لماذا ألقى سيرغي ريابيكوف نائب وزير الخارجية الروسي، «قنبلة» الحل الفيدرالي لسوريا، والمفاوضات الحقيقية والجدية لم تبدأ بعد؟ هل بحثت موسكو مع واشنطن هذا الحل الذي هو إعلان مسبق باليأس من عودة سوريا التي كانت كما كانت أم أن الأمر لا يعدو كونه أكثر من تهديد صوتي ضخم لخفض مستوى منسوب القوة والاستقواء عند أطراف منخرطة في الحرب؟ وهل استشارت موسكو واشنطن؟ وماذا عن بشار الأسد، هل جرى إعلامه بهذا الحل، أم أن «القيصر» لم يعد مضطراً حتى لسؤال حليفه الذي فتح له الأبواب للدخول الى سوريا؟ 

وماذا عن إيران، هل يمكن لموسكو تجاهلها وعدم أخذ رأيها ومواقفها؟ وأخيراً وليس آخِراً هل بداية الحلول للمنطقة وتحديداً للمشرق العربي تكون بإسقاط وإلغاء اتفاق سايكس بيكو؟ ومن يضمن أن استخدام «مقص» التقسيم متى بدأ لا يصبح مثل «كرة الثلج» التي تأخذ في طريقها كل الحدود؟

سوريا قُسمت «دوفاكتو» الحرب زرعت الخوف بين مكونات الشعب السوري. يقال ان تقسيم سوريا الى ولايات أربع أو خمس هو الحل، وأن الفيدرالية الادارية هي الأنسب لضمان السلام والأمن والاستقرار. في قلب هذا الحل مهما كانت مواصفاته، منح الجانب الكردي استقلالية مضمرة، وتشجيع يومي على إنجاز الاستقلال. كردستان العراقية مثال حقيقي لما يمكن أن يحدث في سوريا.

جون كيري وزير الخارجية الأميركي، لم يدن ولم يهاجم ولم يرفض الاقتراح الروسي، وانما عمل على التخفيف من حدته فقال: «سوريا يمكن أن تُحكم تحت نوع ما من الفيدرالية، لا يعني هذا انها ليست كاملة السيادة. ان هذا يختلف عن تقسيم البلاد الى مناطق ذات حكم شبه ذاتي». باختصار الطرح الروسي جدي، البحث يدور عن حدوده وسقفه، وفي هذا المسار تكمن عشرات الألغام والقنابل الموقوتة.

تقسيم سوريا، مهما كانت صيغته يعني فتح أبواب الجحيم في المنطقة. ليست وحدها تركيا التي تتضرر، هناك إيران أيضاً التي لديها مشكلة كردية، وأقليات أخرى أبرزها وأخطرها «البلوش». من الثابت وجود مشروع بلوشستان الكبرى المشكّل من جزء من افغانستان وباكستان اضافة الى إيران. أخيراً هل يضمن «القيصر» عدم وصول «مقص» التقسيم الى «عقر داره« في روسيا الاتحادية؟

مشروع سايكس بيكو نفّذ، لأن القوى المحلية والاقليمية لم يكن لها وزن ولا حساب، حالياً يختلف الوضع، توجد على الأقل تركيا وإيران والسعودية ومصر. وهي فرادى ومجتمعة قادرة على الرفض والحرب. لذلك لا يكفي أن يطرح التقسيم أو الفيدرالية حتى ينفّذ. الحلول ستبقى كلها تحت «خيمة» سايكس بيكو. أصلاً سوريا لم تعد سوريا. العراق لم يعد العراق. اليمن لم يعد اليمن. لبنان لم يعد لبنان في ظل «القبضة الحديدية» لـ»حزب الله«. أمام هذا الواقع يجب التعامل بواقعية وبصبر طويل.

«القيصر» فلاديمير بوتين، هو الوكيل الشرعي والوحيد لواشنطن في الملف السوري، في الحرب وفي الحل السياسي. هذه الوكالة ليست دائمة، وبالتأكيد ليست مطلقة. ضمن الوقت القائم يبدو «القيصر» طليق اليدين، ولو حتى على حساب تركيا «عضو» الحلف الأطلسي. «الوكالة» منحها الرئيس باراك أوباما لنظيره الروسي، لأنه لا يريد أن يحرق «يديه» وهو يلملم «الكستناء» السورية، من نار الحروب المتعددة الأطراف والأهداف. في نوفمبر (تشرين الثاني) يبدأ العد العكسي لـ»الوكالة»، لأن رئيسة أو رئيساً جديداً سينتخب، وسواء كان ديموقراطياً أو جمهورياً، فلا شيء يؤكد بقاء «الوكالة» الى الأبد. أمام «القيصر»، ثمانية أشهر لينجح أو يخفق.

رغم أن على «القيصر» محاربة الوقت بالوقت، فإنه في الأساس لم ينزل الى سوريا، ليخرج منها في توقيت محدد مسبقاً. «القيصر» نزل ليبقى. أقحم سلاح الجو في الحرب، بعد مراجعة عميقة في «الاستراتيجية« الروسية. بالنسبة لبوتين، انتهت فترة «الحزن» على تفكك الاتحاد السوفياتي، و»الجلوس» على «شُرفة» العالم بعد انتهاء الحرب الباردة، وحان الوقت للنزول الى الأرض، ولو كانت الكلفة مرتفعة، بدايات هذا النزول والانزلاق الارادي في الحرب السورية النارية والقوية والمتحررة من كل القيود الأخلاقية، أعطته حق المطالبة بـ»الوكالة» الأميركية.

يوجد في سوريا سبع قوى منخرطة في الحرب والسلام الى جانب السوريين الموزعين على الفصائل المقاتلة. الحل ما زال بعيداً. من الواضح أنه سيقوم على إسقاط إثنين الأسد و»داعش» معاً، فلا مستقبل لهما في سوريا مهما كانت صيغة الحل.