قبل أيام أطلق الرئيس التركي رجب طيب اردوغان تصريحاً تردد صداه لدى المهتمين بالأزمة السورية بقوله إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بات قريباً من التخلي عن بشار الأسد. بالأمس ردد الرئيس الأميركي باراك أوباما كلاما أكثر وضوحاً في هذا السياق معلناً أن «روسيا وإيران باتتا تدركان أن الرياح لا تميل لمصلحة الأسد».

وإذا كان كلام أردوغان تزامن مع نشاط ديبلوماسي محموم بشأن سوريا، على إيقاع تدبير حل قوامه بقاء الأسد طربوشاً لمرحلة انتقالية، ومع إعلان إيران مبادرة سورية فاجأت بها حليفها السوري قبل غيره، فإن كلام أوباما تزامن مع «توافق غير اعتيادي» في مجلس الأمن، لم يكن ممكناً لولا ضوء أخضر روسي، على قرار تشكيل لجنة خبراء لتحديد المسؤولين عن الهجمات الكيميائية، وهو ما يمكن أن يكون النظام السوري أول المتضررين منه.

أوباما قال خلال اجتماع في البيت الأبيض مع عدد من الصحافيين من كاتبي الافتتاحيات: «أعتقد أن هناك نافذة فتحت قليلاً لإيجاد حل سياسي في سوريا» حسب ما نقل عنه الصحافي روبن رايت الذي يعمل في مجلة نيويوركر وحضر الاجتماع.

أضاف أن سبب ذلك يعود «جزئياً لأن روسيا وإيران باتتا تدركان أن الرياح لا تميل لصالح الأسد«.

واعتبر أن أياً من هاتين الدولتين لا «تتسم بالعاطفية» في تحديد مواقفها، وأن لا موسكو ولا طهران تتأثران كثيراً بـ«الكارثة الإنسانية» في سوريا، إلا أنهما قلقتان بالمقابل من احتمال «انهيار الدولة السورية«.

أضاف أوباما: «وهذا يعني، وأعتقد ذلك، أنه باتت لدينا اليوم فرص أكثر لقيام محادثات جدية، مما كانت لدينا في السابق» بشأن الأزمة السورية.

ضيق النظام السوري من كثرة الكلام عن مبادرات تتناول حكماً مصير الأسد، عبّر عنه السفير السابق في الأردن، بهجت سليمان، في تعليقه على بنود وفحوى «المبادرة الإيرانية» بخصوص الأزمة السورية، التي تم تسريبها إلى وسائل الإعلام، بقوله إن «مبادرات الحلفاء والأصدقاء، بمختلف أنواعها وأشكالها، ليست قدراً ولا قراراً». ومهما كانت «رغبات ونيات الآخرين» ومهما كانت «التحديات والتضحيات«.

أهمية هذا التعليق تنبع من كون سليمان، المبعد من الأردن باعتباره «شخصاً غير مرغوب فيه»، مقرباً من الأسد، نظراً إلى المناصب الأمنية والسياسية التي شغلها، ونظراً إلى العلاقة الشخصية الوطيدة التي تربطهما منذ زمن طويل، حيث يُنظر إلى سليمان بأنه المستشار السياسي والأمني لرئيس النظام السوري، وإن لم يحمل تلك الصفة رسمياً.

وكانت وكالة «فارس» الإيرانية للأنباء، قد سرّبت مضمون «المبادرة الإيرانية» إلى وسائل الإعلام. وعرف في هذا المجال أنها تتضمن نقاطاً أربعاً، كالدعوة إلى وقف إطلاق النار، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وإعادة كتابة الدستور السوري بما يتوافق وطمأنة المجموعات الإثنية والطائفية في سوريا، ثم إجراء انتخابات بإشراف مراقبين دوليين.

ولم تلحظ المبادرة «مصير الرئيس السوري»، الأمر الذي دفع برموز من المعارضة السورية إلى التشكيك بها على اعتبار أن المبادرة «أصلاً جاءت من حليف للنظام السوري» وهذا الحليف «كان شريكاً للنظام في حربه ضد السوريين»، خصوصاً أن المبادرة تلك، لم تنص «صراحة على رحيل رئيس النظام«.

وتنقل الأنباء أن أجواء «الخلاف السوري - الإيراني» خيّمت على المشهد، لسببين اثنين، الأول هو «احتجاج» النظام السوري على تسريب المبادرة من دون التشاور معه، حيث ردّ نائب وزير الخارجية الإيراني أمير عبداللهيان على ما نُقِل من «احتجاج للنظام السوري» على المبادرة، بتأكيده أن الصيغة النهائية ستظل موقع نقاش سوري إيراني إلى أن يتم الإعلان عنها في شكل رسمي.

والثاني، هو على البند الثالث المتعلق بـ»إعادة كتابة الدستور بما يتوافق وطمأنة المجموعات الإثنية والطائفية«. حيث عرف في هذا المجال، أن نظام الأسد لا يزال يصر على اعتبار نظامه «علمانياً» وأنه لا يقبل «كتابة دستور طائف سوري» أو كتابة «دستور على الطريقة العراقية«. وهو الأمر الذي ألمح إليه بهجت سليمان في تعليق سابق ترافق مع إعلان المبادرة الإيرانية فقال: «الجمهورية العربية السورية، ما كانت ولن تكون إلا دولة وطنية قومية علمانية مدنية ممانعة. شاء من شاء وأبى من أبى«.

ويرى مراقبون أن «التحدي» الذي يتحدث به شخص قريب من الأسد، كسليمان، بقوله «شاء من شاء وأبى من أبى» لا يمكن أن يكون «عزفاً منفرداً« نظراً إلى قرب الشخصية من رئيس النظام. وأن «عتب» النظام على حليفه، مرشّح لأن يكون «احتجاجاً» أو بوادر خلاف، بعد أن حقق «الحليف الإيراني» أهدافه باتفاق الملف النووي.

وفي نيويورك، قرر مجلس الأمن أمس بالإجماع تشكيل لجنة خبراء لتحديد المسؤولين عن الهجمات الكيميائية بغاز الكلور التي شهدتها سوريا في الفترة الأخيرة.

وصوتت روسيا حليفة سوريا لصالح القرار الذي قدمته واشنطن، ما عكس توافقاً استثنائياً بين أعضاء مجلس الأمن الـ15 في ما يتعلق بالأزمة السورية.

وتتهم واشنطن ولندن وباريس الجيش السوري بشن هجمات منذ 16 شهراً بغاز الكلور، وخصوصاً في شمال غرب سوريا، لكن موسكو تؤكد أنه لا توجد أدلة دامغة تدعم هذه الاتهامات.

وينص القرار على إنشاء «آلية مشتركة للتحقيق» مؤلفة من خبراء في الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية.

ومن المفترض تشكيل فريق الخبراء خلال 20 يوماً، ويستمر عمله عاماً كاملاً مع احتمال تمديد يوافق عليه مجلس الأمن الدولي في قرار جديد، كما عليه أن يسلم أول تقاريره خلال 90 يوماً من بدء التحقيق.

وبحسب القرار فإن مهمة الفريق «تحديد قدر الإمكان الأشخاص والكيانات والمجموعات أو الحكومات الذين قد يكونون من المنفذين أو المنظمين أو الداعمين أو المتورطين في استخدام المواد الكيميائية كسلاح» في سوريا.

وينص القرار أيضاً على ضرورة تعاون الحكومة السورية مع الخبراء عبر تقديم «كل المعلومات ذات الصلة» وعبر السماح لهم بالوصول الى أماكن حدوث هجمات بالأسلحة الكيميائية وأخذ العينات والاستماع الى الشهود.

وأشاد سفيرا الولايات المتحدة وروسيا بهذا القرار الناتج عن توافق غير اعتيادي بين أعضاء مجلس الأمن، خصوصاً في ما يتعلق بالأزمة السورية.

وأعربت سفيرة واشنطن الى الأمم المتحدة سامنثا باور عن أملها في أن «ينعكس هذا التوافق أيضاً في التوصل بشكل سريع الى اتفاق سياسي» لهذا النزاع.

وقبل الدخول الى الجلسة، أشاد سفير روسيا فيتالي تشوركين بـ»مثال جيد حول نية التعاون والمثابرة للتوصل الى نتيجة جيدة». ولكنه قال أمام مجلس الأمن إنه يجب أن يكون لهذا القرار بشكل أساسي «تأثير رادع لوضع حد لأي استخدام في المستقبل» للأسلحة الكيميائية في سوريا.

ورحب الائتلاف الوطني السوري المعارض بالقرار «القاضي بتحديد المسؤولين عن الهجمات بالأسلحة الكيميائية ضد الشعب السوري، تمهيداً لمثولهم أمام القضاء الدولي«.

وقال القيادي في الائتلاف المعارض هادي البحرة لوكالة «فرانس برس«: «نرحب بأي خطوة تأتي في الاتجاه السليم ولو أنها جاءت متأخرة جداً«، مضيفاً «نأمل ان يكون التحقيق الدولي جاداً وتتمخض عنه نتائج فعلية، ويتمكن مجلس الأمن من تنفيذها ومحاسبة كل من ارتكب الجرائم بحق الشعب السوري«.

ورأى البحرة أن «المشكلة اليوم ليست السلاح الكيميائي فقط بل أيضاً السلاح التقليدي والبراميل المتفجرة التي تحصد يومياً أرواح الأبرياء في سوريا«.

ومن المفترض أن تكون سوريا قد دمرت ترسانتها الكيميائية وفق اتفاق روسي - أميركي تم التوصل اليه في أيلول 2013 وتحول الى قرار صادر عن مجلس الأمن الدولي، إلا أن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أفادت أن غاز الكلور السام استخدم منذ ذلك الحين في هجمات في سوريا.

وبحسب المنظمة فإن هجمات غاز الكلور شنت من مروحيات على مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة. والجيش السوري هو الوحيد الذي يمتلك مروحيات.

ولم تحدد المنظمة أي جهة مسؤولة عن الهجمات لكون ذلك لا يقع في نطاق مسؤولياتها.

وبهدف تحديد المسؤولين، تعتمد الأمم المتحدة على خبرة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية التي أجرت تحقيقاً ميدانياً مطولاً حول الهجوم بغاز السارين في آب 2013 قرب دمشق وأسفر عن مقتل 1400 شخص.

ورأى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن مهمة فريق الخبراء «صعبة جداً« في بلاد في حالة حرب، مطالباً «بالتعاون الكامل من كافة الأطراف وبينها الحكومة السورية«.

وبرغم الإجماع في مجلس الأمن، إلا أن شيئاً لا يمنع موسكو من الاعتراض على النتائج التي ستتوصل اليها لجنة المحققين. وفي أي حال لا بد من صدور قرار جديد، قد تعرقله روسيا، في حال أصر الغربيون على فرض عقوبات على النظام السوري إذا وجد مسؤولاً عن تلك الهجمات.

ورأى ديبلوماسيون غربيون في دعم روسيا لمشروع القرار الأخير تغيراً إيجابياً في سياسة موسكو، على أمل أن توافق على مبادرتين أخريين قيد البحث، الأولى عبارة عن مشروع قرار فرنسي يدين استخدام البراميل المتفجرة ضد المدنيين، والثاني بيان دعم لمبعوث الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا الذي اقترح خطة جديدة للسلام.

وبحسب السفير الروسي، «من المرجح» أن يتم اعتماد هذا البيان بداية الأسبوع المقبل، «ليكون عبارة عن أول وثيقة سياسية حصراً حول الأزمة السورية يصادق عليها بالإجماع«.