خاص "ليبانون ديبايت" - بولا الموراني: 

وسط مجتمع لبنانيّ تتآكله النفايات وتنبعث نتيجته الحشرات والزواحف المختلفة، بات المواطن يهاب الوقوف على قدميه والتنعم بالأمان الصحيّ والمعيشي، نظراً لما يسود محيطه الاجتماعيّ من إستهتار لمكافحة الإنبعاثات السّامة التي قد تقضي على حياته في لحظة تخلّي أو أخرى.


فالعروس "رنا" ذهبت للتّسوق، ولم تدرك أنّها ستقع ضحية عنكبوت أوروبيّة مميتة تدعى "Recluse" استحضرت شحناً الى مرافئ لبنان وتسللت الى متجر للثياب في بكفيا وتمركزت ضمن قطعة قماش لتحتمي فيها من غدر البشر. 

وبألم يصاحبه هلع من مصير يدٍ حكمت بالتشوّه، تسرد رنا في حديث لموقع "لينانون ديبايت" وقائع الحادثة التي حصلت معها في إحدى متاجر التّسوق، وتقول "دخلت الى متجر لشراء بعض الملابس الشتوية، فأعجبتي بعض القطع وعندما حاولت تجريبها في غرفة الملابس استوقفتني عقصة قويّة في يدي، فتبينت أنها تابعة لـ"عنكبوت" متقوقعة داخل الثياب.

في البداية أهملت الأمر ولم أبدي أيّ إهتمام، إلّا أن شدّة الحكاك والألم الورديّ الذي صاحبها بعد تورمها اضطرني الى الهروع لصاحب المتجر للاستفسار. أمّا الأخير، فاستخف بالحالة التي تعرضت لها وبمبالاة طلب مني وضع ماء الورد عليها".

وتابعت رنا: "بعد ساعة ونصف بدأت حالتي بالتراجع تخللتها نبضات قلب سريعة وانتفاخات في اليد، فهرعت للإتصال بصيدليّ لاتخاذ معونته، فطلب مني اللّجوء إليه لحقني بإبرة "كزاز" تحميني من السموم وتأثيراتها الجانبية ومدني بكريم مضاد للإلتهاب على أمل الشفاء". 

لم تهدأ حالة رنا لا بل تأزمت ليلاً، إذ باتت تشعر بـ"رعشات برد" وارتفعت حرارتها، فضلاً عن انتفاخ كثيف ووجع قويّ في يدها المصابة نتيجة العنكبوت السّامة.

وفي موزاة ذلك، قصدت رنا في ساعات الفجر الأولى الطوارئ للركون على حالتها، وهنا توالت المفاجأة وتوالت الخيبة عندما أشاروا الأطباء المناوبين الى أن "حالتها نادرة نظراً لنوع "العقصة" وليس هنالك من دواء يشفيها ويكفل معالجة آلامها"، موضحين أن "الإبرة التي خضعت لها سابقا قد خففت من وطأة السم وحدّته وضمنت عدم دخولها في الـ"كوما" وبالتالي الموت الجسديّ".

الى ذلك، عمدت رنا الى عرض حالتها المرضية على عدّة مستشفيات وأطباء متخصصين إلا أن محاولاتها المتكررة قد باءت بالفشل بعد تأكيدهم لها أن حالتها غريبة ولم يشهدوا لها مثيل.

وفي نهاية المطاف، لجأت رنا الى مستشفى الجامعة الأمريكية لأخذ معونة الأطباء نظراً لشدّة اطلاعهم وتواصلهم الخارجيّ ومعارفهم المرضيّة، فلفتوا لها الى أنّها "بحاجة الى عملية جراحية لاستخراج الإلتهاب القويّ والمواد المتآكلة داخل يدها نتيجة السمّ المنتشر من وراء العنكبوت الأوروبيّة، بالإضافة الى عملية تجميل تقيها من التّشوه عبر زرع جلد حديث وذلك بعد انتظار مهلة شهر ونصف".

ولشدة خوفها البديهيّ استشارت أيضاً أحد أقاربها وهو دكتور مختص في الشرايين يداوم خارج المستشفى، فأكّد لها أحقية كلامهم وأضاف لها أنّه "في حال أستخرجت المواد من يدك من تلقاء نفسها لا تعودين بحاجة الى العملية المذكورة". 

وفي انتظار الفرج المرحوم، لم ترتاح نفس رنا قبل مواجهة صاحب المتجر وجهاً لوجه ليعي جريمته بحقها وسعياً منها الى ضمان عدم تكرار حادثتها مع زبائن آخرى. فبعد إنكار الأخير وتلفيقه الأكاذيب المتجلية بأن العنكبوت كانت سابقاً في حقيبة رنا وبعد استشارته محامي في القضية استسلم للأمر الواقع محاولاً التّكفل بتكاليف العملية مبدئيّاً.

حالات مشابهة قد حكمت بالنفي وبعدم إلقاء الضوء عليها للاحتكام الى معالجتها بالسبل الوقائية، فهل الموت يكفي لتعي الجهات المعنية أن المحافظة على النظافة البيئية والسلامة الحياتية هو "فعل إيمان"؟ وإن كانت هذه العنكبوت اللّقيطة قد نفيت سهواً الى لبنان دون اتخاذ التدابير المرورية المناسبة لقتلها، فمن يكفل ضمان سلامة الضحايا المرتقبين على أيدي مستوردات الغرب؟