لم يعلم الطفل حسن ان هواية الصيد التي كان يحاول تمرسها ستوقع به طريدة وانه بدل ان يفرح بالغلة سيبكي دما من عيون نشف الدمع منها.

ذهب ابن التسع سنوات يوم الاحد الماضي الى منطقة جبولة في بعلبك مع شقيقه حبيب ووالده وابن خال والده ليصطادوا في الحقول ويمضوا نهارهم على زقزقة العصافير. لكن وما ان انهوا الصيد وبدأوا بتوضيب مقتنياتهم واغراضهم كل على حدى سمع بكاء حبيب وصوت رصاص. ليتبين ان طلقين ناريين خرجا من سلاح الصيد الذي كان يحمله حبيب واستقرا واحدا في وجه حسن وآخر في صدره. 

هرع علي بابنه حسن الى احد مستشفيات بعلبك الاقرب الى مكان الحادث وهو ينزف. هناك وبحسب رواية الاب اُدخل الطفل وهو ينزف الى ان عاينه احد الاطباء بعد طول انتظار، وقرر بكشف سطحي اخضاعه لعملية جراحية في عينيه قائلا: حضر حالك هيدي شغلة كبيرة بتكلف 5 الاف.. وخرج. لم يؤلم الاب المفجوع سوى الاستهتار الذي لمسه لدى الجسم الطبي حين قال الطبيب كلمته وادار ظهره قبل ان تجرى للصبي صور اشعة او ان تضمّد جروحه. 

ارتبك الوالد ونزولا عند نصيحة احد الاصدقاء الذي كان برفقته اتصل باختصاصي في جراحة العين في مستشفى آخر في الهرمل. فنصحه بالتريث والعزوف عن العملية علما ان المكينة او الالة الجراحية الخاصة بهذا النوع من العمليات غير متوفرة سوى في ثلاث مستشفيات في لبنان واحدة في النقاش واخرى في المتحف وثالثة في كليمنصو. عندها قرر الانتقال بولده الى مستشفى في الهرمل لكن الامور زادت تعقيدا مع طلب فاتورة الاستشفاء. 

اذ تبين ان مجموع الفاتورة هو 586 الف ليرة لبنانية مقابل خدمات لا تستأهل هذه القيمة كما يقول الوالد لـ "ليبانون ديبايت". فقد احتسبت معاينات ثلاثة اطباء، كلّ ب 75 الف ليرة فيما اقصى اجرة طبيب في المنطقة لا تتخطى العشرين الف. كما اجريت لحسن ثلاث صور اشعة فوترت بقيمة 120 الف ليرة فيما كلفة الواحدة لا تتخطى ال 15 الف ليرة في مستشفيات المنطقة.

لم يجد علي تفسيرا لهذه الفاتورة الملغومة بنظره لاسيما ان ابنه لم يحصل على العناية اللازمة ولم يمض اكثر من ثلاث ساعات على الاكثر في المستشفى. ولما قدّم لقسم المحاسبة بطاقة الشؤون الاجتماعية الممنوحة للاسر الفقيرة للاستشفاء على نفقة الوزارة كان جواب المدير "بلوها وشربوا ميتها" ، اذ ان المستشفى المذكور لا يعترف بالبطاقة وبالتالي فان المطلوب هو دفع كامل المستحقات قبل الخروج على الرغم من صعوبة وضع الطفل النازف. 

بقي شقيق علي كرهينة في المستشفى الى ان جمع المبلغ وتوجه الاب بطفله الى الهرمل حيث ضمّدت جراحه لوقف سيلان مياه العين واجري له ما يلزم كما يخبر الوالد على نفقة الوزارة بموجب بطاقة الشؤون الاجتماعية. 

اليوم يجري حسن اول عملية في عينه اليسرى في احدى مستشفيات بيروت المتخصصة على ان يجري عملية في عينه اليمنى الاكثر تضررا الثلاثاء المقبل، فيما حظوظ نجاحها بالكامل لا تزال غير مكفولة. 

وكما حظوظ النجاح المتأرجحة يبدو حظ حسن. مرة سيء لانه ولد في بلد يجهل كباره ان السلاح ليس لعبة للصغار، ومرة اخرى جيّد لأنه صارع النزيف وعاش ليكون شاهدا على رخص الروح البشرية في بلده. 

فلو لا قدر الله ومات حسن كما سبقه جده بسبب خطأ طبي في المستشفى عينه، لكان صار رقما في لوائح لجان التحقيق الطبية. لكن حسن لا يزال على قيد الحياة وتجربته اليوم هي بمثابة اخبار للوزارات المعنية.


(ليبانون ديبايت)