بدأ أمس ان البلد كلّه دخل في مرحلة «ربط نزاع» بين الاستقرار السياسي معبراً عنه بحكومة الرئيس تمام سلام، والضغوط على هذا الاستقرار، عبر استمرار الشغور الرئاسي، وتعثر حل مشكلة النفايات مجدداً، وتمسك «حزب الله» بادائه، مما يبقي الغضب العربي قائماً في وجهه ووجه الاحتضان العربي للبنان.
وفي ظل «وشوشة» دبلوماسية أميركية - روسية - إقليمية، ومن زاوية الهدنة السورية المطلوب استمرارها، والخاضعة لضغط القنص والقصف واستمرار العمليات الحربية، لملء الشغور الرئاسي، تتخذ الحركة التي يسجلها يومياً الرئيس سعد الحريري بعد عودته منذ 14 شباط إلى اليوم، أبعاداً وطنية وإنمائية وحتى اقتصادية، ودبلوماسية لدرء الخطر عن الاستقرار، وحماية البلد، كخطوة لا بدّ منها لتثبيت الاستقرار، وإعادة تكوين السلطة من انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، وتصويب السياسة الخارجية تجاه الأشقاء العرب، فضلاً عن إعادة احياء برنامج التنمية والاستثمار، بصرف النظر عن مآل التطورات في سوريا، وإن كان تثبيت الهدنة وانطلاق العملية السياسية في جنيف، يُعزز الانتقال إلى مرحلة تتخطى «ربط النزاع» إلى احتضان وطني وتماسك داخلي، وتنقية العلاقات اللبنانية - العربية، ولا سيما دول الخليج مما انتابها من شوائب، في ضوء الأزمة مع دول مجلس التعاون الخليجي، والاخذة في الاتساع، حيث انضمت تركيا أمس، على لسان نائب رئيس الوزراء التركي نعمان قورتولموش، إلى حملة تطويق «حزب الله»، إذ اتهم المسؤول التركي الحزب بمشاركته في «اعمال اجرامية في سوريا»، مضيفاً ان «لبنان عانى من الحرب الأهلية سنوات طويلة، وهو الآن يبحث عن الاستقرار، وسوريا تعاني من الحرب الأهلية وتبحث عن الاستقرار، ونجد ان «حزب الله» انتقل من الأراضي اللبنانية إلى السورية للمشاركة في الحرب الأهلية، وهذا أمر لا يمكن قبوله، ويعد انتهاكاً لحرمة سوريا».
ويأتي هذا الموقف التركي في وقت كشف فيه السفير السعودي في الأمم المتحدة عبد الله المعلمي انه سيتم إبلاغ مجلس الأمن باعتبار مجلس التعاون الخليجي «حزب الله» منظمة إرهابية.
الحريري في زحلة
في خضم هذا الحراك، تبدو عملية خلط الأوراق الداخلية ماضية على قدم وساق، فبعد إعادة تموضع «القوات اللبنانية» وتقديم التحالف مع «التيار الوطني الحر» على ما عداه سياسياً، وعلى صعيد انتخابات الرئاسة الأولى، والتأكيد على هذا الموقف، بعد زيارة أمين سر تكتل «الاصلاح والتغيير» النائب إبراهيم كنعان إلى معراب أمس، وإطلاق ورشة التنسيق في الانتخابات البلدية، إذا ما جرت، توقفت الأوساط السياسية عند الغداء الذي أقيم على شرف الرئيس الحريري في مدينة زحلة، في منزل الوزير الراحل ايلي سكاف، حيث قدمت ارملته السيّدة ميريام سكاف، التي آلت إليها زعامة الكتلة الشعبية، هدية تذكارية لرئيس تيّار «المستقبل» عبارة عن لوحة لمدينة زحلة، وأشارت كلمتا الحريري وسكاف إلى تطابق يمكن ان يؤسّس لتحالف بلدي وانتخابي على حساب تحالفات سابقة وحالياً يجري الاعداد لها في العملية الراهنة بإعادة خلط الأوراق على أكثر من جبهة وعلى غير صعيد رئاسي وبلدي ونيابي، خصوصاً في ضوء ترشيح الرئيس الحريري للوزير سليمان فرنجية للرئاسة الأولى، وإعلان معراب الذي تبنى ترشيح النائب ميشال عون.
ومن فندق القادري حيث أقيم الغداء، أعلن الرئيس الحريري ان زحلة تريد انتخابات رئاسية أولاً، لأن الانتخابات هي مفتاح خلاص لبنان من كل الأزمات، واصفاً عدم وجود رئيس في بعبدا بأنه «اكبر تخاذل سياسي والمسؤولية الكبرى على كل النواب»، داعياً إلى النزول إلى الجلسة رقم 37 لانتخاب الرئيس، معتبراً ان عدم النزول إلى المجلس لا يعتبر حقاً دستورياً.
وقال: ليس حقاً ان نبقي البلد 18 شهراً أو 19 أو 20 من دون رئيس جمهورية، مؤكداً انه مع اجراء الانتخابات البلدية، مخاطباً السيدة سكاف «اننا وإياكم واحد، وسامح الله من جعلنا نختلف».
وكان الرئيس الحريري الذي وصل إلى البقاع في زيارة غير معلنة، ادى صلاة الجمعة في مسجد الامام علي في بلدة سعدنايل، حيث كان في استقباله حشد كبير من المواطنين والمصلين، فيما أمّ الصلاة مفتي زحلة والبقاع الشيخ خليل الميس الذي وصف الزيارة بأنها تعطي الأمل لأبناء البقاع واللبنانيين بغد أفضل.
وألقى الرئيس الحريري كلمة مقتضبة في المصلين أكّد فيها انه سيكمل مسيرة والده الشهيد رفيق الحريري، مشيراً إلى انه عاد إلى لبنان ليبقى، وانه سيقوم بجولات أخرى على مناطق لبنانية في مقدمها صيدا.
الحكومة والنفايات
ومصير الحكومة في ضوء أزمة النفايات، حضر بين الرئيس الحريري والنائب وليد جنبلاط الذي زار «بيت الوسط» مساء أمس، حيث تطرق البحث، وفق المعلومات، إلى الجهود التي يمكن أن تُبذل والاتصالات مع فعاليات إقليم الخروب لثنيهم عن رفض إقامة مطمر في كسارات كجك، في إطار خطة الحكومة لمعالجة النفايات المتراكمة والتي اقتربت من نصف مليون طن، وباتت تُهدّد على مشارف الصيف بأوبئة وتسمم وحشرات تصيب اللبنانيين، بصرف النظر عن مناطقهم وطوائفهم ومذاهبهم.
وتأتي جهود الحريري - جنبلاط في معالجة ملف المطامر لمساعدة الرئيس تمام سلام على تجاوز هذه العقبة، حيث أنه من غير الممكن، حسب ما أكد في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء الاستمرار في ترؤس حكومة غير قادرة على حل أزمة النفايات.
ونفى مصدر وزاري لـ«اللواء» أن يكون الرئيس سلام قد حدّد يوم الاثنين المقبل موعداً نهائياً لإيجاد حل لأزمة النفايات المتراكمة في الشوارع والأحياء منذ قرابة الثمانية أشهر، لكنه أكد أن المهلة بالتحديد هي قبل يوم الخميس المقبل، الموعد المعلن لجلسة مجلس الوزراء.
وقال المصدر أن الرئيس سلام لم يكن مرتاحاً على الإطلاق، لما وصف «بانتفاضة» أهل إقليم الخروب على رفضهم إقامة مطمر في كسارات كجك، وهي كسارة قديمة يملكها حالياً المقاول جهاد العرب وتقع في وادٍ بين ساحل الجية وضهر المغارة والدبية في الإقليم.
وأكدت مصادر السراي الحكومي لـ«اللواء» أن لا تطورات جديدة حصلت خلال الساعات الماضية بشأن حل الأزمة، وبالتالي فإن الرئيس سلام لن ينتظر طويلاً، حيث من المتوقع أن يكون له موقف واضح قبل منتصف الأسبوع المقبل لتحديد خياراته، خصوصاً وأن الأمور لم تعد تحتمل، مشيرة إلى أن ما أعلنه خلال جلسة مجلس الوزراء هو إعلان جدّي بذهابه إلى أبعد من تعليق الجلسات، أي إلى الاستقالة، خاصة وأن الرئيس سلام تحمّل الكثير من خلال العواصف العاتية التي تعصف بالبلد، ولكن في النهاية للصبر حدود.
وفي المعلومات، أن خيارات اللجنة الوزارية والتي لم يتحدد بعد موعد جديد لاجتماعها، تنحصر في التوافق على إقامة أربعة مطامر صحية وهي الآتية:
- مطمر الناعمة في الشوف، على أن يعاد فتحه لمدة وجيزة من أجل نقل النفايات المتراكمة في بيروت، ولا سيما في منطقة المرفأ، ومن ثمّ يعاد إقفاله نهائياً، وهذا الخيار وافق عليه النائب وليد جنبلاط.
- مطمر الكوستا برافا، والذي لم يجد معارضة شديدة من قبل النائب طلال أرسلان الذي يتجنّب خوض معركة في هذا الشأن، في إشارة إلى موافقة ضمنية.
- مطمر برج حمود، مع أن حزب الطاشناق يضع شروطاً محددة، لكن مصادر اللجنة تعتقد أنه بالنهاية سيمشي في هذا الخيار،
- أما الخيار الرابع فهو كسارة كجك في الإقليم، والذي يواجه معارضة شعبية من الأهالي، ومع ذلك تعوّل المصادر على الجهود التي سيقوم بها الرئيس الحريري مع النائب جنبلاط للضغط على الأهالي للقبول بإنشاء هذا المطمر في منطقتهم.
لكن مصادر وزارية أخرى كشفت لـ«اللواء» أن خيارات اللجنة الوزارية وقعت على سبعة مواقع وليس أربعة، تحفظت الكشف عنها، خوفاً من إحراقها مثلما حصل مع موقعي كجك والكوستا برافا، علماً أن ما من شيء نهائي بانتظار الاتصالات التي تجري مع القوى السياسية المعنية.
ونفى عضو اللجنة الوزير نبيل دو فريج لـ«اللواء» أن يكون تبلّغ بموعد جديد لاجتماع اللجنة، مبدياً تشاؤمه حيال الموضوع، خصوصاً وأن أي تطوّر جديد لم يطرأ على ملف النفايات حتى الآن، مشيراً إلى أنه لم يعد هناك أي ثقة للمواطن بالدولة حتى لو برز الإجماع.
الرئاسة
والملف اللبناني بكل تشعباته من الإجراءات الخليجية ضد «حزب الله» إلى توقف الهبة السعودية لتسليح الجيش اللبناني بعد صفقة الأسلحة مع فرنسا، إلى انتخابات الرئيس وفصل أزمة لبنان عمّا يجري في سوريا، كانت من أبرز المواضيع التي بحثها ولي العهد السعودي الأمير محمّد بن نايف في الأليزيه مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، إنطلاقاً من وحدة الاهتمام السعودي - والمقاربة المشتركة للطرفين للنزاعات الدائرة، لا سيما الحرب في سوريا والتدخلات الإيرانية غير المشروعة في شؤون المنطقة.
وتأتي زيارة الأمير السعودي إلى باريس في ظل معلومات ديبلوماسية سبق ان أشارت إليها «اللــواء» عن اتصالات أميركية - روسية تشارك فيها باريس لانضاج طبخة الرئاسة الأولى، بالتشاور مع كل من المملكة العربية السعودية وإيران.
وفيما لم يشأ المصدر السياسي والديبلوماسي البارز الذي كشف هذه المعلومات، الحديث عن ماهية التسوية المنتظرة، أوضح ان القوى اللبنانية المعنية وضعت في أجوائها، وانها تبلغت أن دوائر القرار لا تضع «فيتو» على أحد من المرشحين الاثنين عون أو فرنجية، وانها تعاطت بإيجابية مع موقف وزير الداخلية نهاد المشنوق في تونس والذي رفض تصنيف حزب الله بالمنظمة الإرهابية، مشيرة الی أن هذا الموقف أعطى انطباعاً بأن الشراكة الوطنية في لبنان بخير، وإن هناك مساعي جدية لإعادة تفعيل عمل رئاسة الجمهورية والحكومة ومجلس النواب تحت سقف الحفاظ على الاستقرار والسلم الأهلي.
وفي هذا السياق، كانت لافتة للاهتمام حركة القائم بالأعمال الأميركي السفير ريتشارد جونز الذي جال أمس على كل من الرؤساء نبيه برّي وسلام والحريري قبل أن ينتقل إلى الناقورة حيث التقى قائد «اليونيفل» لوتشيانو بورتولانو وزار منطقة عمليات «اليونيفل».
وذكرت معلومات ان حركة جونز تأتي قبل سفره إلى واشنطن لوضع المسؤولين في أجواء التطورات اللبنانية، وهو كان أبلغ المسؤولين اللبنانيين بأن مساعد وزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسية توماس شانون سيصل إلى بيروت في منتصف الشهر الحالي لعقد لقاءات مع المسؤولين لاستطلاع الأوضاع، علماً ان شانون من الديبلوماسيين الأميركيين الذين يتمتعون بموقع مهم في الخارجية ويتولى ملفات أساسية مع سائر الدول.