على جبهة «تشريع الضرورة» كان رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط أعلنَ إثرَ زيارته برّي أخيراً أنّهما سيتحرّكان معاً لأجل تأمين انعقاد المجلس النيابي لإقرار بعض مشاريع القوانين والاتفاقات الحيوية المهدّدة بالإلغاء إذا لم تقَونَن، أمّا على جبهة «مراسيم الضرورة» فيتحرّك رئيس الحكومة تمّام سلام على أساس أنّه لن يدعوَ إلى أيّ جلسة لمجلس الوزراء إلّا إذا ضمنَ انعقادَها وخروجَها بقرارات ملموسة، ولو تحت عنوان «قرارات الضرورة» أو «مراسيم الضرورة».

كشفَت مصادر ديبلوماسية مطّلعة لـ«الجمهورية» أنّ تجميد جلسات مجلس الوزراء عكسَ اهتماماً ديبلوماسياً بارزاً، بحيث فُتِحَت كلّ قنوات الاتّصال بالأفرقاء الأساسيين، سعياً إلى بلوَرة صيغة تؤدّي إلى ترتيب الوضع لعودة الحكومة، آخر المؤسّسات الدستورية المهدّدة بالتعطيل، إلى العمل، فإنْ لم تقارب الملفات الكبرى، فأقلّه لتسييرِ قضايا الناس اليومية وشؤون الدولة.

وقالت المصادر إنّ بعض السفراء توَجّسوا من تجميد العمل الحكومي في هذه المرحلة بالذات، في وقتٍ توسّعَت رقعة الإشتباكات في سوريا عقبَ الانتكاسات الكبرى في الداخل جنوباً وشمالاً، بالإضافة إلى اقتراب النيران جرّاء اشتباكات القلمون من تخوم الأراضي اللبنانية، ما أدّى إلى ارتفاع منسوب القلق على الوضع الداخلي في لبنان.

لكنّ المصادر الديبلوماسية، أبدَت اطمئنانَها إلى عدم خروج ردّات الفعل في لبنان عن نطاق الموقف السياسي، وتحدّثَت عن اتّصالات كثيفة أجراها بعض السفراء بعيداً من الأضواء سعياً إلى استئناف العمل الحكومي مجدّداً، من هنا، أرجَأ السفير الأميركي ديفيد هيل سفرَه إلى الخارج حتى نهاية الأسبوع الجاري أو مطلع الأسبوع المقبل، بعدما كان مقرّراً أن يغادر بيروت أمس.

«التطوّر النوعي»

إلى ذلك، توقّفَت مصادر ديبلوماسية وأمنية مليّاً أمام «التطور النوعي» في شكل العمليات العسكرية الجارية في القلمون، والمتمثّل بهجوم مسلّحي «داعش» المفاجئ على مواقع لـ»حزب الله» في جرود رأس بعلبك والقاع في العمق السوري للمنطقة، تزامُناً مع اشتباكات أُخرى كانت تدور بين «داعش» و»النصرة» في تلك المنطقة، بعدما كانت قيادة «حزب الله» أقامَت مواقعَ متقدّمة منذ أيام، خصوصاً في المنطقة التي تربط بين جرود القاع وريف القصير تزامُناً مع الضغوط التي شكّلَتها هجمات عناصرِه في القلمون الجنوبي في اتّجاه الوسَط والشمال.

وقالت هذه المصادر لـ«الجمهورية» إنّ التحرّكات الديبلوماسية التي واكبَت التطوّرات في جنوب سوريا وشمالها، نَقلت كثيراً من الرسائل التي يمكن أن تُبَدّل في أولويات وبرامج العمليات العسكرية التي يقودها النظام و»حزب الله» وتَضمّنَت تحذيرات شديدة من انعكاسات السعي إلى حسم بعض المواقع في معادلة جديدة ربَطت بين ما يجري في القلمون ومناطق أخرى في الداخل السوري قد تفرمِل بعضَ العمليات العسكرية وترسم خطوطاً حمراً».

مصدر عسكري

وفي السياق، شدّدَ مصدر عسكري رفيع لـ»الجمهورية» على أنّ «الجيش اللبناني يَرفع جهوزيتَه على كامل السلسلة الشرقية وصولاً إلى القاع لحماية البَلدات من أيّ محاولة تسَلّل أو هجوم ينفّذه المسلّحون»، موضحاً أنّ «التدابير متّخَذة منذ فترة وأنّ تحصينات الجيش في منطقة عرسال ورأس بعلبك
لا يمكن اختراقها، خصوصاً أنّه يعتمد على تقنيّات حديثة من أجهزة مراقبة وأسلحة هجوم، كما أنّه يتفوّق عدَدياً على المسلحين».

وأكّد المصدر أنّ «الجيش لم يشارك في معارك جرود بعلبك لأنّها وقعَت من الجهة السورية بين «حزب الله» والمسلّحين، وقرار الجيش واضح بحماية لبنان، وفي الوقت نفسِه عدم القتال خارج الأراضي اللبنانية».

وأشار المصدر إلى أنّ الرماية التجريبيّة للصواريخ المضادة للدروع نوع «TOW» التي تسَلّمَها الجيش أخيراً من الولايات المتحدة الأميركية في إطار الهبة السعودية المقدّمة إلى الجيش اللبناني، والتي ستحصَل اليوم في حقلِ رماية الطيّبة في بعلبك، «تؤكّد مدى جهوزية الجيش وأنّه غير متروك وحدَه، وهناك دوَل تمدّه بالسلاح والذخيرة، وعلى رأسِها أميركا التي تُثبِت أنّها تُسَلّح الجيش بكثافة، وهي جدّية في تسليحها».

سلام

إلى ذلك، وفيما يتريّث رئيس الحكومة تمّام سلام في دعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد، إفساحاً في المجال أمام مزيد من الاتصالات للخروج من المأزق الحكومي، وفي حركة الاتّصالات، زارَه أمس وزير الإعلام رمزي جرَيج متمنّياً عليه «عدمَ الخضوع للابتزاز السياسي، واستعمال الصلاحيات التي منحَه إيّاها الدستور بدعوةِ مجلس الوزراء إلى الانعقاد وتحديد جدوَل أعماله، وعدم الرضوخ للضغوط التي يمارسها فريق لفرضِ إرادته على اللبنانيين، وقد تمَثّلت هذه المحاولة بقولِ الشيخ نعيم قاسم يوم أمس «إمّا أن يأتي العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية أو سيبقى الفراغ إلى أجل غير منظور».

في عين التينة

إلى ذلك شهدَت عين التينة حراكاً لافتاً، حيث استقبل رئيس مجلس النواب نبيه برّي الوزير محمد فنيش والنائب علي فيّاض. كذلك التقى الوزير الياس بوصعب، وجرى عرضُ الأزمة الحكومية وسُبل الخروج منها وخيارات التعامل مع المرحلة المقبلة.

وكان بوصعب أعلنَ مِن دار مطرانية بيروت للروم الأرثوذكس التوافقَ مع المطران الياس عودة «على أنّ الأهمّ اليوم أن تسودَ الوحدة بين المسيحيّين، وأن نضعَ المشكلات جانباً ونتكلّم على القرار الذي يجب أن يُتّخَذ للحفاظ على وحدتنا وبقائنا في الشرق الأوسط وفي المنطقة.

كذلك على الأفرقاء الآخرين، شركائنا في البلد، أن يعترفوا بالتمثيل الحقيقي والصحيح للمسيحيين وللقيادات التي تمثّلهم في لبنان والتعامل معهم على هذا الأساس». رافضاً «الفكر الإلغائي» ومؤكّداً «وجوبَ إيجاد شراكة حقيقية، والتعاون بعضُنا مع بعض للخروج من الأزمة»، وقال: «لن ننسحبَ من الحكومة، وسنستمرّ في مناقشة وجهة نظرنا داخل مجلس الوزراء، لعلّنا نتمكّن من إقناع شركائنا في أنّ هناك أولويات والاعتراف بمطالب لفريقنا».

«التكتّل»

في غضون ذلك، طالبَ تكتّل «التغيير والإصلاح» بأن «تنعقدَ الحكومة في هيئة مجلس الوزراء لكي تمارسَ حقوقَها الدستورية ولا تنكفئ»، مؤكّداً أنّه لن يسمحَ «بأن تجتمع لمخالفة الدستور والقانون أو أن تسمح لوزراء فيها باختزال صلاحياتها». وأعلنَ أنّ مبادرة رئيسِه عون «قائمة وسائرة إلى بدايات التنفيذ في بنودها التسوَوية».

زوّار الرابية

إلى ذلك، نقلَ زوّار الرابية لـ«الجمهورية» عن عون أنّه مرتاح «بعدما طفَت المشكلة على السطح وظهرَت إلى العَلن، ما يساعد على معالجتها بعدما بانَت نيّات الجميع على حقيقتها ولم يعُد أيّ طرَف مختبئاً وراء متراسِه، فالرئيس سَعد الحريري اتّفقَ معه على إجراء التعيينات قبل أن يعلنَ تيار «المستقبل» أن لا تعيينات قبل أيلول».

وأضافوا: «إنّ الكلام الذي كان يُعطى لعون تبيّنَ اليوم على حقيقته، وهو يتعامل مع الأمر على هذا الأساس». وأشاروا إلى أنّ «عون ماضٍ في موقفه حتى النهاية، وأنّ أيّ حلّ للأزمة يجب أن يأخذ في الاعتبار التعيينات العسكرية والأمنية أوّلاً، ومِن هناك تحصل تسوية أخرى، فليكُن، لكن لا تسوية على حساب التعيينات».

ونَقلوا أنّ «الرابية تتنازل منذ سنة وشهرين، وهي لا تنفكّ عن مطالبة الحكومة باحترام القوانين والسَير في التعيينات، لكنّها تؤجّل وتؤجّل تحت ذرائع عدّة ومنها أنّ الوقت غيرُ مناسب لطرح هذا الملف، إلى أن وصلنا إلى مرحلة: إمّا تعيينات، وإمّا لا تعيينات، والتنازل معناه لا تعيينات. الاتّفاق مع الحريري على إجرائها حصَل، ولم يعُد هناك بعد اليوم أيُّ تنازل».

«المستقبل»

في غضون ذلك، أسفَت كتلة «المستقبل» أن يكون الطرَف السياسي الذي يتسبّب بتعطيل انتخاب رئيس للجمهورية، هو ذاته الطرَف الذي يعمل الآن على تعطيل عمل الحكومة»، مشيرةً إلى أنّ «المفارقة العجيبة في سلوك هذا الطرف بكونه يَدّعي أنّه ينطلق من حِرصه على موقع رئيس الجمهورية ودورِه وصلاحياته والأعراف المتعلقة بمهمّاته، ويُجرّده في الوقت نفسه من كثير من أدواره، ومنها المشاركة الفعّالة في اختيار قائد الجيش، كون الرئيس هو أيضاً القائد الأعلى للقوات المسلّحة».

وقالت: «إنّ تعطيل «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» وبعضَ حلفائهما عملَ الحكومة يؤدّي إلى مزيد من تعطيل مصالح الناس الحياتية والقطاعات الإنتاجية والمعيشية»، وحمّلَتهم «المسؤولية الكاملة أمام هذا التدمير المنهجي للدولة ومؤسّساتها، وهو ما يَفتح البابَ على مصراعيه على مصاعب اقتصادية وماليّة ونَقدية، ما يتطلّب من الجميع الارتفاع إلى مستوى المسؤولية من خلال وقفةٍ حازمة واضحة بعيداً عن المصالح الشخصية والحزبية من أجل إنقاذ لبنان واللبنانيين من كارثة محتّمة».

وكان وفد «المستقبل» واصَل أمس جولاته على القيادات، فزار رئيس حزب الكتائب أمين الجميّل والرئيس السابق ميشال سليمان. واعتبَر الجميّل أنّ «التعطيل هو انقلاب على الدستور والمؤسسات ومصلحة لبنان العليا، وبالتالي انتحارٌ الجميع». وقال: «نحن مع انتخاب الرئيس وتحريك عجَلة الحكومة ومجلس النواب».

أمّا النائب أحمد فتفت، فقال: «إنّنا متّفقون مع حزب الكتائب على رفض تعطيل الحكومة، وهناك حاجة إلى تنسيق أكبر لناحية إنتاجها»، ورأى «أنّ تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية هو الذي يعطّل كلّ شيء في البلد، وهناك مسؤولية على جميع اللبنانيين أن يضعوا إصبعَهم على الجرح».

فرعون

وقال وزير السياحة ميشال فرعون لـ«الجمهورية»: «أوّلاً لسنا مقتنعين بسبَب التعطيل، ولا شكّ في أنّه يجب إيجاد آليّة في مجلس النواب ومجلس الوزراء لتشريع الضرورة ولحكم الضرورة، فلا نستطيع تعطيلَ كلّ الأمور، فهناك قضايا لا يمكن أن تتعطّل، خصوصاً في مجلس الوزراء، المؤسّسة الأخيرة التي تعمل، وهذه المواضيع هي قيد النقاش مع رئيس الحكومة الذي لديه صلاحية تقرير بنود جدول الأعمال والبنود من خارج هذا الجدول، فنشَدّد على حكم الضرورة وتشريع الضرورة مهما تكن الخلافات السياسية، وهذا نسمّيه شبكة الأمان الحكومية.

وذكّرَ فرعون بأنّ الحكومة «تألّفَت على أساس عنوانَين: الأوّل: الاتفاق السياسي على الأمن، وهو لا يزال سارياً على رغم الهزّة التي تعرّضَ لها على خلفية الجدل حول ملف عرسال وتردّداته. والثاني حماية وجود الحكومة في ظلّ الشغور الرئاسي، وهو أيضاً اتّفاق داخلي وخارجي».

سلامة

إلى ذلك، بدأت مفاعيل الشَلل الحكومي تَظهر في المفاصل الاقتصادية والماليّة في البلد، وبرزَت مخاوف إضافية بسبب اقتراب موعد تسديد استحقاق دَين على الدولة بقيمة 500 مليون دولار يحتاج إلى إصدار مالي لاستبداله، وبما أنّ الحكومة لا تجتمع لتوافِقَ على الإصدار، وكذلك المجلس النيابي، تَقرَّرَ أن يتمّ دفعُ الاستحقاق من احتياطي الموازنة، ولكنّ هذا الإجراء لا يمكن أن يحلّ مكان الإصدار، وهذا الأمر شرحَه حاكم مصرف لبنان رياض سلامه لـ«الجمهورية»، إذ أوضَح «أنّ هناك أموالاً احتياطية ستَستخدمها الدولة لدفع الاستحقاق. لكنّ هذا لا يَعني إلغاءَ الإصدار الذي يَنبغي أن يتمّ لاحقا». (تفاصيل ص 13).

درباس

في السياق نفسِه، حَذّر وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس من «انكماش اقتصادي عام، وشَللٍ يصيب البلادَ بسبب وقفِ الإنفاق العام». وكشفَ لـ«الجمهورية» أنّ وزير المال علي حسن خليل «نَبَّه في اجتماع مجلس الوزراء الأخير إلى أنّ كلّ الرواتب باتَت في خطر».

وأوضَح درباس ردّاً على سؤال «أنّ توقّفَ الإنفاق سيُطاول أيضاً العقود التي تنجِزها الوزارات مع الشركات أو مع الموظفين»، لافتاً إلى أنّ وزارة الشؤون الاجتماعية هي أكثر وزارة لديها تعاقدات تُعَدّ بالمئات.

وردّاً على سؤال عمّا إذا كانت وزارة المال قادرة على استخدام المال في احتياطي الموازنة لتسديد استحقاق دَين في حزيران تبلغ قيمته 500 مليون دولار، قال درباس: «ما أعرفه أنّ تحريك الأموال من الاحتياطي يحتاج إلى قرار تتّخذه الحكومة، لكنّني لا أعرف الإجراءات المتّخَذة في هذا الإطار لاستخدام الاحتياطي في تسديد استحقاق دَين عام»