أخيراً تمكَّن العلماء من "إقناع" الخلايا الجذعية بالنموّ والتحوُّل الى مكوِّنات دماغية بشرية وذلك بعدما نجحوا في خلق البيئة المناسبة لها، فتكاثَرت ونَمَت وحقَّقت لهم وعلى رأسهم البروفسور رينيه أناند، الإنجازَ الطبي الذي يحلمون به منذ فترة طويلة.

يحتوي الدماغ البشري على مئات الملايين من خلايا الأعصاب مقسَّمة الى فئات تتولى كلّ منها وظيفة محدَّدة إذ منها ما ينسّق الحفظ والتفكير، ومنها ما ينظِّم الذاكرة ويلجم العاطفة المفرطة والسلوك ويضبط الحركة وينقل الإحساس.

يرتبط الدماغ مع بقية أعضاء الجسم بواسطة نظام دقيق من الطرق السريعة والمعقّدة، ومع ذلك يحدث التواصل بين مختلف الأعضاء الأجزاء بثوانٍ بل بلمح البرق. هل لاحظنا بأيّ سرعة نسحب أصابعنا حين تقترب من النار؟

وفيما تعمل كلّ الأجزاء في الدماغ معاً وبالتناسق، فإنّ كلّ جزء منها مسؤول عن وظيفة محدَّدة بدءاً من معدَّل ضربات القلب وصولاً الى الحالات المزاجية والإضطرابات النفسية.

إستكشاف الطيَّات والتعرُّجات

المخ هو الجزء الأكبر من الدماغ. وتشكِّل الطبقة الخارجية منه القشرة المخية، أو "المادة الرمادية" في الدماغ. وتزيد الطيَّات العميقة والتجاعيد التي تعتري الدماغ مساحة المادة الرمادية السطحية، بحيث يمكنها معالجة مزيد من المعلومات التي تلتقطها وتتدفَّق إليها.

ينقسم المخ إلى نصفين بواسطة الشق العميق. يتواصل نصفا المخ فيما بينهما من خلال المسالك السميكة للأعصاب، والتي تُسمى "جسم الثفني"، في قاعدة الشق. في الحقيقة، غالباً، ما يتم التعامل مع الرسائل من وإلى جانب واحد من الجسم بواسطة الجهة المعاكسة من الدماغ.

وتسيطر الهياكل في عمق الدماغ على المشاعر والذكريات. والهياكل هذه، تُعرف بالجهاز الحوفي limbic system. يتكرَّر كلّ جزء من هذا النظام في النصف الآخر من الدماغ.

أما المهاد فهو بمثابة حارس البوابة للرسائل التي تمرّ بين الحبل الشوكي ونصفَيْ الكرة المخية. فيما يتحكَّم الوطاء بالعواطف، وينظِّم درجة حرارة الجسم ويسيطر على الرغبات التي لا يمكن أن يستغني عنها الجسم، مثل تناول الطعام وشرب الماء أو الخلود الى النوم. في حين، يُرسل الحُصين الذكريات لتخزّن في المراكز المناسبة من المخ لتُستخدم عند الحاجة.

• هل يُحقِّق التطوُّر العلمي الأخير كلّ هذه التفاصيل؟

فلقد توصَّل العلماء أخيراً الى استنبات دماغ كامل تقريباً، في المختبر للمرة الأولى، من خلايا جلدية تمَّت برمجتها. ويبلغ حجم الدماغ البشري الذي نما في المختبر، حجم ممحاة قلم الرصاص، وهو يوازي دماغ جنين تكوَّن في رحم والدته منذ خمسة اسابيع.

ويأمل فريق العلماء الذي حقَّق هذا الإنجاز في جامعة اوهايو الأميركية، بأنّ تكون الكتلة المؤلفة من خلايا عصبية وألياف، أداة بحثية في منتهى الأهمية والفائدة في اختبار الأدوية الجديدة، من دون حاجة إلى استخدام الحيوانات وتطوير الأبحاث الطبّية في أمراض عصبية مثل الألزهايمر والباركنسون، لأنّ مناطق الدماغ التي تتأثر بهذه الأمراض، تتكوَّن خلال مرحلة مبكرة من نشوء الدماغ.

خلايا مساندة وخلايا مناعية

وإلى جانب الخلايا العصبية والخلايا التي تنقل إشاراتها الكهربائية، يحتوي الدماغ على خلايا مساندة وخلايا مناعية ايضاً. وقال البروفسور رينيه أناند، إنّ فريقه المؤلَّف من العلماء أعاد إنتاج 99 في المئة من الخلايا والجينات الموجودة في دماغ الجنين، الذي يحوي حبلاً شوكياً ودائرة لإرسال الإشارات الكهربائية، بل وحتى شبكية العين.

ولفت البروفيسور أناند، الى عدم وجود أسباب أخلاقية للقلق من الإنجاز الجديد، شارحاً: "ليس لدينا أيّ محفِّزات حسِّية تتوغل في الدماغ، وهذا الدماغ لا يفكر بأيّ شكل من الأشكال".

وأوضح اناند، أنّ العلماء تمكنوا من تنمية الدماغ بتحويل خلايا جلدية بالغة إلى خلايا جذعية، يمكن برمجتها لتصبح أيّ نسيج من أنسجة الجسم. ثمّ زُرعت في بيئة خاصة "أقنعت الخلايا الجذعية بأن تنمو إلى مكوَّنات المخ، والجهاز العصبي المركزي على اختلافها".

قلب إصطناعي مساعد

وبحسب البروفيسور أناند، فإنّ تنمية دماغ يعادل مخ جنين عمره خمسة اسابيع، تستغرق نحو إثني عشر اسبوعاً وإذا استمرّ نموُّه حتى الاسبوع السادس عشر أو العشرين، فإنه قد يكتمل، وبذلك يتوفّر الواحد في المئة المتبقي من الجينات. ولكنّ المضي أبعد من ذلك يتطلّب شبكة من الأوعية الدموية لا يستطيع فريق العلماء توفيرها في الوقت الحاضر. وأوضح أناند "سنحتاج إلى قلب إصطناعي لمساعدة الدماغ على مواصلة النموّ".

وإذا تأكّد ما أعلنه فريق العلماء في جامعة أوهايو، فإنّ طريقتهم يمكن أن تحدث ثورة في الطب وقال أناند "إذا كان لديك مرض وراثي مثلاً، تستطيع أن تعطينا عيِّنة من خلايا الجلد، يمكن أن نصنع منها دماغاً". كذلك يمكن اختبار تأثير السموم البيئية المختلفة في الدماغ النامي.

وأعلن أناند عن الإنجاز الذي حقَّقه فريقه، خلال ندوة علمية صحّية، أقامتها وزارة الدفاع الأميركية في فورت لودرديل في ولاية فلوريدا. وقال أعضاء الفريق إنهم يركِّزون حالياً، على استخدام الدماغ المستنبت في الأبحاث العسكرية لفهم تأثير اضطراب ما بعد الصدمات والإصابات.

(الجمهورية)