على قدر استثنائية المرحلة وحجم المخاطر والأهوال المتعاظمة في الأفق، خرجت أصوات العقل والحكمة من دار الموحدين الدروز أمس منتصرةً لأرقى مفاهيم الوحدة والتبصّر في مواجهة «الأصوات المشبوهة» و«مشاريع التفتيت» التي يتلاقى عند تأجيج منابعها الدموية «النظامان السوري والصهيوني» وفق ما نبّه زعيم «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط في الكلمة التي ألقاها إثر اجتماع المجلس المذهبي الدرزي في دار الطائفة. وإذ أكد أنّ «كل الوقائع تشير إلى أنّ العد العكسي يقترب» من نهاياته بالنسبة لنظام الأسد، برز تشديد جنبلاط في مقابل تداعيات «الحدث الأليم» الذي حصل في بلدة «قلب لوزة» في ريف إدلب على كون المعالجة لا تكون «بالهيجان» بل بالهدوء والتروّي وقطع دابر الفتنة، التي نجح زعيم المختارة بالفعل في محاصرتها بالتشديد مراراً وتكراراً على أنّ «مستقبل العرب الدروز السوريين هو في «عقد الراية» والتآلف مع أهل حوران انطلاقاً من العلاقات التاريخية القديمة بين جبل العرب بقيادة سلطان باشا الأطرش وحوران»، موجهاً رسالة وطنية عروبية إلى دروز سوريا عنوانها العريض: المصالحة ثم المصالحة ثم المصالحة.. وإلا فإنّ «أي تفكير بمشروع ضيّق هو انتحار».

جنبلاط الذي ذكّر بسقوط «أكثر من 350 ألف قتيل في سوريا على يد النظام، وبوجود أكثر من 7 ملايين مهجر داخل سوريا و3 ملايين خارجها»، أكد أنّ ما حصل في «قلب لوزة» حادثة «فردية» تتمّ معالجتها بالاتصالات السياسية «محلياً وإقليمياً». وكشفت مصادر اجتماع المجلس المذهبي لـ«المستقبل» أنّ جنبلاط أوضح للمجتمعين أنه «على اتصال بالحكومة التركية» لمعالجة ذيول الحادثة وتطويقها وأنه سيوفد الوزير وائل أبو فاعور إلى تركيا خلال اليومين المقبلين.

ونقلت المصادر عن جنبلاط تأكيده خلال الاجتماع على «ضرورة الحفاظ على الثوابت وعدم جرّ الدروز إلى حمام الدم»، مشدداً في هذا السياق على كون «دروز سوريا وعموم الشعب السوري هم من نسيج اجتماعي واحد يجب الحفاظ عليه والتنبّه من المشاريع الفتنوية العاملة على ضربه وتفتيته». وبينما وصفت أجواء اجتماع المجلس بـ«الممتازة»، لفتت المصادر في هذا المجال إلى أنّ «كبار المشايخ والمرجعيات الروحية في المناطق حضروا الاجتماع ومن لم يستطع منهم الحضور حرص على إيفاد ممثل عنه لتأكيد وحدة الصف في مواجهة الفتنة»، مشيرةً إلى أنّ المداخلات التي ألقاها المشايخ أجمعت على كون «الشجاعة لا تكون بالانتحار» وأنهم يقولون ذلك «عن وعي وعقل وليس عن عجز»، منتقدين في المقابل «الأصوات الانتهازية» التي صدرت في أعقاب حادثة إدلب لتحريض الدروز على الثأر والانجرار إلى الاقتتال الأهلي. حتى أنّ أحد كبار المرجعيات الروحية، كما روت المصادر، نقل إلى المجتمعين أنّه تلقى اتصالات من مشايخ الدروز في سوريا أعربوا خلالها عن استغرابهم سلوك البعض مسلكاً تهويلياً تحريضياً على الساحة الدرزية في لبنان وكل المحاولات المفتعلة في هذا المجال لتأليب أبناء الطائفة على الشرائح الاجتماعية الأخرى بذرائع واهية مغايرة للواقع ومنافية للوقائع توحي بأنّ دروز سوريا يتعرضون لمجازر وعمليات إبادة وتظهرهم بشكل معيب وكأنهم عاجزون ومغلوب على أمرهم بينما هم لا يزالون أعزاء كرماء في مناطقهم ولا يحتاجون لا إلى سلاح ولا إلى مقاتلين.

واليوم يزور رئيس كتلة «المستقبل» الرئيس فؤاد السنيورة على رأس وفد من الكتلة كليمنصو للإعراب عن التضامن مع جنبلاط ومواقفه الوطنية في مواجهة مستجدات الأحداث، في حين قال وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس، الذي أجرى اتصال تضامن وتعزية برئيس «الاشتراكي»، لـ«المستقبل»: «كما في كل المفاصل الخطرة يطل وليد جنبلاط لاتخاذ الموقف الوطني الكبير، في وقت يعوّل كل النسيج العربي على موقفه لامتصاص آثار الجريمة النكراء التي حصلت في إدلب».

بري

سياسياً، نقل زوار رئيس مجلس النواب نبيه بري لـ«المستقبل» أنه يصرّ على عودة الحكومة إلى الاجتماع والإنتاج، مشدداً في هذا المجال على وجوب إعطاء المجال للاتصالات والمشاورات الجارية «لكن على ألا يطول الأمر كثيراً لحسم الموضوع». ولفت الزوار إلى أنّ بري يؤكد عزمه على «تغطية ميثاقية الحكومة من جانب المكوّن الشيعي في سبيل تمكينها من العودة إلى دائرة العمل والانتاجية»، كما يبدي إصراراً على فتح دورة استثنائية في المجلس النيابي لبتّ قضايا تشريعية مُلحّة لم تعد تحتمل التأجيل، علماً أنّ ذلك يحتاج إلى وجود حكومة فاعلة وغير مكبّلة لمواكبة العمل التشريعي.

«إشارات» حلحلة

وتزامناً، أفادت أوساط وزارية «المستقبل» أنها تلقت خلال الساعات الأخيرة «إشارات» حلحلة من قبل وزراء «حركة أمل» و«حزب الله» مفادها أنّ الحكومة في طريقها إلى العودة للاجتماع والعمل «وفق جدول أعمال عادي في غضون أسبوعين»، معربةً عن اعتقادها بأنّ «وزراء التيار الوطني الحر لا بد وأنهم سيقتنعون في نهاية المطاف بأنّ أكثرية أعضاء مجلس الوزراء تعارض طرح موضوع التعيينات بنداً وحيداً على طاولة المجلس في هذه المرحلة، بحيث أنّ هذا الموقف لم يعد مقتصراً على وزراء الرئيس تمام سلام و«تيار المستقبل»، بل هو أيضاً موقف الرئيس بري الذي يرفض بحث مسألة تعيين قائد للجيش قبل حلول موعد هذا الاستحقاق في أيلول، وكذلك الأمر بالنسبة لوزراء «اللقاء التشاوري» الذين يرفضون طرح هذه المسألة قبل انتخاب رئيس جديد للجمهورية».

بوصعب: لن نتراجع

في المقابل، نفى وزير التربية والتعليم العالي الياس بوصعب وجود أي إمكانية لتراجع «التيار الوطني الحر» عن موقفه المعلن حيال ملف التعيينات والمشاركة في أعمال مجلس الوزراء «كأنّ شيئاً لم يكن»، وقال لـ«المستقبل»: «لن نتراجع مهما كانت الضغوط».

وكشف بوصعب عن وقائع لقائه سلام أمس الأول في السرايا الحكومية، قائلاً: «أكدتُ له أننا لسنا ضد صلاحياتك ونتفهم موقفك كرئيس لمجلس الوزراء، ومستعدون لحضور أي جلسة للمجلس تدعو إليها غير أنّ موقفنا واضح وسنبقى ملتزمين آلية العمل الحكومي التي سبق واتفقنا عليها في غياب رئيس الجمهورية لناحية ضرورة اتفاق كل مكونات الحكومة على أي قرار رئيسي يُتخذ على طاولة مجلس الوزراء»، وأضاف بوصعب موضحاً موقف «التيار الوطني الحر»: «سوف نشارك في أي جلسة يدعو إليها الرئيس سلام وسنطالب بمناقشة ملف التعيينات العسكرية بنداً أولاً دون سواه، فإذا اتفقنا كان به وإلا فإننا سنرفض الانتقال إلى بند آخر. أما إذا أصرّ باقي أعضاء المجلس على مناقشة بنود أخرى فنحن المكونات الأربعة الرافضة لذلك سنعارض اتخاذ الحكومة أي قرار متعلق بأي بند آخر وسنسجل اعتراضنا خطياً ورسمياً رفضاً لطرح وإقرار أي مسألة غير مسألة التعيينات.. وهكذا دوليك في كل الجلسات اللاحقة».