«دجيا خليفة» هي أوّل طفلة في لبنان تلدها والدتها تحت الماء داخل المستشفى. قد تبدو هذه الطريقة غريبة للبعض، ومشوّقة للبعض الآخر، خصوصاً أنها اتّجاه حديث للولادة في المجتمعات الغربية، لكنها ما زالت تثير المخاوف عند كثيرين في مجتمعنا، إلّا أنّ مستشفى «اوتيل ديو» في لبنان وفّرت هذه الطريقة، حيث حصلت فيها هذه التجربة للمرة الأولى داخل مستشفى في لبنان.الولادة تحت الماء أثارت لدينا الكثير من التساؤلات، وكان لا بدّ لنا من الغوص أكثر في تفاصيلها. وفي حديث مع ريتا سركيس خليفة، الوالدة التي تجرّأت على أن تكون أوّل لبنانية تخوض التجربة، قالت لـ«الجمهورية»:

«أعتقد أنني إتجهت إلى هذا النوع من الولادة لأنني أخشى الحقن، وفي الوقت نفسه أفضّل الولادة الطبيعية من دون أيّ إجراءات جراحية».
مفصلةً: «قرأت الكثير عن الولادة تحت الماء قبل أن أقرّر إعتمادها مع طفلي الأول، وبعدها بدأت التحضيرات تحت إشراف القابلة القانونية يولا عطالله».

جوّ منزلي داخل المستشفى

وعن تفاصيل التجربة الجديدة، تقول: «عندما أتيت الى المستشفى كان كلّ شيء جاهزاً، ولدى دخولي غرفة التوليد تعجّبت جدّاً لأنها أوحت لي أنني في المنزل، بسبب الإضاءة الخافتة التي تبعث على الاسترخاء وتجعلك تتعمّقين في عالمكِ الخاص والتركيز على مخاضك وولادة طفلك».

استمرّت الولادة لأكثر من 10 ساعات، وتخبر: «طوال الساعات العشر كنت أقوم بالتمارين الرياضية مثل التمدّد والمشي، بعدها اتّجهت الى حوض السباحة الذي كان مهيّأً بدرجة حرارة 37 درجة مئوية، وكان بطني تحت الماء، ورافقني زوجي والقابلة والطبيب».

وتشرح: «توفّر المياه طفواً طبيعياً للجسم وترخي العضلات وتسهّل التحرّك في وضعيات مريحة ومتنوّعة، ما سمح لي بالتركيز على الولادة وسهّلت انتقال طفلي من داخل أحشائي إلى الحياة الخارجية».

مثل ألم الدورة الشهرية

تقصّر الولادة في المياه المرحلة الأولى من المخاض وتخفّض الحاجة إلى التخدير، وأكدّت خليفة أنّ «الألم الذي شعرت به كان يوازي الألم التي تشعر به الفتاة أثناء دورتها الشهرية، والاضاءة الخافتة ساعدتني على الاسترخاء، وعزّزت إنتاج هرمون الأوكسيتوسين الذي كنت بحاجة اليه مع تقدّم مخاضي».

تجربة وصفتها بالمميزة لها ولطفلتها ولزوجها، الذي شعر بكلّ مرحلة من مراحل الولادة، وقالت: «كان زوجي يقترب منّي ويدلّك ظهري، ما خفّف الوجع بشكل ملحوظ». مشيرةً إلى أنّ «طفلتها ولدت والبسمة لا تفارق وجهها، وذلك بسبب الولادة الطبيعية التي أجرتها، مؤكّدةً انها ستعتمد هذه الطريقة في ولادتها المقبلة».

أمّا القابلة القانونية والأخصائية في التحضير للولادة، ومديرة مدرسة القبالة في الجامعة اليسوعية يولا خوري عطالله، التي أشرفت على هذه التجربة الجديدة، فأخبرتنا عن تفاصيلها قائلةً: «ريتا وايلي قصداني من أجل مساعدتهما على إتمام الولادة في الماء داخل منزلهما، لكنّي اقترحت عليهما أن تتمّ الولادة داخل المستشفى حيث يكون الطاقم الطبّي جاهزاً للتدخّل في حال احتجنا اليه، وبما أنها تجربتي الأولى للتوليد بهذه الطريقة، تواصلت بعدها مع مستشفى «اوتيل ديو»، حيث رحّبوا بالفكرة وتعاونوا معنا لنجاحها».

وتشرح عطالله أنه «للولادة داخل الماء نحتاج الى حوض مخصّص لذلك، والذي يتألّف من مساحة تُملَأ بالماء ومن غطاء هدفه المحافظة على حرارة الماء داخله، والتي تكون 37 درجة، أيْ ما يعادل حرارة جسم الانسان، وأمّن هذا الحوض آل خليفة من الولايات المتحدة الى داخل غرفة في «اوتيل ديو».

تحضيرات قبل الولادة

خطوات كثيرة تسبق الولادة وجب على الثنائي تعلّمها. وتخبر عطالله عن التحضيرات قبل الولادة، قائلةً: «بدأنا التحضير قبل أشهر من موعد الولادة، فعلّمنا ريتا طُرق الاسترخاء وكيفية أخذ الوضعيات المساعِدة على نزول الجنين». وبالاضافة إلى ذلك «حضّرناها نفسيّاً لتقبّل الأحاسيس القوية، أيْ الوجع الذي يمكن أن تواجهه خلال الولادة، وكيفية استعمال بعض الأساليب التي تهدّئ من وجعها، كالبالون الذي تتأرجح عليه فيخفّف الآلام ويحرّك حوضها».

بعد كلّ هذه التحضيرات، أصبحت ريتا جاهزة للولادة في الماء، وتوجّهت إلى غرفة المستشفى برفقة زوجها والقابلة التي كانت تشرف على كلّ مراحل الولادة، والتي نقلت بدورها هذه الصورة إلينا، فتروي أنه «بالطبع، لم تبقَ ريتا في الحوض طوال الفترة، بل كانت تمارس بعض التمارين مثل اليوغا، أو التأرجح على البالون، وأخذ حمّام ماء ساخن، وهي التي كانت تقرّر متى تريد النزول إلى الحوض، وكان زوجها يدلّكها ويساعدها في التخفيف من وجعها، وفي هذه الأثناء كنّا نشرح لها ما يمكن أن تواجهه خلال الولادة، وكنّا أيضاً نطمئنّ الى حالها وحال طفلها كلّ نصف ساعة».

بعد كلّ هذه الخطوات حان وقت الولادة، فدخلت ريتا إلى الحوض، ورافقها بالاضافة الى زوجها والقابلة طبيب التوليد الدكتور جورج ابي طايع، الذي كان جاهزاً للتدخّل في حال التعرّض لأيّ مشكلة.

ولادة بلا تدخّل طبّي

وعن الإجراءات الطبية التي ترافق هكذا ولادة، تشرح عطاالله أنه «لم يكن هناك أيّ تدخّل طبي وتمّت الأمور جميعها بطريقة طبيعية»، مضيفة أنه «عندما فتح عنق الرحم 9 سم، أرادت ريتا دخول الحوض، فاستقرّت في الماء وكانت المياه تغمر بطنها، وبدأت تدفع بسهولة، وكنت إلى جانبها لإعطائها بعض الإرشادات. بعدها طلبت منها أن تلمس أسفل بطنها لتستشعر إذا خرج رأس الطفل، وهكذا صار، وبالفعل كان قد ظهر.

بعد ذلك، كنا مستعدّين لاستقبال الطفل وسحبه من الماء ووضعه على صدر أمه. وبعد قطع حبل السرّة عمدنا إلى تغطية الطفل كي لا يبرد لأنه كان مبلّلاً، بعدها خرجت ريتا من الماء حيث نزعنا لها الخلاص».

لا مخاطر

أمام تخوّف كثيرين من هذا المشهد الجريء والجديد في آن، أشارت عطاالله إلى أنّ ريتا «أصيبت بالتعضيل» من كثرة التمارين التي مارستها قبل الولادة، وهذا كلّ ما عانت منه، مؤكّدةً أنْ «لا مخاطر على الأم أو الطفل في الولادة الطبيعية تحت الماء، بل بالعكس، عندما يتدخّل الطاقم الطبّي تتكوّن المخاطر».

وأوضحت عطاالله أنه على رغم عدم تدخّل الاطباء، رافق ريتا في الولادة فريق من الأخصائيين الجاهزين للتدخّل عند الضرورة، وتضيف مبتسمة: «لكننا لم نحتج إلى مساعدتهم، واقتصر دورهم على المراقبة فقط». وبهدف طمأنة باقي الأمهات اللواتي يرغبن في غوض مثل هذه التجربة العصرية، تشرح عطاالله أنّ «ريتا ولدت من دون الحاجة لمصل أو مسكنات، فالماء وحده كفيل بترخية العضلات وتخفيف الألم بشكل طبيعي،

ما يسمح بخروج الطفل مرتاحاً وغير متوتر»، مؤكّدة أنّ هذا النوع من الولادات «لا يمكن أن يشكّل أيَّ خطر على المولود الجديد، وليس هناك احتمال أن يختنق مثلاً أو يغرق، لأنه لا يتنفّس قبل أن يتمّ قطع الحبل السرّي، وهذا ما نفعله مباشرة بعد خروج رأسه من تحت الماء».