكون إلا بالتجمد قليلاً قليلاً مع مراعاة عدم الأذية، وكفى بالجليد أن يكون نهج الحياة أمام من يشعلون النار في النفوس ويضحكون شامتين .

فقناع الكذب شرع للحقيقة اشرعته فسقط، وفتشت النفس على يخت الحقيقة محاولة أن تفهم ما جرى فلم تلمس الا الضباب، وبين الضباب شاهدت الصحو يتشكل مظهراً قصور الخداع المجبولة بضحكات عابثة . فأطلقت الروح صرختها الهدارة، وتاهت في وديان الحزن غارقة في السقم، غارفة أخرى من ضياع الفكر، تنتظر مجذاف الفرح بين قوارب الأمل . وهنا الأمل وقد تكسر على شطآن الخيال، فهوت النفس باكية على عمر ضاع في وهم أن الطيبة رداء البشر كافة . وتأتي أنانية البعض لتفرش أذرعها متحولة إلى أخطبوط يأكل أشرعة حلم الروح السليمة، معلقا إياها بين الأرض والسماء .

وفي رحلة الصراع هذه، تعيش الذات لحظة التشظي، ثم الدمج، فالفصل، فالوحدة، ثم البحث عن حلول في ذوات اخرى، علها تجد سبيل الخلاص، فتلاقي الروح أنفسا أكثر منها ألما، وتعرف أن الدنيا زائلة، ولا يبقى إلا الذكر الحسن؛ فتنبعث مجددا كطائر الفينيق هدارة صارخة بثبات : سأحيا من جديد، ولم ولن تستطيعوا كسري فمن يهاب الله لا سلطان عليه.

 

 

(مايا خير الدين)