على المرء أن يُمارس قدراً هائلاً من ضبط النفس إذا ما قرر المشاركة في تظاهرات وسط بيروت، وذلك تجنّباً لقرار حكيم يتخذه بمغادرة التظاهرة والعودة إلى المنزل.

 

فالمشاركة نوع من التهوّر، وتمرين على مدى قدرة المرء على أن يتجاوز نفسه. نفسه التي مضى عليها عقود طويلة لم تألف خلالها أن تشارك في تظاهرة إلى جانب شربل نحاس ونجاح واكيم وزاهر الخطيب... وعصام نعمان، نعم عصام نعمان! هل تذكرونه؟ كان إلى جانبنا بالأمس في التظاهرة.

 

عليك أن تجيب المنادي الذي في داخلك بعبارة: لا بأس، فقد سبق لنفسك الكريمة أن جاورت شخصيات مشابهة في النصف الآخر من المجتمع ومن الطائفة. وعليك أن تُنبهها بأن لا تكون أمّارة بالسوء، وأن صديقيك روجيه عوطة وعليا كرامي يراقبانها. ثم عليك أن تستعين عليها بخيباتك من "14 آذار". الخيبات التي بدأت تتراكم منذ اليوم الأول من التظاهرة ومن تشكّل هذه الجماعة.

 

أنت الآن تتظاهر ضد نفسك، وضد انعدام أخلاقك، وهذا تمرين قاسٍ عليك أن تمارسه، وأن تعتبره نوع العقاب الذي لا بد منه لكي تستعيد توازناً أفقدتك إياه الخيبات.

 

لكن يا أيتها النفس "غير المطمئنة" والهاربة من صاحبها، إلى أين تتجهين؟ إلى نجاح واكيم وشربل نحاس وزاهر الخطيب؟ كم يبدو حظِك عاثراً. فها أنتِ هاربة من صبية غازي كنعان إلى صبية رستم غزالة... رحمهما الله!

 

"التظاهرة ليست هؤلاء أجابت ريان ماجد. عليك أن تُشيح بوجهك عنهم". وها أنا قد أشحت بوجهي عنهم، فشطبت وجهي لافتة عُلّقت باسم المجتمع المدني تدعو إلى "حكومة عسكرية" انتقالية تتولى تنظيم انتخابات نيابية تعقبها انتخابات رئاسية... فحكومة جديدة. واللافتة غير موقعة من قبل التيار العوني.

 

قد تساعدك على ضبط نفسك أثناء تجوالك في أنحاء الاعتصام رائحة الصفقة الفاشلة المنبعثة من السراي القريبة، والجدار الغبي الذي باشر رجال الأمن بإزالته.

 

تحضرك في هذه اللحظة تجربة فشل مشابهة. في 14 آذار 2006، أي بعد مرور عام واحد على مشاركتك في التظاهرة الأولى، قررت أن تشارك على رغم أن القناعة كانت تعرضت لاهتزازات جوهرية. حينها كان من بين المتظاهرين من رفع صوراً لصدام حسين، ومن بينهم أيضاً من كان يهتف "الدم السنّي عم يغلي يغلي". حينها غادرت التظاهرة وكتبت التزاماً بأن لا تشارك في المرة المقبلة. وحينها أيضاً جاء من يقول لك أن هؤلاء ليسوا كل التظاهرة. لكن السنوات اللاحقة والتظاهرات اللاحقة لم تساعدهم بما يقولون.

 

لا شك في أن المشاركة اليوم تنطوي على عنف ممارس على النفس يفوق العنف الذي مارسته القوى الأمنية على المتظاهرين. لكن لا بأس أيها المواطن الجديد. استمر في التقدم، ففي نهاية الجمع، هناك في محيط التمثال يقف من يشبهك. في وجوههم مخاوف تشبه مخاوفك. ناشطون خائفون من محاولة ميشال عون، وبمساعدة من أنصار "حزب الله" في التظاهرة، أكل التحرك وتوظيفه في خطته للوصول إلى كرسي الرئاسة عبر فراغ ناجم عن احتمال سقوط الحكومة.

 

أنت الآن بين خوفين. الخوف من الصفقة في السراي، والخوف من فراغ يملأه ميشال عون. أي من الكارثتين عليك أن تختار؟

 

ديما كريم قالت لي إنها لا تعتقد أن العونيين سيتمكنون من ابتلاع التظاهرة، وأن الناشطين طردوا الوزير العوني الياس بو صعب عندما جاء للمشاركة.

 

لا بأس إذاً سأصدّقها.

 

المصدر: ناو