بات تنظيم "داعش"، والروايات والأفعال المتّصلة به، من تفجيرات وقطع رؤوس وغيرها، جزءاً لا يتجزّأ من حياة اللبنانيّين، حتى صغار السنّ منهم.

 

عاد معلّمون ومعلّمات إلى منازلهم بعد ظهر الإثنين مع مجموعة من التساؤلات والخلاصات التي تشي بأنّ تلامذة لبنان غير محصّنين تربوياً واجتماعياً لاستيعاب الأخبار والأحداث التي تصلهم، عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، بشكل سليم. وقد وَضَعَت تلك التساؤلاتُ والخلاصاتُ الأساتذةَ في وضع مربك، لا يختلف عن الإرباك الذي شعر به أساتذةُ فرنسا أمس الأول أيضاً، والذي تحدث عنه الإعلام الفرنسي بشكل مستفيض.

 

تروي رجاء، وهي مُدرِّسة تاريخ وجغرافيا في صفّي الأول والثاني متوسّط في إحدى المدارس العلمانية في بيروت، أنها ما إن دخلت أحد الصفوف يوم الاثنين حتى انهالت عليها الأسئلة والتحليلات. قالت لـ "السفير": "ما إن دخلت حتى بدأ الطلّاب بالحديث عن الانفجار. علّق أحدهم بأنه ردّ على تدخل حزب الله في سوريا، فسأله آخر وهل انفجارات فرنسا ردّ على تدخلها في سوريا؟ وبدأ الهرج والمرج إلى أن منعتهم من التعليق وطلبت منهم كتابة أسئلة محدّدة حول الموضوع للإجابة عنها في اليوم التالي".

أشارت رجاء إلى أن الأسئلة التي استلمتها دارت حول تاريخ تأسيس "داعش" والمنتسبين إليه، وما إذا كان هناك فعلياً مسيحيون منتسبون إليه. وسألوا عن دور "حزب الله وأميركا وأوروبا وقدرتهم على محاربة هذا التنظيم، وتساءلوا إن كان سنّة لبنان يدعمونه".

 

وتروي ميرنا وهي مدرّسة في مدرسة كاثوليكية متنيّة أنّ إحدى تلميذاتها التي لم يتجاوز عمرها الست سنوات قالت لها: "علمت أن داعش وضع الانفجار لأني رأيت وجوهاً مدممة. وداعش هو من يقطع رؤوس الناس". وتؤكد المعلمة أنها لم تدرك مباشرة ما يجب أن تقوله لتلميذتها، ثم "رحت أطمئنها أن عناصر داعش لا يمكن أن يقتربوا منا لأن هناك من يحمينا وأنه علينا الصلاة وأن ليس كل ما نراه على الشاشات صحيحاً. ولاحظت أني أتفوه بعشر جمل في الثانية لأني لم أعرف بماذا أجيبها. لكنّي فعلياً شعرت برغبة شديدة بصفع أمّها لأنها سمحت لها بمشاهدة تداعيات الانفجار".

 

هذا الارباك انسحب على كثير من المدرّسين الذين واجههم طلّابهم بسيل من الأسئلة، وقد دفع مدير إحدى الثانويات الرسمية في بيروت إلى اتخاذ قرار صارم جعله يزور صفوف المدرسة واحداً تلو الآخر، لإبلاغ الأساتذة والطلّاب باتخاذ تدابير صارمة في حقّ كل من يتحدث عن انفجار برج البراجنة أو حتى فرنسا. قال: "ليست مهمّتي تقديم إجابات حول ما يحصل في لبنان أو في المنطقة، خصوصاً ان بعض الأهالي سيفسّرون أجوبتنا بطريقة غير سليمة. فليتولّوا هم مهمة تصويب الأمور لأبنائهم، ولنَرَ ماذا سيقولون لولد عبّر لمدرّسته أنه يحب داعش لأن خمسة عناصر منه أرهبوا فرنسا وحزب الله في يوم واحد؟!".

 

من جهة ثانية، انسحبت حشرية التلاميذ على بعض الأساتذة وبولا واحدة منهم. فقد أشارت مُدَرَّسة الفلسفة الفرنسية إلى أنها سألت بنفسها عن رأي تلاميذها في ما حصل. تقول: "فكّرت بمحاورتهم حين لاحظت أن علم فرنسا غطّى صور بعضهم على الفايسبوك في خطوة تضامنية. سألت لماذا ليس علم لبنان؟ فردّ واحد بأن الانفجارات باتت معهودة في هذا البلد لكنها جديدة على فرنسا، بينما لفت آخر إلى أنه يحمل جواز سفر فرنسيا". أخذت بولا تصوّب الأمور لتلاميذها، وترسم الانتحاريين و"تنظيم داعش" كعدوّ للجميع. وروت أنهم طرحوا عليها أسئلة كثيرة مثل: "لماذا لا تضرب أميركا بيد من حديد؟ وهل نحن فعلاً في حرب عالمية ثالثة؟...".

 

تؤكد الاختصاصيّة في علم النفس علا عطايا لـ "السفير" أنّه لا يجب تغييب هذه المواضيع عن الأولاد، بل إخبارهم بما يدور من حولهم، كلّ حسب عمره، وبالطريقة التي لا تؤذي مشاعره أو نموّه الفكري.

في المقابل، ترفض رفضاً قاطعاً أن يسمح للأولاد بمشاهدة ما تعرضه المؤسسات الإعلامية من صور أشلاء وضحايا. وتلفت إلى أن بعضهم قد يرى في الانتحاريين أشباهاً بأبطال الألعاب الإلكترونية ويتماهى معهم و "هنا أهمية تصويب الأمور بالنسبة للأولاد من خلال مفاهيم الخير والشرّ".

من جهتها، تعتبر الاختصاصية في علم الاجتماع والأستاذة المحاضرة في "جامعة القديس يوسف" الدكتورة ميّ هزاز أنه بالإضافة إلى إطلاع التلاميذ على ما يدور من حولهم، وجب على الأساتذة أن يكونوا ملمّين بالأحداث من الناحية التحليلية وليس الإخبارية فحسب. فالتحليل برأيها "يحمي التلميذ من تلقف الأخبار كما تصله عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي من جهة، ويدعوه إلى صياغة الاستنتاجات السليمة بنفسه من جهة أخرى".