كشفَت مصادر واسعة الاطّلاع لـ«الجمهورية» أنّ رئيس الحكومة تمام سلام استغرب بشدّة مواقف بعض القيادات السياسية، ولا سيّما موقف «حزب الله» الذي كشف عن تناقضٍ يجافي المنطق من خلال دعم مطالب رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون والحكومة في الوقت نفسِه، على رغم حجم الفوارق في المطالب والغايات والنيّات، معتبرةً أنّها مواقف مزدوجة تؤدّي الى تفجير الحكومة واستمرار تعطيلها من دون هدف واضح سوى استمرار الشَلل فيها، وهي التي لم تقرّر في أيّ ملف ألقِيَ على عاتقها على رغم حجم الملفات المطروحة ونتائجها الكارثية على مصالح الناس البيئية والصحّية والإجتماعية والزراعية والصناعية والسياحية.

وقالت المصادر إنّ الأمر لا يقف عند ملفّ النفايات، فمصيرُ البَلد بأكمله على المحكّ، وهناك أمور مطروحة للبحث يَجري العبَث بها، ما سيؤدّي حتماً إلى انفجار إجتماعي واقتصادي لا تقَع مسؤولية مواجهته على رئيس الحكومة وبعض الوزراء فحسب، إنّما المسؤولية جماعية ولا يمكن لأحدٍ التهرّب من تحَمّلِها، فالجميع شرَكاء في الحكومة، وهي ليست رئيساً ووزيرَ بيئةٍ فحَسب.

هولاند

وكانت رسائل الدعم لسَلام تواصلت، وقد تلقّى اتّصالاً هاتفياً من الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أكّد له دعمَ فرنسا للبنان ولمؤسساته الشرعية. وجرى خلال الاتصال عرض للأزمة الحكومية وانعكاساتها. وأسفَ هولاند «لاستمرار الشغور في موقع رئاسة الجمهورية، وعدم تمكّن القوى السياسية اللبنانية من التوافق على انتخاب رئيس جديد».

وأشادَ بحكمة سلام، معرباً له عن «مساندته الكاملة له في جهوده الرامية إلى الحؤول دون تسَلّل الشللِ الى مؤسسة مجلس الوزراء». وأكّد «استمرار فرنسا في تطبيق خطة تسليح الجيش والقوى الأمنية في لبنان التي أقرّت بموجب الهبة السعودية».

وقرأت مصادر حكومية وديبلوماسية لـ»الجمهورية» كلامَ هولاند من زاويتين مهمّتين: الأولى الدعم السياسي لحكومة سلام، والثانية دعوة واضحة لوقف الجدل الحاصل حول الهبة السعودية بملياراتها الثلاثة، بعدما أكّد لسلام أنّها قيد التنفيذ دون أيّ تراجع فرنسي أو سعودي، وهي تسير وفقَ البرنامج المرسوم بدقّة متناهية في اتّفاقيات بين ثلاث دوَل، واحدة منحَت المال وثانية السلاح وثالثة ستتلقّاه. مؤكّداً أنّ «الجيش سيَحصل على الأسلحة المتطوّرة والمتنوعة وفق اللوائح التي وضعَتها قيادة الجيش وليس أيّ طرَف آخر».

مِن جهته، أكّد السفير البريطاني طوم فليتشرالذي زار السراي الحكومي مع وزير الدولة للتنمية الدولية البريطاني ديسموند سوين، تضامُنَ بريطانيا مع سلام «في إدارته لهذه الظروف الصعبة، وهو قائدٌ يَعرف كيف يدير الأمور بشكل جيّد وشجاع»، ولفتَ إلى أنّ لبنان يمرّ «بمرحلة تَحَدٍّ، ولا يجوز المسّ باستقرار البلد، ومِن المهمّ جداً في الوقت الراهن أن تتعاون كلّ القوى مع بعضها لتعزيز المصلحة الوطنية، كما يحاول الرئيس سلام أن يفعل».

بدوره، أكّد وزير الخارجية المصري سامح شكري في اتّصال أجراه بسلام دعمَ بلاده الكامل للحكومة اللبنانية، حِرصاً على استقرار لبنان». وأبدى المتحدّث باسم وزارة الخارجية المصرية بدرعبد العاطي «قلقَ مصر إزاء ما يبدو من تأزّم للوضع السياسي في لبنان»، موضحاً أنّ «هناك ضرورة لدعم عمل الحكومة اللبنانية، بصرفِ النظر عن أيّة خلافات سياسية أخرى»، ودعا «القوى السياسية اللبنانية الى الحرص على تفعيل العمل الحكومي حفاظاً على المؤسسات الدستورية للدولة اللبنانية، ومنعاً لفراغ يهدّد استقرار هذا البلد الشقيق، وسط ظروف إقليمية مضطربة تدعو دوَل المنطقة للعمل على تطويق الأزمات وعدمِ السماح بزيادتها».

بوفاعور

وطالب وزيرُ الصحّة وائل ابوفاعور بتأجيل جلسة مجلس الوزراء المقرّرة اليوم، وناشَد سلام «إعطاءَ فرصة للاتّصالات وتأجيل الجلسة، وقال: «طرَحنا كوزراء لـ»اللقاء الديموقراطي»، بتكليف من النائب وليد جنبلاط، على الرئيس سلام هذا الأمر، وطلبنا منه أن يعطيَ هذه الفرصة، منعاً للدخول في نقاش تَختلط فيه الأمور بين النفايات والصلاحيات وتأجيل جلسة الغد (اليوم).

قزّي

وقال وزير العمل سجعان قزّي لـ«الجمهورية»: «إنْ لم يكن هناك موعدٌ لجلسة مجلس الوزراء فكان يجب ان نعيّن موعداً، فكيف الحال والموعد قائم؟ ولا يجوز التفكير بإلغائه، وكأنّنا نقول للناس إنّنا لا نهتمّ بشؤونهم وليعيشوا مع النفايات».

ولدى القول إنّ التأجيل هو لإفساح المجال لمزيد من الاتصالات لمعالجة قضية الآليّة، أجابَ قزّي: «لدينا قضايا أخرى نَبحثها في مجلس الوزراء ونستطيع، فلماذا نريد نقلَ المسؤولية إلى غيرنا؟، يجب على الحكومة أن تأخذ القرارات، فالجيش تحت سلطتِها، والدرك تحت سلطتها، والمحافظون والقائمّقامون والبلديات تحت سلطة الحكومة، فإنْ لم يكن القرار عندها فأين هو؟ هل هو في الصالونات والمصارف والغرَف المغلقة؟

وكان قزّي زار أمس وزير الصحة وائل ابو فاعور وبحثَ معه في الأزمة الحكومية وفي موضوع النفايات وفي مخصّصات وزارة الصحة للمستشفيات الخاصة والحكومية، لا سيّما في المناطق المسيحية.

ترّو

وأكّد عضو «اللقاء الديموقراطي» النائب علاء الدين ترّو لـ»الجمهورية» أنّ معالجة أزمة النفايات مسؤولية الحكومة التي يجب أن تجد المطامر وتُجري المناقضات، فالتراكم الحاصل منذ سنوات، مِن تمديد إلى تمديد هو ما أوصَل الوضع إلى ما هو عليه اليوم، فبعدما مدّدوا لمطمر الناعمة حتى 17 تمّوز، حلَّ هذا الاستحقاق من دون أن يكونوا فعلوا شيئاً، لذلك تجمّعَت النفايات في الشوارع والساحات والأزقّة في بيروت والضاحية الجنوبية وفي كلّ القرى والبلدات، لأنّ أيّ بلدية لم تكن جاهزة أو لديها الإمكانات للقيام مقام «سوكلين».

وقد حاولَ رئيس الحزب النائب وليد جنيلاط بجرأته وشجاعته المعهودة مساعدةَ الرئيس سلام في حلّ الموضوع انطلاقاً مِن رغبته في الحفاظ على بيروت ونظافتها وبيئتها، لكنّه بصراحة اصطدمَ بموقف الأهالي الرافض إيجادَ مطمر في منطقة سبلين أو الإقليم أو في أيّ مكان آخر، مثلما رفضَ غيرُهم من الأهالي في عكّار وخلدة وبرج حمّود، فالجميع رفضَ موضوع المطامر، وجنبلاط فعلَ ما عليه ويا ليتَ كلّ شخص يحاول أن يفعلَ مثله. وعن الاتّهامات التي طاولَت جنبلاط، أجاب ترّو: «هم أحرار، في النهاية هذه سياسة، فالنفايات تنبَعث روائحُها والبعض يَشتغل سياسة».

ملفّ النفايات

وقد التأمَت أمس اللجنة الوزارية الخاصة بأزمة النفايات في السراي برئاسة سلام في اجتماعين نهاراً ومساءً على وقع صدامات وقطع طرقات، ومواجهات أدت إلى سقوط جرحى.

وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» إنّ سلام كان واضحاً في الاجتماع النهاري لجهةِ تحميلِ الجميع مسؤولية ما آلت إليه التطورات، معتبراً أنّ تَركَ الملف على عاتقِه وعاتق وزير البيئة أمرٌ مرفوض. فالملف هَمٌّ حكوميّ شامل، وليس منطقياً أن يتصدّى للأزمة رؤساءُ أحزاب، ملمِّحاً إلى الجهد الذي بَذله رئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميّل ووزراء الحزب سعياً وراءَ الحلول الموَقّتة القابلة للتطبيق، فيما يَتنافس بعضُ الوزراء على وضعِ العصيّ في الدواليب، وكأنّ الموضوع يَقتصر على تحميل وزير من الوزراء المسؤولية دون غيره، عِلماً أنّ ملفّاً بهذا الحجم لا يُقاس بصلاحية وزير أيّاً كانت قدراته الخارقة، فالمسؤولية تقع على عاتق الجميع. وطلبَ سلام من الجميع وممَّن لديه كلمة أمام البلديات وسكّان المنطقة تحَمّلَ مسؤولياتهم، وأعطى مهلة ساعاتٍ فصَلت بين الاجتماع الذي عقِد ظهراً واجتماع المساء للعودة بالمقترحات القابلة للتنفيذ.

الاجتماع المسائي

وبعد انتهاء اجتماع اللجنة الوزارية ليلاً قرّرت بالإجماع ما يلي:

1- إعطاء التعليمات للبَدء فوراً بإزالة النفايات من شوارع بيروت.

2- توزيع متوازن لنفايات بيروت الكبرى وجبل لبنان باستثناء قضاء جبيل، على مواقع جديدة مستحدَثة.

3- إنشاء غرفة عمليات متفرّغة في مجلس الإنماء والإعمار لمتابعة الخطوات التنفيذية.

4- إقرار حوافز ماليّة للبلديات التي تقع المواقع المختارة في نطاقها.

5- إستكمال إجراءات تقييم عروض المناقصات المقدّمة للمناطق كافّةً كما هو مقرّر في 7 آب المقبل.

6- المباشرة بالإجراءات التنفيذية لإعلان مناقصة بناء مراكز للتفكّك الحراري خلال شهر آب المقبل، وتَستأنف اللجنة اجتماعاتها المفتوحة بعد ظهر غد».

وعلمت «الجمهورية» أنّ سلام أبدى في بداية الاجتماع استياءَه الشديد إثرَ رمي عددٍ مِن الشبّان يستقلّون درّاجات نارية النفايات قربَ منزله في المصيطبة، وقد استنفرَ هذا الأمر الوزيرَ حسين الحاج حسن الذي رفضَ ما حصل بطريقة لافتة جدّاً، وكذلك فعل الوزير علي حسن خليل، وعندما سألَ سلام: هل هذه رسالة موجّهة إليّ شخصياً؟ وهل هناك مَن يريد الضغط عليّ لكي أستقيل مِن وراء ملفّ النفايات؟

رفضَ الوزيران هذا الكلام وباشَرا باتّصالات مباشرة مع الرئيس نبيه برّي والسيّد حسن نصرالله ليؤكّدا رفضَ «حزب الله» وحركة «أمل» ما حصَل. وقد سُجّلت اتّصالات من داخل الاجتماع على أعلى المستويات لوضعِ الحادث في إطار فرديّ وتقديم الاعتذار من الرئيس تمّام سلام والتأكيد أنّ هؤلاء الشبّان لا يمثّلون أحداً، عندها هدأ سلام وتابعَ المجتمعون النقاش.

وعلمَت «الجمهورية» أنّ عددَ المطامر التي تمّ الاتفاق عليها هو ثلاثة، مرجَّحة أن تزيد، ولن يعلَن عنها ريثما يتمّ تأمينها وتأمين الوصول إليها بشكل سليم، على أن تُجَمَّع النفايات في مستودع كبير تابع لـ»سوكلين» بواسطة شاحنات وجرّافات لتُجَمَّع في مكان معيّن وتغَطّى بالشوادر تمهيداً لبَدء نقلِها إلى المطامر المستحدثة.

إلى ذلك، علمت «الجمهورية» أنّ سلام وبَعد ظهر السبت الماضي كان قد حضَّر استقالتَه على خلفية ما حصلَ في الجيّة، واعتبر أنّ قوى سياسية أساسية تمارس معه ازدواجيةً في المواقف، وشعَر بأنّ هناك من يدفعه الى الاستقالة من خلال الرسائل التي كان أقواها ما حصلَ في الجيّة.

مصادر وزارية أكّدت لـ«الجمهورية» أنّ ملف النفايات سينعكس إيجاباً على أجواء جلسة مجلس الوزراء اليوم من دون أن يعنيَ ذلك حلّاً لأزمة الحكومة. وقالت إنّ ما حصل اليوم هو خطوة على طريق الإنجاز في ملف النفايات، لكنّها أكّدَت أنّ كلّ الاتصالات التي حصلت شَملت حصراً ملفّ النفايات ولم تتناول جلسة اليوم، وبالتالي فإنّ ساعات الليل وما قبلَ ربع الساعة الأخير لانعقاد الجلسة، إذا ما حصلت، فإنّها قد تُبلوِر الصورة، عِلماً أنّ سلام لا يزال عند موقفه بأنّه لن يصبرَ طويلاً وسيعلن قراره الحاسم خلال ساعات إذا لم يتمّ الاتّفاق على حلّ سياسي للأزمة الحكومية.

التعيينات

وعشيّة جلسة مجلس الوزراء، قفَزت التعيينات العسكرية والأمنية إلى الواجهة مجدّداً، وبرزَت زيارة وزير الدفاع سمير مقبل إلى الرابية وكليمنصو وبكفيا أمس، حيث التقى عون وجنبلاط بحضور أبوفاعور، والرئيس أمين الجميّل، على أن يزور قريباً رئيسَ حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع والرئيس فؤاد السنيورة.

وقال مقبِل بعد لقائه عون: «جئتُ اليوم، لأسألَ خاطر العماد عون، وتمَّ البحث في الأوضاع الراهنة التي يشهدها البلد في العمق».
وقال: «إنّ الجنرال هو مئة بالمئة مع التعيين، وأنا شخصياً أيضاً مع التعيين. وإذا لم يتمّ التوافق والتعيين، عندها سنرى، كما قال العماد عون في حينه». وختمَ قائلاً: «إنْ شاءَ الله خيراً».

وقالت مصادر مطّلعة لـ«الجمهورية» إنّ هدفَ مقبِل مِن الجولة لفتُ الجميعِ إلى أنّه لا يَعترض على التعيين لقادةِ جُدد في المواقع العسكرية، لكنّه أكثرُ واقعيةً مِن غيره، حيث إنّ الظروف السياسية المعروفة لن تحقّقَ له هذه الأمنية ولا تتجاوب مع رغبات البعض، ومنهم عون أو غيره، ذلك أنّ هناك أطرافاً أخرى تريد ما يريده رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح»، وليس في الأمر مؤامرة كونية عليه وعلى مَن يريده في هذه المواقع.
وقالت المصادر إنّ نهاية جولة مقبل ستنتهي بعبارة تَختصر النتائج المتوقّعة وتَختصر بعبارة «اللهمّ أشهد أنّني بلّغت».

الجبير

وفي سياق آخر، أكّد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، عقبَ لقائه وزيرةَ خارجية الاتّحاد الاوروبي فيديريكا موغيريني، «أنّنا تحدّثنا عن الأزمة العراقية والأوضاع في العراق والحرب على داعش»، مشيراً إلى «أنّنا بَحثنا أيضاً الأوضاع في اليمن والهدنة الإنسانية التي طلبَها الرئيس اليمني عبد ربّه منصور هادي».

وفي مؤتمر صحافي مشترَك مع موغيريني، لفتَ الجبير إلى «أنّنا تحدّثنا عن أهمّية إيجاد حلّ سياسي لنقلِ اليمن إلى مستقبل أفضل»، موضحاً «أنّنا تحدّثنا أيضاً عن الأوضاع في ليبيا وضرورة إيجاد سُبل تحقيق الاستقرار في البلاد».

وأشار إلى «أنّنا تحدّثنا عن الملف النووي الإيراني، وشرحَت لي عن منع إيران من امتلاك سلاح نووي، وآليّة إعادة العقوبات على إيران في حال أخَلَّت بالاتفاق».

وأعربَ الجبير عن «استنكار بلادِه للتصريحات العدوانية لعددٍ من المسؤولين الإيرانيين، والتي تثبت تدخّلات إيران في دوَل المنطقة»، مشيراً إلى «أنّنا استنكرنا تهديدات إيران للبحرين واعتبرنا أنّ ذلك لا يمثّل مطالبة بحسنِ الجوار».