في لبنان الحراك الشعبي ينتقل من منطقة الى اخرى من البقاع الى اقليم الخروب الى عكار الى بيروت وسوكلين، فيما يمضي الحوار قدما وجلسة جديدة منتظرة الاربعاء وسط حال من التمترس لدى اطراف الحوار خلف مواقف لا تتزحزح رغم الحراك المدني الذي عبّر عن صرخة ضمير لبنانية لم تهزّ ضمائر المسؤولين بعد.

فحبلُ ازمةِ النفاياتِ امتلأَ بالعُقَد، والبحثُ عن الحلولِ عادَ مسرعاً الى نقطةِ البداية ، الثقة المفتقدة بين المواطن والمسؤول ليس المواطن من يسأل عنها بل عشرات القرارات التي اتخذت من قبل الحكومة ولم تنفذ وما نفذ منها غالبا ما تفوح منها رائحة المحاصصة والفساد. ولا نتحدث عن انتهاك الدستور وعن عدم انتخاب رئيس للبلاد وعن تعطيل المؤسسات الدستورية، كل ذلك يكشف كم هي المبررات التي تجعل المواطن لا يصدق.. وعلى جري المثل القائل "من كتر ما ملسوع من الحليب بنفخ على اللبن" هذا حال المواطن مع مسؤولين مددوا لأنفسهم ولصفقات مشبوهة من دون ان يرف لهم جفن.

طاولة الحوار التي تعود الى الالتئام الاربعاء، وسط جدل حول الاولويات، اعاد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشار بطرس الراعي الذي جال في منطقة عالية طيلة الايام الثلاثة الماضية، تأكيدَ انّ البوصلة الحقيقية لتحرّك المجتمع يجب ان تهدفَ لإتمام أمر أساسي وهو انتخاب رئيس للجمهورية
وها هي الهواجس تتثبت لدى اللبنانيين من عدم انعقادِ مجلس الوزراء. والرئيس تمام سلام يحذر انه لن يدعو الى جلسة هذا الاسبوع اذا لم يجر اعتماد خطة النفايات في رسالة غير مباشرة الى بعض القوى الممثلة في الحكومة التي تنصلت من الخطة وبالتالي من مترتباتها السياسية والشعبية. وتخوّفا من ان يصيب التعطيل آخر المؤسسات الدستوريةِ بفعل شغور منصب الرئاسة وشلّ عمل المجلس النيابي فانّ الهمَ انتقل الى التخوّف من تحويل مجلس الوزراء الى مكان لاتخاذ القرارات من دون إقرانِها بالتنفيذ. وذلك انطلاقا من اقرارِ المجلس خطة الوزير شهيب لانهاء ازمة النفايات، وما رافقها من اعتراضات وتعقيدات حالت دون انتقالها الى حيزِّ التطبيق .

... الحكومة دخلت فعلياً مرحلة الموت السريري غير المعلن. في ظل إدراك جميع مكوناتها لذلك، وخوفهم في الوقت نفسه من إعلان الوفاة، تجنباً لعقوبات دولية معنوية... مجلس النواب عالق في الحلقة المفرغة نفسها، حتى ولو وصلنا إلى العقد العادي منتصف تشرين الأول. فمعضلة جدول الأعمال، وقضية التشريع في غياب رئيس للجمهورية، لا تزالان توصدان أبوابه، رغم كل النيات الحسنة... التعيينات العسكرية وصلت إلى الأزمة نفسها. ذلك أن تفريغ المراكز العسكرية القيادية عبر ارتكاب التمديد، تحول إلى أزمة داخل المؤسسات العسكرية وداخل الحكومة. وهو ما جعل بعض سعاة الخير يطرحون مبادرات للحل بالجملة. بعضها أمني وبعضها سياسي وبعضها حتى دبلوماسي أجنبي.

وختاما، اكد وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق ان "هناك تراكماً من عدم الثقة بين المواطنين والدولة، نتيجة التراجع الكبير في الخدمات التي هي اساس الحياة اليومية، وجاء مؤخرا ملف النفايات ليظهر بشكل بشع عجز الادارة السياسية عن القيام بواجباتها، ففي بلد مثل لبنان تستطيع الخصومات السياسية ان تعطل اي حل لمشكلة النفايات، اذ أن هناك قراراً في لبنان لقوى سياسية محددة بتعطيل هذا النظام الى حين تعديله".