بعد طول انتظار قاطع للأنفاس خنق البلد وعاصمته الصابرة الصامدة أبداً في وجه شتى أنواع البلايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والبيئية، ومن بين براثن التعطيل المتسلطّ على الجمهورية والممعن في تهشيم الدولة وتمزيق مؤسساتها الدستورية، نجح رئيس مجلس الوزراء تمام سلام في اجتراح صيغة «حلّ مرحلي فوري وموقّت» لأزمة النفايات في بيروت وضاحيتيها ومناطق في جبل لبنان بالتعاون مع رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس سعد الحريري ورئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط، تقضي برفع النفايات من هذه المناطق «فوراً» إلى مواقع تم تحديدها من قبل وزارة البيئة وفق ما أعلن المكتب الإعلامي لسلام في بيان قبيل منتصف الليلة الماضية. وأوضح البيان أنّ الصيغة التي تم التوصّل إليها تأتي «استناداً إلى قرار مجلس الوزراء رقم 1 تاريخ 12/1/2015، على أن تبدأ هذه الأعمال فوراً»، بينما سيُستكمل العمل على تقييم العروض الخاصة بالمناقصات التي تم إطلاقها تطبيقاً لهذا القرار الذي أطلق عليه اسم «الخطة الوطنية للإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة» بحيث يليها في أسرع وقت ممكن إقرار دفاتر التلزيم لمناقصات التفكك الحراري في المدن الرئيسية التي يجري الإعداد لها تطبيقاً للقرار رقم 55 الذي اتخذته حكومة الرئيس الحريري في 1/9/2010، والقرارين المكمّلين له رقم 46 في العام 2014 المعدّل بالقرار رقم 1 في العام الجاري وإطلاق المناقصات ذات الصلة.

وفي ضوء الصيغة التي تم التوصل إليها، ستبدأ طلائع حل الأزمة بالتبلور عملياً وستتكشف نتائجه الملموسة تباعاً فارضةً على أكوام النفايات المتراكمة في الشوارع والأحياء أن تلفظ «أنفاسها» الموبوءة الأخيرة بدءاً من الليلة الماضية، ما أتاح بالتالي لبيروت وأهلها «تنفّس» الصعداء في ظل تبشيرهم بانطلاق عمليات «رفع النفايات من المدينة بعدما تم التفاهم على الأماكن التي ستوضع فيها البالات المعالجة» وفق ما أعلن وزير البيئة محمد المشنوق مساءً، مشيراً إلى أنه «تم وضع لوائح بالأماكن التي ستنقل إليها النفايات الموضّبة في بالات، وتسليم هذه اللوائح لرؤساء اتحادات البلديات في المناطق المختلفة». 

الحكومة: لا مبادرات

أما على صعيد الأزمة المستحكمة بآلية العمل الحكومي، فقد برزت إطلالة تصعيدية جديدة لأمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله أمس جاهر فيها بأنّ الحزب «طرف» في الأزمة يتخندق في جبهة «الرابية» السياسية و«ليس وسيطاً» في المواجهة التي يخوضها رئيس مجلس الوزراء لتحرير المجلس من قيود التعطيل المفروضة عليه، مهدّداً في معرض تحذيره سلام من الإقدام على خطوة الاستقالة بأنّ البلد سيدخل إلى «المجهول» وقال: «هذه لعبة خطرة «وحطّوا شحطين» تحت كلمة خطرة».

وبُعيد انتهاء خطاب نصرالله، لفت الانتباه التداول بخبر إعلامي ملفّق عبر وسائل التواصل الاجتماعي يزعم بأنّ الرئيس سلام قدّم استقالته فعلاً وهو في طور إعلانها لاحقاً، غير أنّ المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة سارع إلى نفي «الأنباء التي جرى تداولها عن تقديم استقالته»، مؤكداً أنّ «هذا الخبر عارٍ عن الصحة جملةً وتفصيلاً».

وكانت أوساط سلام قد أكدت لـ«المستقبل» أنّ الأزمة الحكومية «لا تزال على حالها»، مشيرةً إلى أنه «مستاء جداً من الوضع». وفي حين لفتت إلى عدم تلقي السرايا حتى الساعة «أي مبادرة أو صيغة حل» تتيح إعادة تفعيل العمل الحكومي، جددت الأوساط التأكيد على كون «الاتجاه لا يزال هو نفسه بالنسبة لرئيس الحكومة» لناحية التريث حتى جلسة الثلاثاء المقبل مع الإبقاء على خيار «الاستقالة» في حال عدم التوصل خلال الجلسة إلى تفاهم حول آلية العمل الحكومي تنهي مفاعيل التعطيل وتطلق عجلة الانتاجية في المؤسسة التنفيذية.

بدورها، أوضحت مصادر حكومية لـ«المستقبل» أن أياً من «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» لم يبادر إلى طرح أي مبادرة حل للأزمة الحكومية على الرئيس سلام، لافتةً إلى أنه منذ الاشتباك «الإعلامي» الذي افتعله الوزير جبران باسيل في جلسة الحكومة التي انعقدت قبل عيد الفطر وما أعقبها من زيارة قام بها الوزير محمد فنيش إلى السرايا ناقلاً لرئيس الحكومة رسالة «التعويل على حكمته والحرص على حكومته»، لم تُطرح على سلام أي مبادرة فعلية لحل الأزمة لا من جانب الحزب ولا من جانب العونيين إلى أن صدر البيان الشهير لكتلة «حزب الله» البرلمانية الذي عبّر عن مسار تصعيدي جديد للأزمة بدأ الحزب يسلكه علناً في مواجهة الحكومة.

ورداً على سؤال، أكدت المصادر أنه «بغض النظر عما يروّج له المسؤولون في «التيار الوطني الحر» لناحية التقليل من جدية اتخاذ رئيس الحكومة قرار الاستقالة، فإنّ «حزب الله» يعلم جيداً أنّ الرئيس سلام «مش عم يمزح» في هذا المجال، ربطاً بكونه لن يرضى أن يكون حارساً للتعطيل» الحكومي.