سواء انعقد مؤتمر جنيف - ، بوفد موحّد للمعارضة أو بوفدين، فإن ذلك لن يغيّر شيئاً. هذا المؤتمر مقدّمة لسلسلة طويلة من المؤتمرات وعلى مدار أشهر وربما سنوات من دون مبالغة. لا توجد إرادات حقيقية ونزيهة وشفافة للتوصل حالياً إلى حلّ يُنهي الحرب في سوريا التي هي أعقد الحروب التي عرفها العالم، ولأنها أيضاً عدة حروب في حرب واحدة، ولأن التحالفات والولاءات فيها أيضاً متحركة وانقلابية من دون أسباب ظاهرة للمراقبين وأحياناً لأطراف مشاركة. 

بداية اللاعب الروسي أي «القيصر» فلاديمير بوتين هو المحرك الاول للحرب ولعقد مؤتمر جنيف -، المشكلة أنه أصرّ على وفدين للمعارضة، علماً انه يفضّل القضاء على المعارضة وتثبيت بشّار الاسد في الرئاسة لأنه يخدم استراتيجيته، ولأنه لم ينجح عسكريا في تنفيذ خطته في القضاء على المعارضة، فإنه يجرّب ضرب المعارضة بعضها ببعض وبالتالي استنزافها حتى تتأهل للتسليم بشروطه. 

الى جانب ذلك فإن «القيصر» لا يريد ان يرى «السلطان» رجب طيب اردوغان، إلى طاولة المفاوضات، رغم ان تركيا لاعب اول وأساسي من اليوم الاول للثورة ومن ثم للحرب بفعل الشراكة الحدودية والطموحات الإقليمية. 

أما الولايات المتحدة الاميركية فإنها «اللاعب الكبير» غير المرئي على الارض، لان الرئيس باراك اوباما اختار تكتيك استنزاف الجميع، من دون أن يدفع دولاراً واحداً ولا حياة جندي أميركي واحد. تكتيك اوباما يقوم على التنسيق مع القيصر والآخرين بحيث كلما قويَ أحدهم على الآخر شد «الحبل» لمصلحة الآخر. ما يعزز موقفه انه يعمل بانتظار خروجه بعد أشهر من البيت الأبيض، وأن الناخب الأميركي سيقرر طبيعة سياسة بلاده مع اختياره للرئيس القادم سواء تابع سياسته أو نقضها جملة وتفصيلاً. 

بدورها، فإن ايران تتابع ضخ الرجال والمال، رغم انها خسرت كثيراً خصوصاً مع تمدد الحضور الروسي الذي يقضم يومياً من «حصتها». ايران غارقة في «الرمال المتحركة « السورية وهي أغرقت معها «حزب الله «، باسم الدفاع عنه. رغم ان المرشد آية الله علي خامنئي يعتبر الحرب في سوريا «مفتاح» وجود ايران في المنطقة، فإن هذه السياسة ليست ابدية فهو لن يبقى الى الأبد وولايته المطلقة ستنتهي عاجلاً أم آجلاً، وكل شيء سيخضع لترسيم جديد مع التحولات الداخلية القادمة. لكن من الضروري القول انه مهما حصل من تغيير فإن سوريا ستبقى مهمة لطهران لأن بها وعبرها يمكنها التفاوض على الصعيدين الإقليمي والدولي على مستقبل الملفات المشتعلة خصوصاً «حزب الله« والحوثيين في اليمن، علماً أنها تعتبر العراق جزءاً من أمنها القومي، تماماً كما لبنان لسوريا. ويقدّر عدد الميليشيات الشيعية بقيادة الجنرالات الإيرانيين أكثر من ثلاثين ألفاً من جنسيات مختلفة أهمها «حزب الله« والعراقيون والأفغان والباكستانيون وحتى من جمهوريات إسلامية من الاتحاد السوفياتي سابقاً. 

«داعش» بكل ظلاميته، «لاعب» مع الكبار. للأسف فإنه يشارك في الصياغة اليومية للحرب في سوريا. الأسوأ أن معظم الأطراف أعلنت الحرب ضده لكنها تحاربه بمقياس. سقوط «داعش» يلغي حكماً أسباباً كثيرة لاستمرار الحرب التي ما زال الوقت مبكراً لوضع خاتمة لها تتناسب مع طموحاتها وأهدافها. من المهم أيضاً الإشارة الى ان «داعش» يملك حالياً حسب معلومات فرنسية مسربة حوالى ثلاثين ألف مقاتل في سوريا والعراق، وهذا يعني وجود ما بين ثمانين الى مئة الف آخرين يساندوهم في الادارة والتجهيز والإسناد. 

من الآن وحتى يحصل القيصر على ما يريده، أو بعضه، فإنه اكتشف ان الطيران لا يهزم احداً، ولذلك نزل الى الارض. حسب تقرير لرئاسة الأركان الفرنسية سُرِّب ملخص له، فإنه يوجد على الارض حالياً ستة آلاف جندي وربما هذه بداية، وأربعون طائرة قتالية وثلاثون هليكوبتر ضخمة وكتائب مدفعية من جميع الأنواع، وعدة سفن حربية لا تبتعد معظمها عن الشواطئ السورية لحماية قاعدتها البحرية في اللاذقية، والمطار العسكري «حميميم». 

بدورها، فإن الادارة الأوبامية أدركت أهمية الوجود الميداني وان كان هدفه حتى الآن محدوداً، فنزلت بدورها الى: أولاً في سد تشرين لـ «حمايته «، وثانياً في جنوب الحسكة حيث يوجد مطار صغير «رميلان» يتم توسيعه لاستقبال طائرات النقل، وكان قد وصل سابقا خمسون جندياً من المغاوير، ومن الطبيعي أن هذه بداية متروك للرئيس القادم تحريكها حسب استراتيجية ادارته. 

السوريون هم الضحية في كل هذه الحروب. يوجد حالياً أكثر من مئة الف مقاتل سوري، وأكثر من مئتين وخمسين ألف قتيل وملايين المهجرين والنازحين واللاجئين، والاخطر من دمار الحجر تدمير البنى النفسية لأكثر من جيل سوري وتعميم التجهيل وتعميق الأحقاد والكراهية التي هي في بعض جوانبها سوداء ومدمرة خصوصاً للأسف ضد اللبنانيين الشيعة (ولهذا شرح واسع لا مجال له الآن خصوصاً أن بعضه منظم وموجه ومستند إلى وقائع وأحداث وإذا كان الحزب ومقاتلوه يتفاخرون بقيادتهم القتال في الزبداني والقلمون والقصير فإن ذلك يشحن في السوريين كل انواع الأحقاد ويعمق الخنادق بين الشعبين). 

كل يوم إضافي من الحروب في سوريا ضمن كل هذه المعطيات، يفتح الباب على منظمات إرهابية، يبدو «داعش» وحشاً صغيراً امام إرهابها، تماماً كما تنظيم «القاعدة» الذي كان يوصف بأنه قمة الاٍرهاب ويبدو الآن معتدلاً في إرهابه أمام «داعش».