إذا كانت الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء قد مضت على خير بعدما سُحب منها فتيل عرسال الذي كان يهددها تمهيدا لتعطيل الحكومة في ظل السقوف العالية التي توالى على رفعها كل من الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله ورئيس التيار الوطني الحر النائب ميشال عون، فقد بدا من مجريات الجلسة أولاً ومن ثم من الاتصالات التي تلتها أن التهديد الحقيقي الذي يواجه الحكومة يتمثل بملف التعيينات الامنية والعسكرية في ظل رفض عون لطرح مسألة قيادة قوى الامن الداخلي مع إنتهاء ولاية المدير العام اللواء إبرهيم بصبوص منتصف الاسبوع المقبل بمعزل عن السلة المتكاملة للتعينات والتي يندرج ضمنها تعيين قائد جديد للجيش.

لكن مصادر وزارية مطلعة أكدت لـ"النهار" أن الاتصالات الجارية عشية الجلسة الاستثنائية لمجلس الوزراء الاثنين والمخصصة لبحث ملف التعيينات قد نجحت في إيجاد مخرج لهذا الملف الحساس. وكشف أن السيناريو يقضي بأن يطرح وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق موضوع تعيين المدير العاد لقوى الامن الداخلي، مقترحا ثلاثة أسماء ليصار إلى إختيار أحدها. وبما أن أي إسم لن يحظى بأكثرية الثلثين المطلوبة، يعمد المشنوق إلى إصدار مرسوم بتأجيل تسريح بصبوص حتى أيلول بما يتزامن مع إنتهاء ولاية قائد الجيش العماد جان قهوجي.
وقالت المصادر أن هذا المخرج من شأنه أن يحمي الحكومة من التعطيل أو التفجير من الداخل خصوصا وأن لا نية لدى القوى الاساسية بتعطيلها، بإستثناء عون. كما ان هذا المخرج يقلل الاحراج لزعيم التيار الوطني الحر ولحليفه "حزب الله" بعدم السير بالسلة المتكاملة للتعيينات التي يطالب بها عون، مشيرة إلى إستحالة تعيين قائد جديد للجيش حتى لو تم التوافق عليه وعلى عدم التمديد لقهوجي قبل إنتهاء ولايته لما لذلك، فيما لو حصل، من إنعكاس سلبي وسيئ على القيادة العسكرية التي ستصبح برأسين من الآن وحتى إنتهاء ولاية قهوجي في ايلول المقبل.
لكن على المقلب الآخر، اكد وزير التربية الياس ابو صعب لـ"النهار" ان مطالب التيار واضحة ولن نقبل بطرح اي جدول اعمال قبل بت ملفي عرسال والتعيينات العسكرية. وإذ كشف أن ملف عرسال يمكن التفاهم عليه وهناك حلول له عندما يتولى الجيش المسؤولية، لكننا "لن نقبل بتمييع ملف التعيينات او طرح إقتراحات مثل تأجيل التسريح لتأجيل بت هذا الموضوع".
وكان عون أثار هذا الموضوع خلال لقائه وفودا شعبية في الرابية أمس إذ قال ان " جرود عرسال من مسؤولية الجيش وإذا لم يساهم في تحريره سيخسر دوره". وقال أن "أحداً لا يستطيع إلغاء دورنا، فنحن نختار النخبة ونظنّ أن هناك تواطؤا ضدنا من قبل البعض في الوطن" وإذ رفض "أن تصبح الدولة خاضعة لمزاجية الوزير" رأى ان هناك ميثاق يجمع الفرقاء في الحكومة ونحن مجبرون على الاتفاق". وفي موضوع قائد الجيش قال ان وزير الدفاع يعرف جيدا انه يخطئ في ملف تعيين قائدا للجيش".
وفي هذا السياق ايضا، برز كلام لنائب رئيس المجلس النيابي فريد مكاري إذ اكد ان "ثمة توافق لبناني على شامل روكز، ولا حاجة ليقنع أحد سعد الحريري بشامل روكز اذ هو مقتنع به، وهذا كلام سمعته منه، وبالتالي لا خلاف على مسألة قدرة العميد روكز أو مناقبيته، بل الخلاف هو على التوقيت وعلى ضرورة احترام مقام رئاسة الجمهورية، إذ لا يجوز تعيين قائد جيش من دون أن يكون لرئيس الجمهورية المقبل رأي فيه".

 

ورأى أن "الهدف من التصعيد في موضوع عرسال هو الضغط في موضوع التعيينات. وأكد أن "لا فريق 14 آذار عموما ولا الرئيس سعد الحريري تحديدا يقايض بين المناصب القيادية الأمنية ورئاسة الجمهورية".
وفيما إستمر التصعيد الكلامي بين "حزب الله" وتيار "المستقبل" على حدته امس، منذراً برفع المواجهة بين الطرفين الى مستويات غير مسبوقة على مسافة اسبوعين من جلسة الحوار الجديدة المرتقبة بينهما، فإن مراجع سياسية في "المستقبل"، قللت من اهمية هذا التصعيد ووضعته في إطار المواجهة السياسية التي يرفض "المستقبل" تسجيل أي تراجع أو تنازل عن مواقفه أمام الممارسات التي يقوم بها الحزب في بلدة عرسال وجرودها.
ورأت أن مواقف الحزب تعكس كمية عالية من التوتر، لكنها لن تنسحب على الوضع الداخلي لا في عرسال ولا في شأن الوضع الحكومي، مشيرة إلى أن الحزب لن يذهب إلى حد التضحية بالحكومة ولا مصلحة له بذلك، لأنه بذلك يخسرالتغطية السياسية والشرعية القانونية التي توفرهما له.
وكان التصعيد السياسي بين الحزب و"المستقبل" بلغ ذروته، اذ أكد نائب رئيس المجلس التنفيذي في الحزب الشيخ نبيل قاووق أن "بعض اللبنانيين يراهنون على العصابات التكفيرية الموجودة في القلمون وجرود عرسال وسوريا، فيحاولون نصب خيمة زرقاء لها هناك لحمايتها، كما يحاولون أن ينكروا وجود هذه العصابات واحتلالها للأراضي اللبنانية في جرود عرسال، في حين قال رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد " ان هؤلاء المتأنّقين المتزيّنين الذين يظهرون علينا في مظهر الاعتدال، يخفون في أكمامهم السكاكين والاسلحة التي يمثلها الارهاب التكفيري، فيحرّضونهم ضدنا لتحقيق مكاسب من خلالهم على حساب كل شركائهم في الوطن. هذا الشيطان الذي يستعين به المعتدلون السياسيون الواهمون، اول من سيتصدى لهم بعد ان يهزم مواطن القوة في شعبنا وفي بلدنا".
اما "المستقبل " فرد عبر وزيره في الحكومة اللواء أشرف ريفي فدعا حزب الله إلى "الكف عن الرهان على المشروع التفتيتي الذي بدأ ينهار والعودة إلى الدولة والمؤسسات الشرعية"، وقال ان "أهالي عرسال ليسوا بحاجة إلى فحص دم"، مشيراً إلى أنه "واهم من يعتقد أننا نقبل أي تطاول على عرسال، فهي خط أحمر، ولن نتهاون في حمايتها.
وفي الملف الرئاسي قال ريفي "لن نسمح أن يرتبط المشروع الإيراني بانتخاب رئيس للجمهورية"، معتبرا ان "من لا يشارك في جلسات انتخاب رئيس خائن، محذراً من ان الشغور خلق فجوة كبيرة في مظلة الأمان السياسي في البلد".
من جهته، شدد وزير البئة محمد المشنوق على "ان حزب الله اعقل من ضرب عرسال، مشيرا في حديث إذاعي الى "ان الاتصالات والحوارات الجارية بين الكتل مستمرة في محاولة لضبط الواقع على الارض". ورأى"ان بند التعيينات الامنية سيكون حاضرا الى جانب ملف عرسال في جلسة الاثنين"، متوقعا "ان يمر قطوع التعيينات من خلال التمديد للمدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص بقرار من وزير الداخلية، وان اي تصعيد قد يقتصر على احتجاج الطرف الرافض للفكرة لأن الجميع ضد تفجير الوضع داخل الحكومة".

ولفت الى "ان هناك تواصلا غير مباشر بين الرئيس تمام سلام والعماد ميشال عون عبر الوزير جبران باسيل يترجم بالامتناع عن اثارة المواضيع الساخنة".
من جهة اخرى، تحرك جديد لأهالي العسكريين المحتجزين لدى "داعش" و"جبهة النصرة"، الذين اجتمعوا مجددا امس في ساحة رياض الصلح، وأصدروا بيانا لوحوا فيه بالعودة الى الشارع، معتبرين ان "هذه الخطوة لا بد منها بعدما شمل الغموض القضية والأهالي". وعمد ذوو العسكريين الى قطع الطريق أمام السرايا الحكومية بعدما كانت القوى الامنية اعادت فتحها الخميس الماضي، الا انهم فتحوها بعد مدة قصيرة "كبادرة حسن نية تجاه رئيس الحكومة تمام سلام" على حد تعبيرهم، مشيرين الى انهم سيعيدون اقفالها الخميس المقبل، في حال لم يحصلوا على أي معطى يطمئنهم.