لم تقم المديرية العامّة للأمن العام بمداهمة لإلقاء القبض على أبرز أعضاء الشبكات الإرهابيّة التي كانت مهمّتها إدخال السيارات المفخّخة، وإنّما عثرت على «المفتاح ـ الكنز» في سجن رومية!

من دون تعبٍ، أُخرج محمّد القاسم من زنزانته قبل خروجه الى الحرية بثلاثة ايام، واقتيد إلى التحقيق ليفصح عن أخطر ما في جعبته من معلومات، والتي لم يقلها عندما تمّ القبض عليه في البقاع في نيسان 2014. أنكر الموقوف سابقاً كلّ التّهم الموجّهة إليه من الانتماء إلى تنظيم إرهابي وتأمين أموال لـ «جبهة النصرة».

استطاع القاسم أن يخرج نفسه كـ«الشّعرة من العجين»، وكان من المفترض أن تنتهي محكوميّته في 10 تشرين الأوّل الحالي، لولا المعلومات التي تكشّفت لدى الأمن العام قبل أيّام قليلة من خروج الموقوف، بأنّه أحد العناصر الفاعلين داخل شبكة إرهابيّة (تضمّ 8 سوريين وعددا من اللبنانيين من عرسال أحدهم من آل الأطرش) تنتمي إلى «كتائب شهداء القسطل» وتنسّق مع «النصرة» و «كتائب عبد الله عزّام»، بهدف تفخيخ السيارات وإدخالها إلى مناطق لبنانية وتفجيرها لاحقاً داخل مناطق نفوذ «حزب الله».

ولهذه المجموعة «ماجد الماجد 2»، فالسوري حسين عبد الرزاق العتر، المقيم في السعوديّة، هو ممولّها والرأس المدبّر الذي كان يجمع الأموال من مواطنين سعوديين ومقيمين سوريين وعرب وتحويلها إلى سوريا. وكان يطلع على مراحل تجهيز وتفخيخ السيارات داخل ورشتين خاصتين في بلدتي رأس العين وحوش عرب السوريتين، ويحدّد الأماكن المطلوب استهدافها في الضاحية بالتنسيق مع مموليه، تاركاً للقاسم الملقّب بـ «مراد علمدار» و «أبو عبدو» اجتهاد انتقاء مكان التفجير المحدّد.

وخلال عامي 2012 و2014، أرسل العتر أكثر من 100 ألف دولار أميركي خصّصت لهذه المهام.

ويبدو جلياً من خلال التحقيقات أنّ هذه الشبكة سبقت «المفخّخ الأشهر» نعيم عباس إلى «كار» التفجيرات داخل لبنان. وقد اعترف القاسم أنّ مهمّته كانت الإشراف المباشر على عمليّات تجهيز السيّارات بكافّة مراحلها: من تجهيزها في الداخل السوري ونقلها الى بلدة الطفيل الحدوديّة ثمّ عرسال قبل وضعها على سكة الأهداف المحددة.

هكذا تمّ انفجار الرويس


لائحة الأهداف الطويلة التي اختارتها المجموعة الإرهابيّة بأمرٍ من المموّل السوري حسين عبد الرزاق العتر ومموليه، لم تبقَ طويلاً حبراً على ورق، وإنّما نفّذ منها عدد من العمليّات كان أبرزها تفجير الرويس بتاريخ 15 آب 2013، والذي سقط بنتيجته 21 شهيداً و336 جريحاً.

كانت آلية تنفيذ عمليّة الرويس مشابهة لمجمل العمليات التي نفّذتها «شبكة التفخيخ»: اختيرت سيارة الـ «بي. أم. دبليو ـ 735»، ثم فخّخت بـ60 كلغ من المواد شديدة الانفجار، بعلم واطلاع من العتر الذي أرسل مبلغ 20 ألف دولار أميركي لهذه المهّمة إلى محمّد القاسم (استلمها في سوريا بواسطة شركة تحويل اموال) الذي سلّمه بدوره إلى قائد المجموعة السوري فراس القاسم الملقّب بـ «أبو جعفر القسطلي».

وإذا كان تفجير الرويس هو أكبر عمليّة إرهابيّة نجحت في تنفيذه هذه الشبكة، التي لها باع طويل في زرع العبوات الناسفة التي استهدفت دوريات وآليات لجيش النظام السوري وخصوصاً على طريق حمص ـ دمشق الدولي، ومنذ بدء الأزمة هناك في العام 2011، فإنّه لم يكن الوحيد في سجّلها الأسود داخل لبنان.

فأيادي «مراد علمدار» (القاسم) وشبكته التي يرأسها «القسطلي» كانت أيضاً، بحسب المعطيات الأمنية لدى الأمن العام وباعترافات عدد من الموقوفين ومن بينهم القاسم، خلف وضع متفجّرة (عبوة) بئر العبد الأولى بتاريخ 9 تموز 2013 في مرآب «مركز التعاون الاسلامي»، حيث سقط بنتيجتها حوالي 43 جريحاً واضرار مادية جسيمة في السيارات والمباني.

كذلك، فإنّ «شبكة القسطلي» هي التي نفّذت تفجير سيارة من نوع «كيا ريو» لونها أسود، بحاجز للجيش في منطقة وادي عطا في عرسال، حيث سقط بنتيجته 3 شهداء و4 جرحى من الجيش اللبناني.

حينها، لم يكن حاجز عين عطا هو هدف المخطّطين، وإنّما جرى تفخيخ السيارة وتجهيزها في منطقة فليطا ثم نقلت إلى بلدة عرسال ليتمّ إرسالها وتفجيرها لاحقاً في الضاحية الجنوبيّة، بعدما اطلع العتر على مجمل المراحل وأرسل مبلغاً وقدره 23 ألف دولار أميركي إلى «مراد علمدار» والأخير سلّمه إلى «أبو جعفر القسطلي». ولكنّ اشتباه عناصر الحاجز بالسائق الذي يعتقد أنّه سوري، غيّر المخطّط ليقوم الأخير بتفجير السيارة وهو بداخلها.

هذه هي أبرز جرائم الشبكة الإرهابيّة التي حاولت مراراً وتكراراً استهداف الضاحية بسيارات مفخّخة، من دون أن تصل مخططاتها إلى الواقع، إذ كانت أيدي القوى الأمنيّة اللبنانية أسرع من الأيدي العابثة بالأمن بضبطها لهذه السيارات.


وعليه، فإن «شبكة القسطلي» وبعدما تلقّت مبلغ 10 آلاف دولار أميركي من العتر، قامت بتفخيخ سيارة من نوع «تويوتا راف فور» لون فضي بـ250 كلغ من المواد شديدة الانفجار، داخل ورشة للتفخيخ في منطقة راس العين ـ في يبرود. وما إن وصلت السيارة إلى البقاع وتحديداً إلى منطقة جرود حام الحدوديّة بتاريخ 16 شباط 2014، حتى قام الجيش اللبناني بضبطها وتفكيكها، فيما لاذ سائقها بالفرار.

وضبطت القوى الأمنيّة أيضاً داخل عرسال سيارة من نوع «تويوتا ـ راف فور» لون زيتي محملة بكميّة من المتفجرات كان من المنوي إرسالها إلى الضاحية. وقد قامت الشبكة نفسها بتفخيخ هذه السيارة في بلدة حوش عرب في ريف دمشق، مقابل 20 ألفا و500 دولار أميركي أرسلها العتر عبر الطريقة المعتمدة.

وبرغم كلّ هذه المحاولات الفاشلة، بقيت المجموعة الإرهابيّة على عزيمتها بإمكان استهداف الضاحية الجنوبيّة وبنوع السيارة نفسها. وما إن وصل لـ «أبو جعفر القسطلي» مبلغ 20 ألفا و500 دولار أميركي حتى قام بشراء سيارة من نوع «تويوتا ـ راف فور» لون أبيض بقيمة 4500 دولار أميركي، ثم أنفق الباقي لتفخيخ السيارة داخل ورشة في بلدة رأس العين في يبرود.

وفي الطريق من يبرود إلى الضاحية لتنفيذ المهمّة، تعرّضت السيارة خلال شهر آذار من العام 2014، الى حادث سير في خراج بلدة عرسال لتتضرّر بنسبة كبيرة، ويعمد بعدها بعض أفراد الشبكة وهم السوريون محمد نور خالد الملحم («ابو شاكر») وزياد عبد الوهاب الخطيب إلى سحبها باتجاه الجرود.

وتعرّضت هذه الشبكة لنكستها الأكبر، إذ تمّ تدمير ورشة لتفخيخ مجموعة من السيارات من طرازات مختلفة في منطقة راس العين في يبرود.
التنفيذ والإعلام

أمّا هيكليّة هذه الشبكة الإرهابيّة فهي تنقسم إلى مجموعتين: التنفيذ والإعلام. الأولى تتألف من فريق متخصّص في مجال التفجيرات بأمرة «القسطلي» ومعاونة القاسم، بالإضافة إلى السوريين: أحمد السحلي المتخصص في مجال كهرباء السيارات، الموقوف في سجن رومية محمّد نور الملحم الملقّب بـ «أبو شاكر»، الموقوف في رومية زياد الخطيب، بالإضافة إلى أشخاص قتلوا داخل ورشة التفخيخ في رأس العين خلال العام 2014، وهم: أحمد علي حمرا الملقّب بـ «أبو علي حمرا»، فريد جمعة، حسام حمود.

أما المجموعة الإعلامية فيرأسها السوري همام رجب الملقّب «أبو الليث»، الذي يتولى تصوير عمليات التفجير (في سوريا) وتسجيل البيانات ليرسلها إلى العتر عبر محمد القاسم، فيما يقوم السوري فراس القاسم بتلاوة بيانات تتبنى التفجيرات ناسباً إياها إلى جهات مختلفة كـ «لواء أحرار السنة ـ بعلبك» و «سرايا عائشة أم المؤمنين للعمليات الخارجية» (التي تبنت تفجير الرويس).

السفير