بعدما بلغت أزمة الحكم المتناسلة من صلب الشغور الرئاسي «مرحلة تنذر بسقوط الجمهورية» كما حذر المطارنة الموارنة أمس في معرض دعوتهم كافة الكتل النيابية إلى الحضور إلى البرلمان لانتخاب رئيس للبلاد «بالطريقة الديموقراطية الدستورية»، بدأت ترتسم في الأفق السياسي ملامح قناعة لدى الفريق المسؤول عما آلت إليه الأمور الوطنية من أزمات متلاحقة سياسياً واقتصادياً ومالياً وحياتياً واجتماعياً وبيئياً بوجوب حلحلة القيود التعطيلية المفروضة على المؤسسات لتدارك ما يمكن تداركه في سبيل الحؤول دون انهيار الدولة على رأس الجميع. ومن هذا المنطلق برزت خلال الساعات الماضية معالم حلحلة قيد الإنضاج لإخراج الملفات الحيوية العالقة من عنق زجاجة التعطيل تشمل في طياتها إنجاز حلول مرحلية لأزمة النفايات «خلال 72 ساعة» كما وعد رئيس الحكومة تمام سلام خلال جلسة مجلس الوزراء أمس، والتوافق على «سلة» حلول تشريعية حكومية لملف التعيينات العسكرية والأمنية. وعلى نية مناقشة المقترحات اللازمة لمخارج الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد، التأم حوار عين التينة أمس بين «تيار المستقبل» و«حزب الله» وتركز البحث في جولته السادسة عشرة «على سبل إيجاد مخارج للأزمة وأبرزها ما يتصل حكومياً بملف التعيينات» وفق ما أوضحت مصادر رفيعة في التيار لـ«المستقبل»، مع تأكيدها أنّ أي اتفاق لم يتبلور خلال الجلسة.

ورداً على سؤال، لفتت المصادر إلى أنّ «حزب الله لا يتصرف كوسيط في الأزمة بل كطرف إلى جانب النائب ميشال عون»، إلا أنها أكدت في الوقت عينه أنّ وفد الحزب إلى الحوار «أبدى اهتماماً بالوصول إلى حلول لأزمة التعيينات العسكرية والأمنية».

بيان الحوار

وإثر انتهاء جلسة الحوار التي عقدت بمشاركة مدير مكتب الرئيس سعد الحريري نادر الحريري والوزير نهاد المشنوق والنائب سمير الجسر عن «تيار المستقبل»، وعن «حزب الله» المعاون السياسي للأمين العام للحزب حسين الخليل والوزير حسين الحاج حسن والنائب حسن فضل الله، بحضور الوزير علي حسن خليل، صدر عن مقر الرئاسة الثانية بيان مقتضب جاء فيه: «ناقش المجتمعون مقترحات للمخارج المتداولة للأزمة السياسية التي تمر بها البلاد وعدد من الملفات الحياتية التي تهم المواطنين».

مجلس الوزراء

بالعودة إلى مجريات مجلس الوزراء، فقد استهلها رئيس المجلس بالتأكيد على كون «أحد الخيارات التي تجري دراستها بعناية لمعالجة أزمة النفايات هو خيار التصدير إلى الخارج» واختتمها بالإشارة إلى أنه «في غضون يومين أو ثلاثة أيام ستتبلور حلول مرحلية لملف النفايات وستعرض على اللجنة الوزارية بحيث تنتهي معها المشاكل الآنية المتأتية من هذا الملف». بينما ذكّر سلام في مقاربته الوضع المالي الضاغط على الدولة، بالطابع المُلحّ لموضوعي إصدار سندات خزينة والرواتب، مشدداً في هذا السياق على وجوب عدم خسارة هبات وقروض بقيمة 743 مليون دولار أميركي بعدما باتت مهددة بسبب عدم إصدار المراسيم والقرارات الخاصة بها.

وأوضحت مصادر وزارية لـ«المستقبل» أنه حين انتهى رئيس الحكومة من إثارة الوضع المالي في البلاد ومن ثم عاد فأكد وزير المالية علي حسن خليل على الموضوع، لم يعلّق أي من الوزراء «لا سلباً ولا إيجاباً»، ثم انتقل النقاش فوراً إلى ملف التعيينات العسكرية والأمنية فبادر وزير الدفاع سمير مقبل إلى طرح سلّة تعيينات جديدة تشمل 5 أسماء مرشحين موارنة لموقع قائد الجيش و5 دروز لرئاسة الأركان في الجيش و5 سُنّة لمنصب الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع. عندها اعترض الوزير جبران باسيل على الخطوة متوجهاً إلى مقبل بالقول: «تطرح أسماء تعلم سلفاً عدم وجود توافق على أي منها»، وأردف متسائلاً: «هل تريد طرح حل أم مشكلة؟»، وأضاف: «تاريخياً لا يوجد ما يضطر وزير الدفاع إلى طرح أسماء مرشحة لهكذا تعيينات على طاولة مجلس الوزراء للاختيار بينها لأنه لم يسبق أن حصل الأمر من دون توافق سياسي مسبق خارج المجلس»، ثم طلب كل من باسيل والوزير محمد فنيش «التريث في بتّ الموضوع بانتظار تبلور نتائج المساعي الجارية حالياً للتوافق». وهو ما أكد عليه الرئيس سلام مؤيداً إعطاء فرصة للمساعي الجدية الحاصلة في هذا الإطار.

ونقلت المصادر أنّ الوزير بطرس حرب طلب الكلام رداً على مداخلة باسيل فقال: «ما يعنيه كلامكم أنه إما تكون التعيينات مثلما تريدون أو لا تكون؟ إذا بقيت الحكومة تجتمع من دون أن تكون قادرة على اتخاذ القرار فأنا لن أستمر بحضور اجتماعاتها». بدوره، علّق الوزير رشيد درباس بالقول وفق المصادر الوزارية: صحيح لا يجوز تفصيل قرارات الحكومة على قياس أشخاص وأستشهد هنا بالقانون الذي سنّه الجنرال فيليب بيتان بشكل يناسب حاجات البستاني الذي يعمل لديه ولذلك عرف هذا القانون في حينه باسم «loi du jardinier».

بو صعب

من جهته أوضح وزير التربية والتعليم العالي الياس بو صعب لـ»المستقبل» أنّ هناك سلة حلول توافقية جاري النقاش حولها تشمل «الموافقة على التشريع في مجلس النواب والتزام آلية عمل في مجلس الوزراء ترتكز على التوافق من دون تعطيل، بالإضافة إلى رفع سن التقاعد للضباط في المؤسسة العسكرية»، مشدداً على كون هذه الصيغة تحتاج إلى أيام لتتبلور نتائجها التوافقية نهائياً.

ورداً على سؤال، أشار بو صعب إلى أنّ «العميد روكز كان قد رفض سابقاً طرح رفع سن التقاعد كما رفضه العماد ميشال عون، لكن ما هو مطروح حالياً هو القيام بهذا الأمر من خلال سنّ قانون في مجلس النواب لعدد من الضباط بحسب الحاجة وليس بالضرورة كل الضباط المعنيين الذين سيتم الاكتفاء بإعطاء بعضهم حوافز مالية».

تأجيل التسريح

وبعيد منتصف الليلة الماضية، أفيد عن توقيع وزير الدفاع قرار تأجيل تسريح كل من قائد الجيش العماد جان قهوجي ورئيس الأركان اللواء وليد سلمان والأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد خير لمدة عام. في وقت أكدت مصادر وزارية لـ«المستقبل» أنّ هذا القرار لا يعني انفصاله عن واقع التسوية الجاري العمل على بلورتها، لافتةً الانتباه إلى أنّ الجزء المتبقي من الأسماء المنوي تأجيل تسريحها ينتظر الاتفاق على تحديد موعد لعقد جلسة تشريعية يُصار خلالها إلى إقرار قانون خاص بذلك.