وسط ترقّب جلسة مجلس الوزراء الثلثاء المقبل لاستكمال النقاش في آلية العمل الحكومي، وترقّب خطوة رئيس الحكومة تمام سلام المقبلة، بَدا ان لا حلول في الافق لا لأزمة النفايات التي نَفضت الحكومة يدها منها فرَمَت الكرة في ملعب البلديات، ولا لآليّة العمل الحكومي التي يستمر التبايُن حولها، ما حَدا بمصدر سياسي بارز للقول لـ«الجمهورية» انّ الآلية ليست أصعب من «النووي الايراني» الذي أمكن الوصول الى اتفاق حوله بين ايران ودول الغرب.

أوساط سلام

وحذّرت أوساط سلام من استمرار البعض باللعب على حافّة الهاوية لأنّ البلد لا يتحمّل مناورات من هذا الشكل قد تقضي على آخر مقوّمات المؤسسات الدستورية.

وأبدَت المصادر لـ«الجمهورية» ثقتها بأن تُفضي الإتصالات الجارية على أكثر من مستوى الى ترطيب الأجواء لئلّا يؤدي تجميد العمل الحكومي الى شلل غير محمود يمتد من الشغور الرئاسي الى الشلل النيابي فتجميد العمل الحكومي، وهو ما يؤدي الى فلتان غير محسوب النتائج لا يتحّمل مسؤوليته سوى السّاعين الى إدارة البلد بوسائل سلبية تحت شعارات واهية لم تقنع احداً الى اليوم لأنه لم يستطع أحد وضعها إلّا في خانة الكيدية السياسية ولأهداف لا يتلاقى حولها عدد كبير من مكوّنات الحكومة واللبنانيين».

«عملية انتحار موصوفة»

قالت مصادر وزارية تتابع حركة الإتصالات لـ»الجمهورية» انه من المُبكر البحث من اليوم عن مصير الحكومة في جلسة الثلثاء ولا حاجة للندب والتشاؤم. فالتطورات المتسارعة في المنطقة وحجم الإتصالات الجارية ستضعان حدوداً لجموح البعض باتجاه تطيير الحكومة بالحد الأقصى او تجميد العمل فيها على الأقل.

ولفتت المصادر الى انّ الحديث عن استقالة رئيس الحكومة لا تتحمّل مسؤوليته أوساط رئيس الحكومة، ذلك انّ مثل هذه الخطوة عملية انتحار موصوفة لوَطن وليس لشخص رئيس الحكومة ومَن معه من الوزراء الذين أكّدوا حرصهم على الحد الأدنى من التضامن الحكومي الهَشّ أصلاً.

وقالت انّ المشكلة في الموضوع لا تقف عند خطوة دستورية مَحضة، فالجهة التي يمكن ان ترفع اليها هذه الإستقالة لقبولها والطلب اليها الإستمرار في تصريف الأعمال كما يقول الدستور غير موجودة طالما انّ رئيس الجمهورية الذي أنيطَت به هذه الصلاحية الشخصية والفردية لا يمكن تجييرها لأحد بما فيها الحكومة مجتمعة التي تتولى تصريف اعمال الرئيس وكالة في العديد من الصلاحيات التي لا تتجاوز ما هو عام منها الى ما هو شخصي.

وإزاء تشاؤم البعض قالت المصادر انّ عدداً من الوزراء والقيادات السياسية يمكنها ان تعبّر عن آرائها وتَوقّع ما يمكن ان تؤدي اليه تصرفات البعض، إلّا انها لا تمتلك صفة النطق باسم رئيس الحكومة ومكونات عدة منها تراهن على وَعي الأقلية لخطورة استمرار العمل السياسي الكيدي الذي يؤدي الى شَلّ الحكومة في لحظة من اللحظات.

واشارت الى انّ حركة الإتصالات التي توسعت في الساعات الماضية وستستمر في مقبل الأيام ستُثمِر في النتيجة ضبطاً للتطورات والمواقف الحكومية ولا بد ان تحمل الجلسة مخرجاً ما، ذلك انّ مواجهة الإستحقاقات المقبلة على مستوى التعيينات العسكرية في قيادة الجيش ستُوقِف البحث في الآلية الحكومية لتفتح الحديث من جديد حول مسألة التمديد او تعيين البدائل في المواقع العسكرية الأربعة التي ستشغر في المرحلة المقبلة، بدءاً من رئيس الأركان في الجيش في 7 آب المقبل وصولاً الى مدير المخابرات في 20 ايلول المقبل وقائد الجيش في 23 منه وما بينهما مصير اللواء محمد خير الأمين العام لمجلس الدفاع الأعلى، والذي أنيطت به مهمة رئاسة الهيئة العليا للإغاثة منذ فترة.

المرّ: لتحرّك إنقاذي

وقال نائب رئيس مجلس الوزراء السابق النائب ميشال المرّ «انّ الاوضاع التي وصلت اليها البلاد من جرّاء الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية، والشلل في السلطات العامة، ولا سيما منها مجلس الوزراء ومجلس النواب والمجلس الدستوري، بات معها النظام معطلاً ويعاني فراغاً يُطاول كل سلطاته العامة».

ورأى المرّ، في كلمة له خلال الاحتفال بوَضع اللوحة التذكارية على مبنى القصر البلدي الدكوانة ـ ما روكز، أنّ «البلديات والمخاتير والهيئات الاهلية بما انها مجالس محلية مُنتخبة من الشعب، لا يمكنها الوقوف موقف المتفرّج على المأساة التي يعيشها المواطنون». ودعاها الى «تحرّك إنقاذي ربما يساعد على ايجاد بداية الحلول للازمة التي يعيشها اللبنانيون واتخاذ المواقف الوطنية المناسبة».

وقال: «انّ الخطوة المهمة الضرورية التي تحلّ الجزء الاكبر من المشكلات هي ضغوطكم على النواب لحضور جلسات مجلس النواب المخصّصة لانتخاب رئيس الجمهورية». لكنه اشار الى انّ «التحرّك الإنقاذي لا يعني الحلول مكان الجيش والقوى الامنية او محلّ السلطة التنفيذية الممثّلة برئيس الحكومة، لأنّ رئيس الوزراء يقوم بواجبه الوطني على أحسن ما يرام ويعاونه عدد كبير من الوزراء».

ونَوّه المرّ بـ«المواقف التي اتخذتها قيادة الجيش خلال الفترة الاخيرة وأثبتت فيها أنها على مسافة متساوية من جميع الأفرقاء، وانّ مواقفها وقراراتها كانت حكيمة وحازمة عند الحاجة». وقال إنّ القوى العسكرية والامنية مجتمعة تمكّنت من الوقوف في وجه الانعكاسات السلبية للأوضاع في الشرق الاوسط على لبنان.

ودعا المرّ الحكومة الى اتخاذ بعض الخطوات حتى تُمكّن السلطات المحلية من القيام بالدور المطلوب منها، وأبرزها «توزيع اموال الصندوق البلدي المستقلّ بكاملها على البلديات من دون اقتطاع ايّ مبلغ منها للشركات التي تتولى اليوم شؤون النفايات.

وإطلاق يد البلديات والمخاتير في تنظيم جمع النفايات ونقلها الى الاماكن التي يتمّ الاتفاق عليها بين البلديات (محارق ومكبّات) بحيث يتولى اتحاد البلديات تنظيم الحلول وإيجادها لكل قضاء على حدة».

وناشدَ الجميع «التواضع والتنازل عن الكبرياء والتخلّي عن الانانية والهدوء والتروي والعمل بصمت في سبيل وحدة الصف وتحمّل المسؤولية والتضحية والمساعدة على إيجاد الحلول رحمة بالناس، وإعادة الامل اليهم في بناء البلد والحفاظ على الاجيال الصاعدة وحماية المؤسسات الوطنية ودعمها للوقوف في وجه التيارات المتطرفة».

الرفاعي

وسط هذا المشهد، اكّد المرجع الدستوري الدكتور حسن الرفاعي لـ»الجمهورية» أنّ «استقالة رئيس الحكومة بالأساس هي مضرّة لمجرى الحياة السياسية في لبنان، علماً انّ حكومة تصريف الاعمال في حالتنا الحاضرة يمكنها ان تجري استشارات لاختيار رئيس الجمهورية».

لافتاً الى انه «بمجرد ان يتلفّظ رئيس الحكومة بالاستقالة يُعيد الثقة الى من أعطاه إيّاها، أي الى مجلس النواب، فتكون الاستقالة واقعة في موقعها الدستوري».

الّا انّ الرفاعي اقترح على رئيس الحكومة تمام سلام ان يؤلف لجنة من المختصّين في القضاء الاداري والدستوري، وفي طليعتهم الدكتور جوزف شاوول، فتقرر اللجنة كيفية قيام الحكومة باتخاذ القرارات اثناء قيامها بصلاحيات رئيس الجمهوية بالوكالة.

ورأى الرفاعي انّ ممارسات الوزراء الذين يعتبرون ان مجلس الوزراء القائم بالوكالة بصلاحيات رئيس الجمهورية تُتخَذ بالاجماع هو خطأ دستوري كبير، فالقرارات تؤخذ بغياب رئيس الجمهورية كما لو كان حاضراً، أي انّ هناك قرارات تستوجب موافقة ثلثي عدد مجلس الوزراء، وهناك قرارات يُكتفى فيها بالأكثرية المطلقة، اي النصف + 1. فهؤلاء الوزراء مارسوا وفرضوا نظريات تُخالِف كلياً ما اتفق عليه فُقهاً واجتهاداً ودستوراً.

الحكومة التي تقوم بالوكالة بصلاحيات رئيس الجمهورية لها كامل الصلاحيات، باستثناء إرسال رسائل الى مجلس النواب او حلّ مجلس النواب. أمّا ما تبقّى، فالحكومة تتصرف وتتخذ القرارات وكأنّ رئيس الجمهورية موجود، ومن يخالف من الوزراء رأي الاكثرية، أكانت اكثرية الثلين أم اكثرية النصف+1، إمّا ان يرضخ أو يستقيل».

جريج وشبطيني

وكان وزير الاعلام رمزي جريج اعتبر، بعد زيارته السراي الحكومي عصر أمس، انّ رئيس الحكومة لا يمكن بعد الذي حصل خلال الجلستين الماضيتين أن يقف متفرّجاً على مجلس وزراء معطّل، مُبدياً خشيته من أن يتخذ سلام «قراراً صعباً يحافظ ربما على هيبة الحكومة وعلى كرامته ورصيده الشخصي»، مشيراً الى «أنّ الأمر مرتبط بكيفية معالجة الفريق الآخر والموقف الذي يتخذه، بعد صحوة ضمير لكي لا نُلقي بالبلد في فراغ كامل».

من جهتها، طلبت الوزيرة أليس شطبيني من سلام «أن يكلّف أشخاصاً لدرس معنى كلمة الوكالة وفحواها فهي ليست قضية دستورية. الدستور قال إنّ الصلاحيات تُناط وكالة بمجلس الوزراء الذي يعدّ شخصاً معنوياً. هو ليس شخصاً طبيعياً. والدراسة التي يجب أن تتمّ هي حول صلاحية المجلس أو الشخص المعنوي وكيف تُدار بصفته وكيلاً. إذاً، التفسير هو للوكالة وليس لقضايا دستورية للوزراء».

«حزب الله»

وفي غمرة التأزم السياسي، تترقّب الاوساط السياسية المواقف التي سيعلنها الامين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله عصر اليوم في احتفال تخريج أبناء الشهداء في مجمّع شاهد التربوي - طريق المطار.

وعشيّة كلامه، أكّد نائبه الشيخ نعيم قاسم استمرار الحزب في دعم سوريا، مؤكداً انه «سنكون في كل موقع يتطلّبه مشروع المقاومة». وقال من دمشق حيث شارك في المؤتمر الإعلامي الدولي لمواجهة الإرهاب التكفيري برعاية الرئيس السوري بشار الأسد، «إننا اليوم أمام سوريا التي تجاوزت خطر التحوّل وتغيّر الاتجاه، ولم يعد بالإمكان أن تسقط سوريا أو أن تتجه خارج دائرة محور المقاومة، وهي الآن في مرحلة إعادة دورها المحوري تمهيداً لمعالجة نتائج الحرب».

الراعي

ومع بقاء الازمة الحكومية بلا حلّ، شأنها شأن الأزمة الرئاسية، وَجّه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي نداء إلى «كل فريق سياسي وكتلة نيابية، كي يعيّن مرشّحه النهائي المقبول من الآخرين، على أن يكون مميزاً بصِفة رجل دولة معروفاً بتاريخه الناصع وبقدرته وحكمته على قيادة سفينة الدولة في ظروفنا السياسية والاقتصادية والأمنية الصعبة للغاية»، مؤكداً أنّ «المسيحيين اليوم هم حاجة بلدان الشرق الأوسط الملحّة والقصوى، وما من أحد يستطيع اقتلاع الكنيسة والمسيحيين من هذا المشرق، لأنّ الله زرعها وزرعهم في أرضه».

وأوضح الراعي، في كلمة في مؤتمر مسيحيي الشرق الأوسط الذي نظّمته «الرابطة المارونية» في جامعة «سيدة اللويزة أنه «بانتخاب رئيس للجمهورية من هذا النوع تعود الحياة الطبيعية إلى المؤسسات الدستورية والعامة، وتجرى الإصلاحات السياسية والإدارية اللازمة، وتتشدد مكوّنات الدولة القوية والقادرة والمُنتجة. عندها يستطيع لبنان أن يقدّم إسهامه في الحلول السلمية للنزاعات والحروب وممارسة العنف المتبادل، التي لا نتائج لها سوى المزيد من الهدم والقتل والتهجير».

وزيرة دفاع ايطاليا

على صعيد آخر، علمت «الجمهورية» انّ وزيرة دفاع ايطاليا روبرتا بينوني ستزور لبنان في الايام المقبلة للقاء المسؤولين، وفي مقدّمهم سلام ووزير الدفاع سمير مقبل وقائد الجيش العماد جان قهوجي، والبحث معهم في موضوع التعاون العسكري بين ايطاليا ولبنان والمساعدات التي تقدمها للجيش اللبناني، والدور الذي تؤديه الكتيبة الايطالية العاملة في اطار قوات الطوارئ الدولية في الجنوب، والتي ستتفقّدها.

وتأتي زيارة بينوتي بعد زيارة قام بها وزير خارجية ايطاليا باولو جينتيلوني منذ نحو عشرة ايام، وهو يستعد للتوجّه الى ايران في الرابع والخامس من آب المقبل.