"كان هناك حراكاً في لبنان ... ذات "ثورة"  ، وكانت هناك مطالب قيل أنّها محقة " ...

هكذا ستنقل هذه الرواية لأبنائنا ، لا سيما وأنّ الحراك تراجع بوتيرة ملحوظة من الغضب العارم إلى مسيرات سلام واستعراضات "مسرحية" لتاريخ لم يطل على مواقع التواصل الإجتماعي ، فهذا الجنين الأبيض الذي ولد عفوياً و وطنياً من رحم لبناني مسرطن ، ما لبث أن تعرض للبتر "كما إيلا" ، وكم شبيه حراكنا بإيلا !

وكما كل مولود يغاير الطبيعة ، تعرض هذا الجنين للعديد من الشائعات والإتهامات التي تنطوي تحت الرفض له ولأن يبدأ خطواته اللبنانية ، فمن "أسعد ذبيان يهين المسيحية" ، لـ "عماد بزي عميل إسرائيلي" ، وصولاً إلى "صور النفايات والأمطار مفبركة" وما بينهم ألاف التلفيقات والإستهدافات والأحكام التعسفية ، إنتهى عهد الحراك والحراكيون قبل أن تتبلور أهدافهم أو يحقق بعض من "مانشاتيت" الحاجة المعيشية والوطنية ، فلم يستطع الحراك المطلبي الطرّي أن يصمد طويلاً أما السواد الأعظم والمخضرم من الفساد ، لتتكاتف الطبقة السياسية التي تتقاطع جميعها بأهداف سلطوية على الحد منه وعلى قمعه ولتنجح بما خططته من أهداف ضد هذه الحملات التي تنأى بنفسها عن أي تيار حزبي أو طرف سياسي .

هذه الطبقة السياسية التي لم تنجح بمنع الحرب الأهلية حينما كان الحكم بيد أجدادها أو حتى أجداد أجدادها ، ولم تستطع حماية الشهيد الحريري بعهدها وما رافقه من عديد من الشهداء والشهداء الأحياء ، هذه الطبقة العاجزة تشريعياً وتنفيذياً وقضائياً والتي لم تمتلك  قرار الحرب والسلم ولم تحمِ الوطن من 7 آيار ، ولا سلطة لها لا على حدوده ولا على مربعاته الأمنية ولا على محاوره .

غير أنّه وأمام حراك مطلبي لبناني وأعزل نراها استنفرت لتمظهر كل قوتها ، ولتنتج في الدفاع عن مفاتيح وزاراتها ومجالسها طاقات لم نرَ لها مثيل ، لنصل لنظرية ألا وهي : لو أراد أحزاب وتيارات وميليشيات لبنان كافة منذ العهد القديم إلى الجديد حماية هذه الوطن فعلياً لتفادينا العديد من المطبات ، إلا أنّ هؤلاء لا همّ عندهم لا بلبنانية ولا بوطنية ، إذ لا نراهم يعلنون حالة الطوارئ القصوى إلا حينما يُستهدفون ويواجهون من يهدد كراسيهم وأمنهم الذاتي ففي تلك الحالة فقط يتحدون ويظهرون ما يستطيعون ولا يستطيعون لإنهاء أيّ حالة شرعية أو غير شرعية تشكّل خطراً عليهم ...

ومن باب آخر ، فإنّ هذا الحراك الذي تضخّم سريعاً ليشهد حالة من الإنكماش والتلكؤ ، لم يكن صحياً "تماماً" ، فعلى الرغم من شجاعة فرسان السلطة في محاربته غير أنّ التفكك الذي طاله وعدم منطقية بعد المطالب وصولاً إلى التشعب "المرضي" ، كل هذا شكلّ ممرّات سمحت لسماسرة السياسة أن يستثمروا من خلالها .

لنتساءل هنا : هؤلاء الأحرار الذين لم يتفقوا على حراك "واحد" والذي اختطلت بين أيديهم أوراق المطالب هل كانوا أهلاً لأن يهيئوا لمرحلة انتقالية للبنان ، ولحكم جديد بكافة مقاييسه يبلور المدنية وثقافة العيش المشترك والحريات العامة والحقوق الأساسية والكرامة الإنسانية !

هذا السؤال إجابته كانت ترتبط بنجاح الحراك وأهدافه ، غير أنّه ومع كل الحالة المرضية التي أصابت جسم الحملات المطلبية ، إلا أنّه حكم الثائر يظل خيراً من حكم الأزعر  ، ومع كل ما ارتكبه شباب الحراك من زلاّت أفقدتهم الشعبوية الكاسحة ، غير أنّ الضمير اللبناني يحتّم علينا القول : "لمرحلة شكلتم إيماننا ، لمرحلة ... " ّ