لا يعوّل المراقبون كثيراً على جلسة مجلس الوزراء المقرّرة غداً، على رغم أنّ المعنيين يعتبرونها مفصلية، خصوصاً أنّ رئيس الحكومة لم يسحَب من التداول خيارَي الاعتكاف والاستقالة.

وقالت مصادر معنية بالأزمة الحكومية لـ«الجمهورية» إنّ توَجّه سلام إلى الاستقالة أو الاعتكاف جدّي، لكنّه يتعرّض لضغوط كثيرة مصدرُها مرجعيات دولية رفيعة من مستوى رؤساء وديبلوماسيّين وأمَم متّحدة، لثَنيِه عن هذه الخطوة، لأنّ الوضع لا يتحمّل استقالة الحكومة في هذه المرحلة، ليس فقط بسبب الشغور الرئاسي، وإنّما أيضاً لأنّ البلاد مقبلة على تطوّرات تفرض أن يكون حضور لبنان فاعلاً، ولو بالحدّ الأدنى، لمواكبة التطوّرات الإليمية، لكي لا تأتي أيّ حلول على حسابه، على خلفية الاتفاق النووي بين إيران والدوَل الغربية.

وتحدّثَت هذه المصادر عن أنّ كلّ هذه التحرّكات الهادفة لإنهاء الأزمة الحكومية لا تزال بلا بركة، ما يَعني أنّ ملفَّي آليّة اتّخاذ القرار في مجلس الوزراء والتعيينات الأمنية والعسكرية ما زالا جامدَين بسبَب تمسّك الأفرقاء المعنيين كلٌّ بموقفه ولم يتزحزح قيدَ أنملة عنه.

ولفتَت المصادر إلى أنّ الرئيس سعد الحريري ورئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط دخلا بقوّة على خط الأزمة وأجرَيا اتّصالات عدّة بسلام، في الوقت الذي فهمَ الجميع ما بات عليه موقف رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون مِن خلال ما عبَّر عنه السيّد نصر الله في دعوته تيّار «المستقبل» إلى النزول «من برجه العاجي» والتحاور مع «التيّار الوطني الحر»،

سلام: يدٌ واحدة لا تصَفّق

وجزَم سلام أمام زوّاره أمس في أنّه ما يزال يُعِد العدّة لجلسةِ مجلس الوزراء المقرّرة غداً لتكونَ مثمرة، على أمل أن تنتهي المناورات الجارية على «حدّ السكّين» مخافة أن تتطوّر المواقف في اتّجاه تطيير الحكومة وشَلّها نهائياً على الرغم من حجم الملفّات المطروحة على اللبنانيين والتي يجب مقاربتُها بكثير من العناية والاهتمام.

ولفتَ سلام إلى خطورة المرحلة، مؤكّداً أنّه لن يتأخّر دقيقة واحدة عمّا هو مطلوب منه، أيّاً كانت التضحيات، «لكنّ الأمر لا يستقيم من طرَف واحد، فيَدٌ واحدة لا تصَفّق، والمطلوب أن تتضافرَ الجهود لمواجهة التطوّرات، وإلّا سنكون أمام مأزق حقيقي يهدّد ما تبَقّى مِن مظاهر الدولة».

وأشار سلام إلى أزمة النفايات، فقال: «أمامنا ساعات لترجَمةِ المخارج التي تمّ التوصّل إليها بجهدِ المعنيين في وزارة البيئة والأطراف التي تضامنَت وعملَت للوصول إلى حلول موَقّتة لإنقاذ المواطنين من هذه الكارثة الحقيقية. وفي وقتٍ قياسيّ يمكن أن تعطيَنا فسحةً لنقرّر في ما يمكن القيام به للوصول إلى حلول طويلة الأمد».

وأضاف: «بعد الوصول إلى طيّ مرحلةِ ترجمةِ التفاهمات الأخيرة في شأن النفايات سنَصل إلى جلسة الحكومة نهار الغد، وفي انتظار ما ستحمله من وقائع يمكن أن نتّخذَ القرار المناسب في حينِه، ولكلّ حادث حديث».

وتابَع سلام: «يقال إنّهم يخافون أن تُشَلّ الحكومة، فالحكومة مشلولة ولم تتّخذ قراراً منذ فترة طويلة. لقد طوَينا ما اعتبَرناه ملفّات خلافية لفترةٍ طويلة، واعتمَدنا التوافق في كلّ قراراتنا فتطوّرَت الأمور الى شَلّ كلّ شيء.

يقال لنا لا للاستقالة منعاً لشَلّ آخِر المؤسسات الدستورية، فيما الواقع القائم يقول صراحةً إنّ الحكومة مشلولة منذ زمن ولم نبحَث في أيّ بندٍ مِن بنود جدول الأعمال منذ ما قبل جلسة 4 حزيران الماضي بأسبوع وإنّ كلّ الاتّصالات الجارية لا تدلّ على احتمال الخروج من هذا الواقع ولكن لمصلحة مَن؟».

وقال سياسيّون التقوا سلام لـ«الجمهورية» أمس «المشكلةُ أنّ الجميع يصِرّون على سلام للمضيّ في تحَمّلِ المسؤوليات الملقاة على عاتقه كرئيسٍ لآخر مظهَر مِن مظاهر السلطة والمؤسسات الدستورية في ظلّ الشغور الرئاسي، ولكنّ أحداً لم يحمل صيغةَ حلّ أو مخرّج لأيٍّ مِن الملفات العالقة.

«14 آذار»

وفي موازاة ذلك استغربَت مصادر قيادية في قوى 14 آذار التهويلَ على رئيس الحكومة لثنيِه عن ممارسة حقّه بالاستقالة في حال إصرار الفريق الآخر على التعطيل والابتزاز ومحاولة كسرِ إرادة رئيس الحكومة والحكومة مجتمعةً.

ودعَت المصادر الطرفَ المعطّل إلى الالتزام بالنصوص الدستورية التي تقول بحكمِ الأكثرية، وأكّدَت أنّ التلطّي خلفَ هذه الآلية أو تلك من أجل التعطيل مرفوض، وقالت إنّ دورَ «أمّ الصبي» إمّا يَنطبق على الجميع أو لا ينسحب على أحد، وقالت إنّ الاستقالة لا تعني الدخولَ في المجهول، لأنّ حكومة تصريف الأعمال ستكون أفضلَ مِن الوضع الحالي بعشرات المرّات، وذكرَت بما قاله المرجع الدستوري الدكتور حسن الرفاعي لـ«الجمهورية» بأنّ «حكومة تصريف الأعمال في حالتنا الحاضرة يمكنها أن تجريَ استشارات لاختيار رئيس الحكومة»، ما يَعني أنّ الأمورَ غير مقفَلة كما يحاول البعض تصويرها.

«8 آذار»

إلى ذلك، أكّدَت مصادر قيادية في 8 آذار لـ«الجمهورية» أنّ المعالجات السياسية غائبة لمصلحة ملفّ النفايات والوضع السياسي لا يزال يراوح مكانه والجميع ذاهبون الى جلسة الغد من حيث انتهَت الجلسة الأخيرة من دون أيّ خَرق، وبالتالي فإنّ كلّ الاحتمالات لا تزال مفتوحة.

وإذ أكّدَت هذه المصادر أنّ سلام انخفضَت حدّة توتّرِه في ملف النفايات، أشارت إلى أنّ قراره لا يزال يلفُّه الغموض، وأنّ الأمورَ رهنُ مسار التطوّرات لكن بعد حلّ أزمة النفايات.

جرَيج

وفي المواقف، قال وزير الإعلام رمزي جريج لـ«الجمهورية»إنّ جلسة مجلس الوزراء غداً «هي جلسة حاسمة بالنسبة الى بتّ آليّة العمل، حيث سنستكمل البحث في المقاربة التي اعتمدها الرئيس سلام». ولم يستبعد إمكان «حصول حَلحَلة واتّفاق على آليّة معينة إذا أصيبَ الفريق المعطّل بصحوةِ ضمير»، ورأى «أنّ وضعَ البلد لا يتحمّل فراغاً وشلَّ عملِ الحكومة».

وإذ أشار إلى أنّ لدى سلام«خيارات عدّة» تمنّى «أن لا يكون الخيار الصعب بات وارداً عنده، لأنّنا لا نريد الوصولَ إلى الفراغ، ولكنّ الرئيس سلام حريص على هيبة الحكومة وعلى عملِها وعلى كرامته الشخصية أيضاً».

وشَدّد جرَيج على أنّ سلام «لا يستطيع البقاء متفرّجاً على حكومة معطّلة، في حين أنّ الحكومة تألّفَت لتسييرِ شؤون البلد، وتحوّلَت منذ الشغور المرجَعيةَ الدستورية الوحيدة التي يمكن أن تسدّ الفراغ ولو جزئياً، فاعتمد مقاربةً تقوم على التوافق في اتّخاذ القرارات ولكنّه أوضَح أنّ التوافق لا يَعني الإجماع ولا التعطيل، ووفقاً لهذه المقاربة صدرَت قرارات كثيرة ووقّعت مراسيم عدة، لكن فجأةً، ظهرَت نغمة مشاركة المسيحيين في السلطة، فالمسيحيّون لم يُعطوا وكالةً حصرية لتيّار سياسي وحيد كي يمثّلهم ويطالب بالمشاركة.

فالمشاركة في السلطة تكون في المركز الأوّل للمسيحيين وهو رئيس الجمهورية، فإذا أرادوا فعلاً تحقيقَ هذه المشاركة فليَذهبوا الى مجلس النواب ولينتخبوا رئيساً بدلاً مِن تعطيل هذا الانتخاب».

أمّا بالنسبة الى آليّة العمل، فإذا شئنا تطبيقَ الدستور فالحكومة تمارس صلاحيات رئيس الجمهورية أثناءَ الشغور وكالةً، وعندما تُناط هذه الصلاحية بهيئة مثلِ مجلس الوزراء، فإنّها تمارس وفقاً للآلية الدستورية التي تنظّم عملَ هذه الهيئة أي المادة 65 من الدستور والتي تنص على اتّخاذ القرارات بالتوافق وإلّا بتصويت أكثرية الحاضرين في المواضيع العادية وأكثرية الثلثين في ما يتعلق بـ 14 موضوعا». وأكّد أنّ سلام «لا يستطيع البقاءَ متفرّجاً أمام هذا التعطيل».

«التكتّل»

وقال عضو «التكتّل» الوزير جبران باسيل إنّ «قبول بعضِنا هو أن نكون شركاءَ على طاولة القرار، شركاءَ في المجلس النيابي ومجلس الوزراء وفي كلّ مؤسسة في الدولة كبيرةً كانت أم صغيرة، هذا هو المفهوم الذي يقوم عليه لبنان، وأيّ مسّ به يَعني إلغاءَ التوازن والتخريب»، مؤكّداً أن» لا أحد يستطيع أن يخيفَنا أو يهوّل علينا بأيّ إجراء يقوم به، لأنّه إنّما يكون يزيد في ارتكابه الأخطاءَ وتعطيل البلد، وهو يتحمّل مسؤولية أخذِ البلد إلى مكان خطأ، ونحن لن نتراجعَ عن حقّ تحت أيّ تهويل أو تخويف، والذي يخاف على البلد لا يخالف الدستور والقانون ولا يمسّ بالشراكة ولا حقوق الناس ولا يمدّ يدَه إلى جيوبهم، ولا يهدر المال العام».

السنيورة

في هذا الوقت، علّقَ رئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة على كلام نصر الله الأخير فرأى أنّه» تضمّن إقراراً بلا مواربة أنّ «حزب الله» هو الذي يحرّك «التيار الوطني الحر» ويقف خلفَ محاولاته ضربَ الاستقرار في لبنان ممّا يؤدّي إلى انحلال الدولة ومؤسساتها».

وقال «إنّ نصرالله أضاف إلى مهمّاته مهمّات جديدة وهي إملاء الأوامر على تيار «المستقبل» بالذهاب إلى حوار مع «التيار الوطني الحر»، لافتاً إلى أنّ السيّد نصرالله نصَّبَ نفسَه خبيراً في معالجة النفايات بنتيجة العمل على شلّ مؤسّسات الدولة من قبَل حزب الله والأطراف الحليفة له، كما نصّبَ نفسَه مرشداً سياسياً فأجلسَ نفسَه في موقع المرشد والآمر والموَجّه والرقيب عندما حاولَ أن يصادرَ مِن رئيس الحكومة حقّ الاستقالة».

حمادة

وفي سياق متّصل قال النائب مروان حمادة لـ»الجمهورية»: «إذا كان من الضروري بقاء الحكومة، فليس بكل تأكيد لتلبية شروط السيّد حسن نصرالله ومطالبِه، بل لأنّ هذه الحكومة ربّما هي الحاجز الأخير دون تحقيق خطّته وخطة حلفائه الآيلة إلى شلّ كلّ المؤسسات الدستورية والدفع بلبنان الى مجهول المؤتمر التأسيسي».

أضاف: «في كلّ الحالات، نصيحتي لتيار»المستقبل» أن لا يقع في فخّ التحاور على الآليّات الدستورية مع «التيار الوطني الحر» لأنّ في ذلك تحقيقاً لما يريد السيّد حسن إظهارَه، وهو أنّ الأزمة القائمة سنّية ـ مسيحية. على العكس، هي نتاج التعطيل المستمر الذي يقوم به تحالف عون ـ نصر الله لكلّ المؤسسات، والمخرج الوحيد هو أن يخرجَ العماد عون من حلمِه المستحيل، ويكفّ السيّد حسن عن تهويله المستمر».

حوري

وبدَوره قال عضو كتلة «المستقبل» النائب عمّار حوري لـ»الجمهورية» تعليقاً على دعوة نصر الله: «أوّلاً، نحن لم نوقِف الحوار مع أحد، لا مع «حزب الله» ولا مع التيار الوطني الحر» .

وثانياً، إنّ الحزب ليس في وضعٍ يَسمح له بإبداء النصائح والتنظير على الآخرين، فهو السبب الأساس ويكاد يكون الوحيد، في شلّ وتعطيل عجَلة البلد وعجلة المؤسسات بما فيها المجلس النيابي والحكومة ومصالح الناس وقضاياهم، وبالتالي على «حزب الله» أن يتصالح مع نفسه أوّلا، وبَعد ذلك يحقّ له إسداء النصائح للآخرين».

وهل سيَذهب سلام إلى الاستقالة؟ أجاب: «زرناه اليوم (أمس) كوفدِ «لقاء بيروت الوطني» وأكّدنا دعمَنا لمواقفِه وشدَّينا على يديه، في المقابل هو يَعتبر أنّه أمام شلّ المؤسسات لن يكون شاهد زور، لكنّه لا يتهرّب من المسؤولية، استعمل تعبير: الصبر الشخصي شيء والصبر في موقع رئاسة الحكومة شيء آخر، يتحمّل ولكنّه يقول ليس إلى ما لا نهاية».

وهل سيَستقيل سلام غداً؟ أجاب حوري: «لم يتحدّث عن مهَل، ونحن دعمناه في موقفه، ولكن من الواضح أنّ لديه موقفاً صلباً، وهو أنّه لا يريد ان يكون شاهد زور إذا استمرّ الأمر على ما هو عليه».

نفايات بيروت مرفوضة

وعلى صعيد أزمة النفايات، لم تمرّ الخطة التي أعلنَها وزير البيئة محمد المشنوق لمعالجة أزمة تكدُّس النفايات في بيروت على خير. وما إن باشرَت شاحنات «سوكلين» في نقلِ النفايات التي تمّ جمعُها ورفعُها من شوارع العاصمة في اتّجاه منطقة إقليم الخرّوب، وتحديداً لرَميها في كسّارات سبلين والجيّة، حتى نزلَ عددٌ مِن أهالي إقليم الخروب على الطرُق وأقفلوا الطريق أمام شاحنات النفايات بواسطة شاحنات محمّلة بالردميات والحجارة أفرغوها وسط الأوتوستراد الساحلي في الجيّة على المسربَين.

ونصبَ الأهالي الخيَم على جوانب المسرَب الغربي للأوتوستراد، مؤكّدين استمرارَ الاعتصام حتى عودة الحكومة ووزارة البيئة عن قرارهما بنقل النفايات الى منطقة إقليم الخرّوب.

هذه الأجواء، استدعَت عقدَ اجتماع طارئ في وزارة الداخلية، بين وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق ورؤساء اتّحاد بلديات إقليم الخرّوب، بحضور وزير الزراعة أكرم شهيّب. وأشار المشنوق إلى أنّ «الاجتماع كان جدّياً وضرورياً ولو جاء متأخّراً»، وأكّد أنّ «لا شيء سيَحصل في الإقليم له علاقة بالنفايات، مِن دون موافقة الأهالي».

من جهته، أكّد شهيّب أنّ «مشكلة النفايات موجودة وليست جديدة ولا مساحات في بيروت للطمر أو للمعالجة الفورية». كذلك أكّد السعيَ إلى إيجاد حلّ لأزمة النفايات بطريقة بيئية سليمة.

إثرَ هذه التطوّرات، عُقد في السراي الحكومي اجتماع برئاسة سلام ضمَّ الوزراء: نهاد المشنوق وائل أبو فاعور، محمد المشنوق، علاء ترّو وأكرم شهيّب خُصّص للبحث في ملفّ النفايات.

وليلاً، فتح المحتجون في منطقة الجية، الطريق البحرية، كبادرة تجاه المحتجزين في سياراتهم، ولا سيما العائدين من الجنوب إلى بيروت.