بخلاف ما تشتهي رياح الفتنة والأبواق التي تنفخ في نيرانها لإعادة تعويم مراكب الأسد على دماء الاقتتال المذهبي والطائفي، أتت ردة الفعل الوطنية أمس التفافاً لبنانياً عارماً تضامناً مع بلدة «قلب لوزة» في ريف إدلب إثر الأحداث المأسوية الخطيرة التي ألمّت بها خلال الساعات الأخيرة وذهب ضحيتها عدد من أبناء البلدة من الموحدين الدروز. وفي حين سارع زعيم «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط إلى استنفار كل طاقاته وجهوده الوطنية والدرزية، على الساحتين اللبنانية والسورية، لقطع الوتر الفتنوي الذي يضرب عليه النظام السوري وأتباعه، مذكّراً بأنّ هذا النظام «هو من أوصل سوريا إلى هذه الفوضى«، توالت المواقف الرسمية والسياسية والروحية المستنكرة لأحداث إدلب وتلقى جنبلاط وشيخ عقل طائفة الموحدين الدروز نعيم حسن مروحة واسعة من اتصالات التضامن والتعزية، أبرزها من رئيسي مجلسي النواب والوزراء نبيه بري وتمام سلام، والرئيس سعد الحريري الذي دعا في معرض إبداء تضامنه مع أهالي ضحايا أحداث «قلب لوزة» ومع «أهلنا وإخواننا» الدروز في لبنان وسوريا، إلى «الاقتداء بالموقف الوطني النبيل» لجنبلاط.

وعصر اليوم يعقد زعيم «الاشتراكي» مؤتمراً صحافياً مباشراً على الهواء بعد انتهاء اجتماع المجلس المذهبي الدرزي الطارئ الذي سيلتئم عند الرابعة في دار الطائفة وسيخصص «لمناقشة مستجدات الأوضاع في إدلب والسويداء، ومحاصرة تداعيات الأحداث الدموية الأخيرة هناك من خلال وضع الأمور في نصاب العقل والحكمة وقطع الطريق على الانتهازيين» وفق ما أوضحت مصادر المجلس لـ«المستقبل»، لافتةً إلى أنّ هذا الاجتماع «يتميّز بكونه سيجمع الصف الدرزي الرسمي والديني حول كلمة سواء رافضة للفتنة، بحيث سيحضره إلى جانب أعضاء المجلس المذهبي بشقيه المنتخب والمعيّن، عدد كبير من المرجعيات الدينية والروحية في المناطق وفاعليات رسمية».

توازياً، علمت «المستقبل» أنّ جنبلاط عقد أمس اجتماعاً حزبياً طارئاً جمع فيه مجلس قيادة «الحزب الاشتراكي» ومجلس المفوضين ومسؤولي المناطق في الحزب، شدد خلاله على وجوب تعميم أجواء التهدئة والتعقّل ومحاصرة كل محاولات التحريض وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية على الساحة الدرزية. في وقت أفادت مصادر مواكبة للحراك الجنبلاطي «المستقبل» أنّ هذا الحراك يأتي في سياق «التصدي لمحاولات بعض الانتهازيين الساعين إلى تهييج الشارع الدرزي وحثّه على التسلّح والثأر رداً على أحداث إدلب»، موضحةً أنّ «الأخطر في هذا الإطار يكمن في محاولة هؤلاء جرّ نيران الفتنة السورية إلى الداخل اللبناني من خلال تحريض الدروز على الانتقام من النازحين السوريين».

وإذ أشارت إلى «رصد عمليات مبرمجة ومكشوفة تضخ إشاعات فتنوية ربطاً بالأحداث الجارية في سوريا يقف وراءها النظام السوري وأتباعه»، لفتت المصادر في المقابل إلى أنّ الاتصالات الحثيثة التي أجراها جنبلاط على أكثر من مستوى داخلي وخارجي سواءً مع قيادات المعارضة السورية أو مع مسؤولين إقليميين، نجحت في «إعادة تصويب الأمور وتهدئتها إلى حد كبير، سيما بعدما أثمرت هذه الاتصالات إصدار سلسلة بيانات من قبل «الجيش السوري الحر» وقيادة الجبهة الجنوبية للثورة وفصائل المعارضة في الشمال بالإضافة إلى «الائتلاف الوطني السوري»، كلها تؤكد التضامن مع أبناء طائفة الموحدين الدروز وتتمسك بوحدة الشعب السوري في مقابل كل محاولات بث الفرقة والاقتتال الطائفي والمذهبي بين السوريين»، لافتةً الانتباه بشكل خاص إلى تبرؤ «الجيش السوري الحر» في بيانه الصادر أمس من عمليات قصف مدينة السويداء بقذائف الهاون والتي «ثبت بالمعطيات والمعلومات أنّ نظام الأسد يقف وراءها لتأجيج نار الفنتة بين أهالي المدينة وقرى الجوار، بدليل إقدام فريق من التلفزيون السوري الرسمي على زيارة المدينة بشكل مفاجئ قبل 15 دقيقة فقط من سقوط قذائف الهاون ليتولى تغطية القصف بوصفه قصفاً مذهبياً يأتي من جانب قوى المعارضة ويستهدف أبناء السويداء الدروز، ثم ما لبث أن غادر طاقم تلفزيون النظام المدينة بعد انتهاء مهمته الفتنوية هذه».

الحريري

وبالعودة إلى المواقف اللبنانية المتضامنة مع أبناء «قلب لوزة»، فقد ناقش الرئيس الحريري تطورات الأحداث في سوريا مع جنبلاط خلال الاتصال الهاتفي الذي أجراه معه أمس مطلعاً منه على مجريات تلك الأحداث، فكان تأكيد مشترك على أهمية متابعة التواصل والتنسيق في هذه المرحلة الحرجة التي تشهد منعطفات كبيرة في المنطقة ما يحتّم بذل أقصى الجهود لحماية الإستقرار والسلم الأهلي في لبنان التي تبقى فوق كل الإعتبارات، بحسب ما أوضحت مفوضية الإعلام في «الحزب التقدمي الاشتراكي» في بيان أصدرته عقب الاتصال.

ولاحقاً، أصدر الحريري بياناً حذر فيه من أنّ «أسوأ ما يمكن أن تنحدر إليه الثورة السورية هو التطوع في مهمات قتالية لا وظيفة لها سوى تقديم الخدمات المجانية لنظام بشار الاسد»، منبهاً في هذا المجال إلى كون «الحوادث التي تناقلتها الأنباء من قرية «قلب لوزة» في إدلب، هي نموذج خطير عن السلوك المشين الذي يسيء إلى الشعب السوري وثورته وانتصاراته، ويعطي النظام وأتباعه فرصة التنفس من أخطاء بعض المعارضة والفصائل». وأضاف الحريري: «إننا إذ نستنكر الهجوم المسلح الذي استهدف قرية «قلب لوزة»، ونعبّر عن تضامننا مع أهالي الضحايا، ومع أهلنا واخواننا أبناء الطائفة الدرزية في لبنان وسوريا، ندعو إلى الاقتداء بالموقف الوطني النبيل لزعيم الحزب التقدمي الاشتراكي الاستاذ وليد جنبلاط الذي لم يتوقف منذ سنوات عن التحذير من محاولات النظام السوري، زجّ المجموعات الطائفية والمذهبية في حروبه العبثية، واستخدامها متاريس بشرية للدفاع عن كيانه السياسي».

سلام في اليرزة

أما في المشهد السياسي المحلي، فقد تقدمت إلى واجهة التغطية الإخبارية والسياسية أمس الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة إلى مقر وزارة الدفاع في اليرزة حيث كان في طليعة مستقبليه نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع سمير مقبل وقائد الجيش العماد جان قهوجي. وبعد استعراضه وحدة التشريفات في باحة الوزارة انتقل سلام إلى غرفة عمليات قيادة الجيش حيث استمع إلى شرح مفصّل عن مناطق انتشار الوحدات العسكرية على الحدود الشرقية وخصوصاً في منطقة عرسال ومحيطها. وكشفت مصادر المجتمعين لـ«المستقبل» أنّه خلال استعراض الأوضاع الحدودية تم إطلاع سلام على «بثّ مصوّر حيّ تنقله إحدى طائرات الرصد والمراقبة مباشرة إلى غرفة العمليات من أجواء المنطقة الجردية الحدودية حيث أظهرت الصور بشكل واضح لرئيس الحكومة كيف أنّ الطائرات التابعة للجيش تراقب عن كثب كل تحركات المجموعات المسلحة في تلك المنطقة». ولاحقاً، ألقى سلام كلمة أشاد فيها بأداء المؤسسة العسكرية وبحكمة قيادتها في التعامل مع المخاطر التي تواجهها البلاد، مؤكداً دعم الحكومة «الواضح والصريح» للجيش مع تشديده على ضرورة إبعاد المؤسسة العسكرية عن التجاذبات السياسية. 

وأوضحت أوساط رئيس الحكومة لـ«المستقبل» أنّ زيارته اليرزة «في الشكل هي زيارة بروتوكولية إلا أنها في المضمون تختزن العديد من الدلالات والمعاني الوطنية المهمة». وإذ لفتت الانتباه إلى أنّ الزيارة أتت «في يوم كان من المفترض أن تنعقد فيه جلسة لمجلس الوزراء قبل أن يتعذر ذلك بسبب التعطيل الحكومي»، أشارت أوساط سلام إلى أنّ خطوته أمس «ذات رمزية خاصة أراد من خلالها أن يشدّ على أيدي المؤسسة العسكرية قيادةً وضباطاً وأفراداً، وأن يؤكد بالتالي الثقة بالجيش وبحكمة قيادته والتضحيات التي يقدمها بكفاءة عالية دفاعاً عن لبنان سواءً في مواجهة الإرهاب أو في مواجهة العدو الإسرائيلي».

ورداً على سؤال، شددت أوساط رئيس الحكومة على كونه «حرص على التأكيد من اليرزة على مضمون القرار الأخير الصادر عن مجلس الوزراء الذي جدد التفويض المعطى للجيش للقيام بكل ما يراه مناسباً لضبط الأمن والتصدي للإرهابيين الذين يهددون البوابة الشرقية للوطن، بالطريقة التي يراها الجيش مناسبة وفي التوقيت الذي يراه مناسباً».